اتجهت الأنظار ليلة 26 تشرين الأول/أكتوبر إلى مهرجان أيام قرطاج السينمائي، بدورته الـ30 في مدينة الثقافة في العاصمة التونسية، ففي المهرجان الذي يحتفي بالفن وبالتعددية ويُسلط الضوء على حقٍ معدوم أو خلل ما في المجتمع على أمل التغيير، تعرّضت للتنمّر شابة تونسية عابرة جنسياً تدعى ساندرا. والتنمّر كلمة جديدة في القاموس العربي يمكن استبدالها بمصطلحات أخرى أكثر أُلفة: تهميش، تجريح، سُخرية، هجوم.
ساندرا هي إحدى بطلات الفيلم الوثائقي التونسي "في الظل" (2017) الذي يوثق معاناة بعض أفراد مجتمع الميم في تونس، وكانت قد أطلت في المهرجان بفستان أسود قصير يُظهر مفاتنها كما يُظهر لباسها الداخلي بعض الشيء تحت قماشة دانتيل، وحذاء ذي كعب عالٍ، على السجادة الحمراء، مُبتسمةً لعدسات الكاميرات.
في أول تعليق إعلامي لها بعد ظهورها في قرطاج، قالت ساندرا لرصيف22 إنها تمكنت من الحصول على دعوة لتُمثّل الأقليات الجنسية في تونس وتدعم الحريات الفردية لا "لتُظهر فستانها".
وأضافت أن الفستان "لم يكن مكشوفاً جداً"، لافتةً إلى أنها تمشي على سجادة أيام قرطاج الحمراء للمرة الأولى ولا تعرف ذوق الناس، مؤكدةً أن "الذوق غشّها"، ولم تقصد أن تُظهر أنوثتها من خلال الفستان لأنها بالأصل "كاملة الأنوثة".
وأشارت في حديثها إلى أن المشكلة ليست في "العري" لأن فنانات كثيرات كنّ يرتدين فساتين وصفتها بـ"الأكثر عرياً"، بل المشكلة في عبورها الجنسي، على حد قولها، ولذلك شنّ كثيرون حرباً عليها، مضيفةً: "خفت على روحي، وصلتني تهديدات بالقتل".
ولفتت إلى أن الإعلام التونسي الذي وصفته بـ"إعلام العار" هو الذي أوصلها إلى أن تُهدد بالقتل، وذكرت اسم الإعلامية التونسية عربيّة حمادي التي قالت في منشور على فيسبوك: "وصلنا إنه متحوّل جنسياً يدخل للمهرجان شبه عارٍ في منظر أكثر من مقرف تحت عدسات المصوّرين وبين ميكروفونات الصحافة إلّي تتلاقف في كلمة من العريانة والحفيانة... هذا يؤكد إنّو ما زلنا تحت وطأة الرداءة لا بل وصلنا إلى قاع الرداءة وإني كنت على حق في حربي ضدهم ولازم هالحرب تستمر وبشراسة أكثر".
"هددوني بالقتل"... العابرة جنسياً ساندرا تحكي لرصيف22 قصة الهجوم عليها في "مهرجان أيام قرطاج السينمائي"
"إعدامه أفضل من حياته"... تعرضت العابرة جنسياً ساندرا لسيل من الشتائم والتهديدات بعد ظهورها في "أيام قرطاج"، وجمعية "شمس" ترد:"التعري المنبوذ هو التعري الفكري لا الجسدي"
واستهجنت ساندرا "الحرب" التي أعلنتها الإعلامية التونسية متسائلةً: "على ماذا الحرب؟"، مضيفةً: "بالحق خفت على روحي"، كاشفةً أنها لا تخرج من منزلها حالياً وألغت حسابها على فيسبوك بشكل مؤقت.
هل ستطلب الحماية؟ ردت: "لا حقوق لدي. لن تقف معي الدولة، ولا الشعب لأنني عابرة جنسياً".
وعاتبت ساندرا الإعلام التونسي الذي يتواصل معها الآن لاستضافتها بعدما كتب عنها "كلاماً رديئاً" في السابق، مضيفةً "سيستضيفونني ثم يظهرونني بصورة غير لائقة ويستفزونني لأقول ما لم أرد قوله".
"كل شيء أصبح كارثياً"
هذه بعض التعليقات التي كُتبت تحت صور ساندرا على فيسبوك:
"إعدامه أفضل من حياته"
"طاحت قيمة المهرجان والثقافة التونسية".
