كان للروائي الكويتي الشاب سعود السنعوسي، تجربة مريرة مع الرقابة في الكويت، إذ مُنعت روايته الثالثة "فئران أمي حصة"، وعن هذا المنع قال في تصريح جريء ذات مرة، إن الرقيب مغلوب على أمره، وهو لا يملك شجاعة أن يجيز الكتاب لأنه يخشى المجتمع، وأن المجتمع هو الرقيب الحقيقي حين يسأل "كيف تجيزون هذا الكتاب؟".
تتحدث رواية "فئران أمي حصة" عن الطائفية في الكويت، محذّرة منها، منذرة من اقتراب نارها. وعن هذه الرواية يقول الكاتب إنه حاول أن يحكي عن علاقة الكويتيين ببعضهم. وربما موضوع هذه الرواية كان السبب في منعها، إلا أن السنعوسي لم يستسلم، بل اتخذ قراراً جريئاً حين أقام دعوى ضد وزير الإعلام ووكيله، وتمكن بعد أربع سنوات ونصف من رفع منع روايته، ويعدّ هذا الحدث انتصاراً للأدب والرواية ضد القمع والرقابة.
في هذا الحوار نلتقي مع الروائي الكويتي لنعرف أكثر عن رواياته المفضلة وكتّابه المفضلين، وعن علاقته مع إنتاجه الأدبي.
1. إذا قُيض لك أن تقضي أمسية برفقة روائي من الزمن الحالي أو من الزمن الماضي، من تختار؟ ولماذا؟
فيكتور هوغو، تشغلني الكثير من الأسئلة تجاه شخصياته، كيف له أن يمنح الواحدة منها تلك الأبعاد الحقيقية، شخصيات بوجوه كثيرة وفق ظروفها، تتغيّر تتطور أو تتقهقر، شخصيات تتعاطف معها، تكرهها، تنفر منها ثم تقف موقف الحياد أمامها لتدرك أنك تقرأ لتفهم الشخصية، دونما محاكمة أو إدانة. ربما هناك الكثير من الروائيين الذين يدهشونني بأدواتهم الكتابية والخوض في جديد الكتابة، ولكنني في بناء الشخصية لم أتجاوز دهشتي إزاء شخوص هوغو، كل شخوصه لا تبدو لي شخصيات ورقية. هوغو يدفعك للتعاطف مع اللص، وإدانة الشرطي الذي يؤدي واجبه، واحترام المومس والانتصار لها من دون أن تدري كيف ولماذا، إنه الروائي الذي يدفعك للمراوحة بين عقلك وعاطفتك في أثناء القراءة.
2. إذا افترضنا أنه يحق لك توجيه سؤال وحيد لروائي تحبه، من هو الكاتب؟ وما هو السؤال؟
جوزيه ساراماغو. وسؤالي له: "ماذا لو" افترضنا جدلاً عدم وجود هذا الافتراض "ماذا لو؟"، كيف سيكتب ساراماغو؟ وأهم نتاجه الروائي تقريباً يقوم على بناء عالم مفترض يؤثثه وينسج تفاصيله على هذه الفرضية: ماذا لو انفصلت شبه الجزيرة الأيبيرية عن أوروبا؟ ماذا لو أصيب الناس، كل الناس، بالعمى؟ ماذا لو انقطع الموت عن البشر؟ ماذا لو أضرب كل الناس عن التصويت في الانتخابات؟ يبدو السؤال مجنوناً، ولكن عوالم ساراماغو أكثر جنوناً وهو يبني عالماً يقوم فرضية مستحيلة، ويخلص بإقناعك بحقيقيتها.
تتحدث رواية "فئران أمي حصة" للروائي الكويتي الشاب سعود السنعوسي عن الطائفية في الكويت، محذّرة منها، منذرة من اقتراب نارها
كان للروائي الكويتي الشاب سعود السنعوسي، تجربة مريرة مع الرقابة في الكويت ولكنه لم يستسلم، بل اتخذ قراراً جريئاً حين أقام دعوى ضد وزير الإعلام ووكيله، وتمكن بعد أربع سنوات ونصف من فسح روايته، ويعدّ هذا الحدث انتصاراً للأدب والرواية ضد القمع والرقابة... هنا حديثه عن رصيف22
3. ما هي الروايات التي تعتبر أنك لولا قراءتها لما كانت صنعتك الروائية ما هي عليه اليوم؟
الروايات الكلاسيكية ذات النفس الطويل في البدء، فيكتور هوغو، تشارلز ديكنز، هرمان ميلفل، نجيب محفوظ، دوستويفسكي وآخرون. وبعيداً عن الأعمال الكلاسيكية، أحسب أني مدينٌ لساراماغو وبول أوستر في الجرأة على المحاولة لكتابة شكلي الجديد، ليس بالضرورة أن يكون جديداً على السائد، إنما جديد بالنسبة لي قارئاً بالدرجة الأولى وكاتباً.
4. إذا سُمح لك أن تختار شخصية روائية واحدة لتقضي برفقتها يوماً كاملاً في مدينتك، من تكون هذه الشخصية؟ ولماذا اخترتها؟ وإلى أين ستصطحبها؟
روبنسون كروزو، بطل الرواية التي تحمل اسمه، للروائي دانييل ديفو. سوف أصحبه إلى إحدى الجزر الكويتية غير المأهولة، وربة، كُبَّر، عوهة أو أم المرادم، واحدة من هذه الجزر لكي يبني لي فيها عالماً فُتنت به صغيراً، حتى إنني كرهت الرواية في نهايتها عندما تخلى كروزو عن جزيرته وعاد إلى الحياة المدنية في وطنه.
