"في الصباح روتي "قرص خبز مستطيل الشكل" وشاي، وفي المساء روتي وشاي، أو مع الفاصولياء أو العدس في حال تمكنَّا من الحصول عليها، أما وجبة الغداء فنتناول عصيد وقليل من اللبن أو خبز مع اللبن والعدس، هذا طعامنا في معظم الأيام"، تقول مريم علي.
تسكن مريم مع زوجها، العسكري المتقاعد، وابنتها في أحد الأحياء السكنية بالعاصمة صنعاء، وإن حصل زوجها على عمل أو حصلت هي على ذلك، يكونان محظوظين، فسوف يتمكَّنان من توفير الطعام.
تعيش مريم (48 عاماً)، حياة هامشية، فأحياناً يستلم زوجها راتبه التقاعدي، وتخرج هي حيناً للعمل في المنازل، وتحصل على المساعدات الغذائية من جيرانها، فليس هناك مصدر دخل مُحدَّد، وليس لها مهنة مُحدَّدة لتعمل فيها.
في الغالب لا تطبخ مريم أي شيء، وتشتري كل شيء من السوق، فأسطوانة الغاز بلغ سعرها الرسمي 4000 وغير متوفرة، إلَّا أنَّها موجودة في السوق السوداء بسعر يتجاوز عشرة آلاف ريال (20 دولار).
"كل شيء غال"
"نشتري كل شيء من السوق: الكدم، الروتي، فاصولياء، فول عدس، حتى المرق نشتريه من المطعم"، تقول مريم لرصيف22.
وتضيف مريم: "كل شيء غال، منذ نحو شهر لم نأكل لحماً أو دجاجاً، حتى الأرز بات غالي الثمن، نحاول الحصول على الأشياء الرخيصة، بما يتناسب مع حالنا".
"بالكاد نتمكَّن من شراء الدقيق والغاز والزيت في ظل ارتفاع الأسعار، كل شيء غالي الثمن، حتى راتبي الشهري لم يعد يوفر لي سوى كيسين من الدقيق وعشرة كيلو جرامات من السكر ودبة زيت"، يقول عبد الرحيم قاسم، ذو الأربعين عاماً.
ويضيف عبد الرحيم، الذي يعيش في محافظة شبوة جنوب شرقي البلاد: "استلم مبلغ 45 ألف ريال، لا يفي بالاحتياجات الضرورية، ناهيك عن ذهابنا إلى المشفى بين الحين والآخر بسبب انتشار الأمراض والأوبئة".
"أصبحت الفواكه واللحوم محرمة علينا، إذا قررت أن تحضر سفرة متكاملة تحتوي على كل الأغذية اللازمة للجسم، من اللحوم والخضراوات والفواكه، تحتاج إلى أكثر من عشرة آلاف ريال، (عشرين دولار)"
"إن حصلت الأسرة في اليمن على دجاجة في الأسبوع مع توفير الوجبات الأخرى، تكون محظوظة، بل تسجل في قائمة الأسر الغنية، أما عن لحوم الأبقار والأسماك، فهي في الغالب لا تدخل منزل الكثير من الأسر"
وتابع عبد الرحيم: "أصبحت الفواكه واللحوم محرمة علينا، إذا قررت أن تحضر سفرة متكاملة تحتوي على كل الأغذية اللازمة للجسم، من اللحوم والخضراوات والفواكه، تحتاج إلى أكثر من عشرة آلاف ريال، (عشرين دولار)".
ويشرح عبد الرحيم لـرصيف22 حاله في يوم الجمعة، التي يخصَّص لها اليمنيون جزءاً من مصروفاتهم ويعتبرونها عيداً لهم: "في يوم الجمعة أشتري نصف دجاجة إن توفر المال، ولا نعرف كيف نتقاسمها بيننا، بالإضافة إلى أننا نوفر من المرق لليوم التالي، أما عن الفواكه فأنا لا أتذكر آخر مرة جلبتها للمنزل".
الخبز والأرز هما ما يتغذى عليه معظم اليمنيين، لكن الكثير من الأسر لا تستطيع الحصول عليهما في ظل الفقر المدقع، وارتفاع الأسعار، وباتت تتغذى على ما تحصل عليه من المنظَّمات الدولية من القمح والعدس والزيت، يأكله الكثير من الناس في الصباح والمساء، فهو بالنسبة لهم الخيار الأخير للتمسك بالحياة، بحسب من تحدثت رصيف22 معهم.