"كل شيء أصبح كارثياً".
"ما علاقة هذا الشخص بالسينما؟".
"فضائح قرطاج".
"يُشعرني بالغثيان".
كذلك كُتبت تعليقات أُخرى تضمنت دَعاوى وشتائم.
واعتبرت جمعية "شمس" المدافعة عن حقوق الأقليات الجنسية والجندرية في بيان يوم 27 تشرين الأول/أكتوبر أن التعليقات التي وُجّهت إلى ساندرا "هوموفوبية وترانسفوبية"، مؤكدةً أن "ساندرا مثال لأصوات المئات من لا صوت ثائراً لهم/ن".
وأعلنت الجمعية مساندتها المطلقة واللامشروطة للشابة، لافتةً إلى أن "التعري المنبوذ هو التعري الفكري لا الجسدي"، وأن في مثل هذه المواقف "يعرّي العنف الدفين غير المبرر وغير المعلل، المبني على الجهل وتخلف العقول عن مسايرة المنظومة الشمولية والكونية لحقوق الإنسان والحريات الفردية".
"علّقنا على الفستان"
في سياق متصل، أوضح مواطن تونسي أن لا علاقة للتعليقات بعبور ساندرا الجنسي إنما بإطلالتها قائلاً: "أغلب الناس لا تعرفها، ولا تعرف طريقة استعمالها لأعضائها التناسلية"، وقالت مغردة: "يعني لأنها عابرة جنسياً، لازم نقول واو ما أحلى روبتها (فستانها)؟ الروبة صغيرة ومش زيانة (ليست جميلة) أصلاً".
وانتقد المخرج التونسي خالد ساسي ظهور ساندرا في ليلة الافتتاح قائلاً: "المشكلة ليست في اللباس، إنما في لجنة تنظيم أيام قرطاج السينمائي والمهتمين بالدعوات التي أصبحت تقدم لكل من هب ودب وبدون أي دراسة للضيوف".
وتابع: "المشكلة الحقيقية تكمن في وزير الثقافة محمد زين العابدين الذي لا يتابع ولا يدقق في أشياء يعتبرها بسيطة، ولكن مهمة بالنسبة لوزارة تشرف على هذا المهرجان الذي كان من أفضل المهرجانات، ويعتبر مهرجاناً دولياً له صيت عالمي".
ظهورها حق
التعليقات المهاجمة لم تمنع كثيرين من إبداء رأي متعاطف، إذ قالت شابة تونسية تدعى جوليا إنه بعيداً عن اللباس الذي استفز الرأي العام، "لا يحق لأحد أن يجلد أي شخص لأننا لا نعرف ما الظروف التي مرّ بها في حياته".
"لم تستفزهم ممارسات الفساد التي خرّبت مصالح التونسيين عموماً في حين استفزهم جندر ساندرا ولباسها، والحال أنها حرية فردية لم تضر مصالح التونسيين ولم تضرب سيادتهم ولم تسلب جيوبهم".
وأضافت: "ساندرا أول عابر جنسي يُشارك في فيلم تونسي (فاز بالتانيت البرونزي في مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة في المهرجان عام 2017)، هذا يعني أن حضورها في أيام قرطاج السينمائية حق".
ساندرا أم الفساد؟
في السياق ذاته، سأل الصحافي التونسي لسعد بن عاشور: "ساندرا أم الفساد؟"، مجيباً نفسه: اخترنا ساندرا.
وفي منشور على فيسبوك، قال بن عاشور إن مخرج فيلم الافتتاح "عرايس الخوف" النوري بوزيد اعترف "بممارسته الزبونية والمحسوبية في علاقة بمسألة الدعم والتمويل"، فيما لم يهتم كثيرون بالأمر.
وأضاف: "لم تستفزهم ممارسات الفساد التي خرّبت مصالح التونسيين عموماً في حين استفزهم جندر ساندرا ولباسها، والحال أنها حرية فردية لم تضر مصالح التونسيين ولم تضرب سيادتهم ولم تسلب جيوبهم".
وأشار بن عاشور إلى أن فئات عدة من المجتمع التونسي "لم تصب جام غضبها على الفساد الذي أهلكها في حين مارست كل أنواع الحقد والكره والتهكّم على شخص من فئة مهمّشة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...