غريب هو "الرعب" من المس بأي طرف يتعلق بنظام المملكة العربية السعودية من قبل أردنيين، غريب وغير منطقي أيضاً، عندما تصبح المطالبة بحق يتعلق بحرية أردنيين احتجزتهم السعودية دون تهم، مطالبة أقرب إلى الهمس، خوفاً من "الذات" السعودية.
فكرة ممنوع الاقتراب من كل ما قد "يزعل" السعودية من قبل أردنيين، فكرة يطول الحديث عنها، والتعمق في تحليلها يحتاج إلى حديث خاص عنها لاحقاً، يتضمن قراءات من محللين ومفسرين عن الأسباب التي تجعل من المواطن الأردني، المعروف بأنه عندما يتعلق الأمر بكرامته لا يوجد عنده كبير سوى الله، ويبدو أن الظروف السياسية تفرض عليه أيضاً، إضافة "السعودية" للأمور الكبيرة أيضاً والممنوع الاقتراب من انتقادها.
الرعب من السعودية هو الذي جعل بعضاً من أهالي معتقلين أردنيين في السعودية بلا تهم، يوصون بعضهم، ويهمس كل شخص في أذن الآخر، خلال الاعتصام الذي نظمته حملة "معتقلون بلا تهم في السعودية"، عصر يوم الأربعاء، الثالث عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، أمام وزارة الخارجية الأردنية، عبارة "اصحكم تسيئوا للسعودية واصحكم تسبوا عليها"، وهو ذات الرعب الذي عاش مع الكثيرين منهم تسعة شهور وأكثر، ومنعهم من البوح لوسائل الإعلام أن لديهم في السعودية أقارب وأبناء وأزواجاً معتقلين في السجون، بلا أي تهم.
لكن يبدو أن إيقاع التعاطي الرسمي الأردني مع ملف المعتقلين الأردنيين بلا تهم في السعودية، بطيء جداً، الأمر الذي دفع أهالي المعتقلين، الذي يصل عددهم إلى 30 معتقلاً، لأن يكسروا حاجز الرعب السعودي، ويعلنوا، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن هناك 30 معتقلاً أردنياً بلا تهم، ليتداعوا إلى الاعتصام عند وزارة الخارجية.
ثلاث عبارات تكررت حرفياً خلال المقابلات التي أجرتها رصيف22 مع أهالي معتقلين: "حرام تعاملهم منيح معهم، ما انعرضوا للمحكمة وما عليهم تهم، سألوهم شو رأيكم بالقضية الفلسطينية".
فكرة ممنوع الاقتراب من كل ما قد "يزعل" السعودية من قبل أردنيين، فكرة يطول الحديث عنها
هي ذات العبارات التي ذكرتها عبير عمر، زوجة المعتقل الأردني عبد الكريم المعالي، الذي اعتقل في الرابع من شهر نيسان من العام الحالي، حيث كانوا يعيشون في جدة منذ 15 عاماً، وأثناء ذهاب زوجها إلى المطار في ذاك اليوم من أجل زيارة له إلى عمّان، تم إبلاغه في المطار أنه ممنوع من السفر وطلب منه متابعة الموضوع لاحقاً.
"ما لحقنا نتابع الموضوع"، تقول عبير، مشيرة إلى أنه وفي الساعة الرابعة من فجر اليوم الثاني، قرع حارس العمارة جرس المنزل وبصحبته رجل يرتدي زياً مدنياً، وأخبروا الزوج أن هناك مشكلة في سيارته، لينزل إلى الأسفل ويكتشف أن بانتظاره أربعة عناصر من أمن الدولة اقتادوه وقبضوا عليه.
تكرر عبير "حرام كانوا مناح والله هم ما دخلهم"، لتهزمها دموعها وهي تتحدث وتضيف: "قعدنا شهرين وعشرين يوم ما بنعرف عنه أي شي"، لتعود وتطيب خاطرها بمبادرة منها: "بس الحمد لله بعديها عرفنا أخباره وحكى معنا"، وتمر على ذكر معلومة أنه أمضى طوال فترة الشهرين وعشرين يوماً بعزل انفرادي، مرور سريع وكأنها معلومة لا تستحق التوقف عندها، ربما لنفس سبب "الرعب من السعودية".
وأشارت غيرها من زوجات المعتقلين خلال الاعتصام، أن زوجها لم يعرض للمحاكمة ولم توجه إليه أية تهمة وخضع مرة واحدة للتحقيق، كان السؤال خلالها عن رأيه بالقضية الفلسطينية وما إذا كان يدعم حماس.
عبير تتواصل مع زوجها كل شهر، حيث تم السماح لها بزيارة خاصة مرة واحدة في الشهر، وهي اليوم كغيرها من أهالي المعتقلين الأردنيين بلا تهم في السعودية، تنتظر رحمة الله في الإفراج عن زوجها.