لا تغيب وجبة العصيد والزبادي والخضار عن أطباق غداء الكثير من الأسر، فهي وجبة رخيصة الثمن وسهلة التحضير، لكنها لا تفيد الجسم كثيراً، لكنها الوجبة المفضّلة للكثير من السكان، بالإضافة إلى الشفوت والسلتة والفحسة.
"جبن وبيض وجبتنا الأساسية"
أمَّا غادة القاضي، وهي معلمة تربوية بالعاصمة صنعاء، ففي الغالب يكون الروتي والجبن مع حلاوة، بالإضافة إلى البيض، هي الوجبة الأساسية لها ولأسرتها، فالغاز مرتفع وغير متوفر، بالإضافة إلى أنَّ الجبن مع الحلاوة سعرهما منخفض، فنشتري بمائتي ريال بالإضافة الى مائتي ريال روتي، في الصباح والمساء، تقول غادة لرصيف22.
وتضيف غادة (38 عاماً)، منذ ثلاث سنوات لم أستلم راتبي، وما أحصل عليه من المدرسة هو 5000 ريال (عشرة دولارات) في الشهر، لا تكفي ايجار المواصلات، لكن زوجي يعمل في أحد المحلات التجارية براتب 100 دولار شهرياً، تُوفّر لنا بعض الاحتياجات الضرورية.
نشتري مرقاً وكدماً من السوق أو سمكاً، بالإضافة إلى صنع عركة "خبز مع المرق"، أو فتة بالسمن والسكر، ووجبات أخرى لا تكلفنا الكثير من المال، بالإضافة إلى شراء الدجاج أحياناً على الرغم من تجاوز سعر الحبة 3000 ريال (6 دولارات).
"بسبب نقص التغذية نصاب بأمراضٍ مختلفة جسدية وعصبية".
وتضيف: "بسبب نقص التغذية، بين الحين والآخر نصاب بأمراضٍ مختلفة، فأحياناً فقر دم والتهابات، بالإضافة إلى الإسهالات والاضطرابات النفسية والعصبية".
"حالي أفضل من غيري، فهناك الأسر تتناول روتي وشاي في الصباح والمساء، ويمدون أيديهم للناس من أجل الحصول على قرص خبز أو روتي"، بهذه الجملة اختتمت غادة حديثها.
المقيمون يعانون أكثر من النازحين
أما النازحون اليمنيون الذين تجاوز عددهم ثلاثة ملايين شخص، فحالتهم أسوأ من غيرهم، خصوصاً أولئك الذين يقطنون في المخيمات، فبالإضافة إلى افتقارهم المياه الصالحة للشرب والمرافق الصحية النظيفة، لا يحصلون على الطعام الكافي للجسم، فأجساد الكثيرين منهم تبدو منهكة ونحيلة جداً.
آلاف النازحين في المخيمات بحاجة إلى الغذاء والإيواء والدواء، ويقتصر طعامهم على وجبة من قمح الغذاء العالمي، قرص من الخبز في فترة الصباح مع العدس أو الفاصولياء أو الصلصة، وكذلك في الوجبات الأخرى، بحسب الدكتورة والناشطة الإنسانية مكية الأسلمي.
وتضيف مكية، وهي مديرة المركز الصحي بمديرية أسلم بمحافظة حجة، شمال غربي اليمن، التي تعد من المناطق الأشد فقراً في اليمن، لـرصيف22، أن المنظمات الدولية ساهمت بتوفير أغذية مستوردة، وأغذية علاجية جاهزة حسب معايير القبول.
ولفتت مكية إلى أن الأسرة تحتاج من ثلاث الى أربع وجبات من غذاء أساسي داعم للغذاء العلاجي المقدم من المنظمات.
ولفتت مكية إلى أنَّ السلة الغذائية التي تحصل عليها الأسرة من المنظمات الدولية غير متعددة الأصناف التي يحتاجها الإنسان لبناء جسم صحي وسليم.
"السلة الغذائية التي تحصل عليها الأسرة من المنظمات الدولية لا تحتوي على الأصناف التي يحتاجها الإنسان لبناء جسم صحي وسليم".
تحتوي السلة الغذائية على عنصر واحد فقط، "بروتين"، (قمح- زيت- عدس - سكر)، في الوقت الذي يحتاج الجسم للعديد من العناصر الأخرى للبناء والطاقة.