5. من الروائيين العرب، من هو الروائي الذي يعجبك وتظن أنه لم يقرأ بالشكل الكافي من قبل القراء العرب؟ وبأي رواية له تنصحهم؟
قد تستغرب لو قلت لك نجيب محفوظ. أعتقد على كثرة الدراسات والقراءات التي اعتنت بتجربته ما زال محفوظ قابلاً للاكتشاف، في كل مرة أقرأ فيها نجيب محفوظ اكتشف جديداً في أدواته الكتابية المبكرة؛ اللغة وتباينها بين عملٍ وآخر وفق ما يقتضيه النَّص، العناية في بناء الشخصيات وتطورها، الدلالات الزمنية، الطابع الفلسفي الذي لا يكاد يخلو منه نص، الجرأة في التجريب، القدرة المذهلة والوعي باستخدام الضمائر على نحو قلَّ ما أقرأ لدى الآخرين. لو كنت سأنصح شخصاً يقبل على الكتابة، سأنصح بعملين لمحفوظ؛ الثلاثية وثرثرة فوق النيل، فبين الثلاثية الموغلة في كلاسيكيتها على صعيد الموضوع وثرثرة فوق النيل الجريئة في شكلها يلمس القارئ حرفة الكتابة لدى محفوظ.
6. حين تنهي روايتك فإنك بشكل ما تضع حداً لعلاقتك مع شخصيات الرواية، لتستطيع التفكير بشخصيات رواية أخرى. هل حصل معك أن طيف شخصية لاحقك بعد انتهاء الرواية، ولم تستطع التخلص منه بسهولة. من هي هذه الشخصية ومن أي رواية؟
عرزال بن أزرق/ منوال بن أزرق. ربما لأنه أرهقني في كتابته وأنا ألقي على لسانه كل تلك الأسئلة المؤرقة، أسئلة الوجود، الأنا والآخر والأعلى وأيهما يخلق الآخر؛ الروائي أم المروي عنه؟ كانت رواية صغيرة الحجم بالمقارنة مع ما سبقها، ولكن الشخصية المسكونة بقلق السؤال ظلت لصيقة بي، وكانت تتلبسني أثناء كتابة "ناقة صالحة"، وهذا ما استبعدته في التحرير بعد عودتي إلى قراءة العمل بعد انقطاع شهور. كنت أضحك بانزعاج وأنا أشطب وأعيد الكتابة: هذا عرزال وليس صالحة!
7. من رواياتك، ما هي الرواية التي تعتقد أنها الأكثر طموحاً على صعيد البناء؟ لماذا؟
لا أدري حقيقة، دعني أصدقك القول بأني في كل مرة أكتب فيها رواية أحسبها الأفضل بناءً مقارنة مع سابقاتها، ولكن ما إن تصدر الرواية، وبمرور الشهور، أكره أن أتصفحها لأني أكتشف بأنها محاولة ظننت أنها ترضيني. كنت سعيداً في "فئران أمي حصة"، نفرت منها بعد شهور وعملت على "حمام الدار"، كنت راضياً عن التجربة، ثم وجدتُ حيلاً أكثر فاعلية في البناء حينما تصفحتها بعد صدورها بحوالي سنة، وأخيراً في "ناقة صالحة" لجأت إلى بناء أكثر بساطة أدري أني سوف أكرهه بعد شهور. ربما، ولست متأكداً، "فئران أمي حصة" هي التي أتعبتني في بنائها لكي يجيء محكماً على ما تمنيت، روايتان في رواية، لكلٍ بداية، تلتقيان في نهايتهما.
8. لجملة البداية في الرواية أثر ساحر. ما هي البداية التي تبادرت إلى ذهنك مباشرة الآن، ومن أي رواية ولمن؟
كثيرة، ولكن آخرها: "بدأت الحرب في زغرب بسبب علبة سجائر"، أول جملة في رواية "فتاة في حالة حرب" للروائية الكرواتية سارة نوفيتش. أن تبدأ حرباً بسبب علبة سجائر، ثم تبدأ رواية بهذا المفتتح، إنه أمر يدعو إلى مواصلة القراءة لمعرفة التفاصيل.
9. ما هي آخر رواية قرأتها وأعجبتك وتحب أن تقترحها لقراء رصيف22؟
ليس آخر رواية قرأتها، إنما آخر ما أعجبني؛ رواية "الغرق" للروائي السوداني حمُّور زيادة، عالمٌ سحري فاتن، مكان نابض بالحياة، وشخصيات نسائية لا تُنسى.
سعود السنعوسي كاتب وروائي كويتي من مواليد 1981. نشر قصة "البونساي والرجل العجوز" التي حازت على المركز الأول في مسابقة القصص القصيرة في مجلة العربي الكويتية بالتعاون مع إذاعة بي بي سي العربية.
حاز عدداً من الجوائز، منها الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) عام 2013، عن روايته "ساق البامبو"، وجائزة ليلى العثمان لإبداع الشباب في القصة والرواية عام 2010 عن روايته "سجين المرايا"، كما وصلت روايتيه "فئران أمي حصة"، و"حمام الدار" إلى القائمة الطويلة والقصيرة على التوالي لجائزة الشيخ زايد للكتاب.
ترجمت بعض أعماله إلى لغات عدة من بينها الإنكليزية والإيطالية والفارسية والتركية والصينية والكورية والرومانية والفيليبينية والكردية، صدرت له مؤخراً رواية جديدة بعنوان "ناقة صالحة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...