يبدو أن إيقاع التعاطي الرسمي الأردني مع ملف المعتقلين الأردنيين بلا تهم في السعودية، بطيء جداً، الأمر الذي دفع أهالي المعتقلين، الذي يصل عددهم إلى 30 معتقلاً، لأن يكسروا حاجز الرعب السعودي، ويدعوا إلى اعتصام عند وزارة الخارجية
وأشارت زوجة معتقل أردني خلال الاعتصام، أن زوجها لم يعرض للمحاكمة ولم توجه إليه أية تهمة وخضع مرة واحدة للتحقيق، كان السؤال خلالها عن رأيه بالقضية الفلسطينية وما إذا كان يدعم حماس
"ما رأيك بالقضية الفلسطينية؟"
هذا السؤال الوحيد الذي طُرح على المعتقل الأردني إبراهيم باجس (60 عاماً) منذ أكثر من أربعة شهور على اعتقاله، وفق ما رواه ابنه معاوية لرصيف22، والذي أجاب رداً على سؤال لماذا لم يتم طرح قضية معتقلي الأردن في السعودية كل ذلك الوقت الذي مضى، بأن وزارة الخارجية الأردنية والسفارة السعودية في عمان وأعضاء في مجلس النواب الأردني، كانوا يمارسون سياسة طمأنة الأهالي بأن كل شيء على ما يرام.
"كانوا يحكولنا استنوا شوي في حل قريب لكن يبدو أن الحل ليس بقريب"، يقول معاوية، والذي، ومن خلال تجربته في معركة الكر والفر في البحث عن حل سريع للإفراج عن والده، يرجّح أن سبب ما يحدث بحق أردنيين في السعودية من اعتقالات هو "تصفية حسابات"، أو أسلوب ضغط سعودي على الأردن سياسياً.
وكغيره من باقي الـ 30 معتقلاً أردنياً في السعودية، فإن المعتقل باجس لم يعرض للمحكمة حتى الآن ولم توجه إليه تهمة، وخضع لسؤال واحد يتعلق برأيه بالقضية الفلسطينية، وهو ما وصفه معاوية: "هاي أسئلة صحفية مش أسئلة تحقيق!".
وعند سؤاله عن اسم شقيقه المعتقل شدد في إجابته بصوت عال: "أخوي بروفيسور ودكتور في القضاء الشرعي في السعودية، اسمه الدكتور عبد الحافظ أبو حميدة"، قالها بغضب وهو يشد بيده على يد ابنة أخيه المعتقل ويسأل: "احكيلي هاي شو ذنبها".
أبو حميدة معتقل في السعودية منذ الرابع من شهر نيسان الماضي، وأيضاً بلا تهمة ولم يعرض على المحكمة، وسؤاله في التحقيق كان: "هل تتعاطف مع أهل غزة؟".. تخيلي صار التعاطف مع غزة تهمة! يقول شقيقه أيضاً بغضب.
ويختم بإلقاء اللوم على "حكومتنا الرشيدة"، التي يصف تعاطيها مع ملف معتقلي السعودية من الأردنيين بالباهت جداً وآن الأوان للتحرك الجدي.
"بدهمش إياهم يرجعولنا ولادنا"
تقول منى عباس، شقيقة المعتقل طارق عباس، والذي اعتقل منذ 8 شهور من أمام منزله في السعودية، حيث يعيش فيها منذ عشرين عاماً.
تقول منى: "طريقة الاعتقال كان باحترام ربنا والله"، وحتى الآن لم تُوجه إليه تهمة ولم يعرض على المحكمة.
"إنت صحفية؟" سألت سيدة ستينية، حيث كانت تقف وحيدة في الاعتصام على وقع هتاف: "عمان بتصرخ وبتنادي… وينكو وينكو يا ولادي"، لم تتحدث كثيراً تلك السيدة فـ"المكتوب مبين من عنوانه"، هي كغيرها تنتظر الفرج بالإفراج عن أخيها.
أخوها أمين العصار الذي يعيش في السعودية منذ أربعين عاماً، "الحمد لله" كما تعبر شقيقته، يعمل مدرساً في إحدى الجامعات هناك، واعتقل في شهر آذار/ مارس من العام الحالي، بلا تهمة أيضاً.
لم تستجب سيدة توسطت الاعتصام التي من الواضح تجاوز عمرها الستين لوشوشات: "ما بدنا إساءة يا حجة"، انتفضت على "الرعب السعودي" وصرخت بأعلى صوتها: "شو بده بن سلمان؟".
صرخت وبكت وأصبحت تبحث عن عدسات كاميرات الإعلام وتقول: "وراي 12 نفر وين أروح فيهم؟" والـ "12 نفر" هم أحفادها من ابنها المعتقل محمد أبو رواع، وتصرخ: "ابني بريء صافي صفحته والله بيضا... اعتقلوه بدون سبب وتركوا معي كوم لحم... إيش أسوي يا بنتي؟".
لا توجد إجابة على سؤال تلك السيدة: "إيش أسوي يا بنتي؟"، فمصير ابنها وباقي المعتقلين الأردنيين الذين "بلا تهم" في السعودية من سابع المستحيلات التي من الممكن تخمينها، ليس بداعي الرعب، إنما بداعي ما نقرأه يومياً من أخبار تتحدث عن المعتقلين السعوديين من ناشطين وسياسيين، أخبار لا تبشر بأن الفرج قريب بالنسبة للمعتقلين الأردنيين، ولا تحمل مفاتيح تجعلك تصل إلى ما هو متوقع.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...