وبينت الأسلمي أن كيس القمح الذي يزن 50 كج، لا يكفي الأسرة أكثر من أسبوع واحد، لكثرة عدد أفراد الأسرة الواحدة، في الوقت الذي لا تحصل الأسرة إلا على سلة غذائية واحدة كل شهر أو شهرين.
"بعض الأسر لا يناسبها القمح، ويسبب لها عسر هضم وإسهال، وخاصة من لديه القولون، فتضطر لبيع السلة الغذائية كاملة لتوفير الدقيق الأبيض، بأكثر من13000 ألف ريال".
يأتي هذا في الوقت الذي ينتشر العديد من المواطنين في مديرية أسلم والمديريات الأخرى بمحافظة حجة، في الجبال والوديان، بحثاً عن أوراق "الحلص"، التي تعد غذاءهم الأساسي محل الخبز والزيت.
وتؤكد مكية أن برنامج الأغذية العالمي وعلى مدى السنوات الماضية استهدف النازحين بالسلال الغذائية، ولم يستهدف المقيمين، ما أدى إلى ظهور سوء التغذية في المجتمع المقيم أكثر من النازحين.
وعلى الرغم من توجيه المواطن اليمني كل ما كان يخصصه أساساً للصحة والتعليم من أجل الأكل، أضحى الناس يسحبون أبناءهم من المدارس، وتوقفوا عن الذهاب إلى المستشفيات، بالإضافة لأنهم قلصوا من وجباتهم الأساسية من أجل توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة، بحسب المحلل الاقتصادي فاروق الكمالي.
وأشار الكمالي لرصيف22 أن الحرب المتواصلة منذ خمس سنوات هي السبب الأول وراء تدهور الوضع الإنساني والاقتصادي، فهي جففت كافة الموارد الداخلية والخارجية للاقتصاد، بحيث باتت الأسرة عاجزة عن توفير غذائها، وتنتظر المساعدة.
بالإضافة إلى ذلك فالمؤسسة الاقتصادية منقسمة إلى شطرين بين العاصمة صنعاء وعدن، ناهيك عن الحصار المفروض على البلاد، والذي شل الحركة التجارية وأدى إلى ارتفاع أسعار العملات الأجنبية.
إن حصلت الأسرة في اليمن على دجاجة في الأسبوع مع توفير الوجبات الأخرى، تكون محظوظة، بل تسجل في قائمة الأسر الغنية، أما عن لحوم الأبقار والأسماك، فهي في الغالب لا تدخل منزل الكثير من الأسر إلا في الأعياد أو المناسبات الأخرى، بالإضافة إلى أن الفواكه ليست مسجلة في قائمة الغالبية منهم، بحسب حديث الكثير من السكان لـرصيف22.
"الحالة مستورة" و "مشي حالك"
"مشي حالك بالحاصل"، "الحالة مستورة"، بهذه العبارات والكثير من العبارات الأخرى، يترجم اليمنيون وضعهم المعيشي السيء، فهم تعودوا على هذا الوضع، بل أن الكثير منهم يستعد لما هو أسوأ من ذلك، فالأوضاع في البلاد، "لا تبشر بخير".
"أغلب الأوقات نصحو مبكرين وبطوننا تكاد تصرخ من الجوع ونحن وسط أسرة كبيرة العدد نأكل بـ 200ريال، هذا إن وجدت وإن لم تتواجد، قبضنا على بطوننا حتى وجبة الغداء"، يقول الشاب محمد علي الذي يسكن في محافظة تعز، جنوب غربي اليمن، يدرس في الثانوية العامة.
أحيانا لا يكفي الطعام لسد الجوع، ففي أغلب الأوقات نقوم جياعاً، وأحياناً ننام إلى حتى الظهر من أجل أن نجمع الوجبتين معاً، يضيف محمد ذو 19 عاماً.
"حتى وجبة العشاء، الجبن والروتي يكون عليها مشاجرات كم أكل كل واحد منا".
واختتم محمد حديثه بحزن شديد لرصيف22: "حياتنا سيئة للغاية".
بات ثلاثة أرباع سكان اليمن فقراء بسبب الحرب التي تشهدها البلاد منذ خمسة أعوام، وبحسب منظمة الأمم المتحدة، فإن نسبة الفقراء ازدادت في اليمن من 47% قبل 2014 إلى 75% في 2019. ووفقاً للمنظمة الدولية، فإن استمرار الحرب لعامين آخرين، ستحول اليمن رسمياً إلى أفقر بلد في العالم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.