في العراق، ومنذ يوم الأحد الماضي، قررت السلطة الحاكمة أن تلقم بنادقها التي لم تلحق أن تبرد سبطاناتها من قتلنا في تظاهرات الأول من تشرين الأول، وتستأنف قتلنا مجدداً بالرصاص الحي.
ربما ستتمكن السلطة من اخماد التظاهرات مساء الـ9 من تشرين الثاني الجاري، أو في اليوم الذي يليه، لكنها لن تستعيد شرعيتها لدى الشعب الذي قال لرجال السلطة: ارحلوا، وعليه سيُحكم العراقيون من قبل سلطة غير شرعية، أخذت على نفسها عهد قتل وخطف من يعارضها، والاستمرار بالحكم بقوة الحديد والنار.
وكما هي عادة الشعب العراقي الحر، سيحاول المئات أو الآلاف من الشباب أن يديموا زخم الاحتجاج بالتدوين والتظاهر والإضراب، وسيكون مصيرهم مصير من تلقفه رصاص السلطة مسبقاً.
لذا أقول، أنا علي رياض، الشاعر والصحفي والمتظاهر، غير المكلف بالحديث باسم الشعب، لكنه المشترك معه بلسان واحد وقلب واحد وعقل واحد، أقول إنني أفهم شركائي في الهوية الوطنية الواحدة الصرفة، وأعرف خلجات أنفسهم وقروح صبرهم وسخونة إرادتهم، أعرف ما تغلي بصدورهم من صرخات وما يختفي خلف صمتهم من حديث طويل ومؤلم، عن 16 عاماً من الدمار والخراب والذل والمهانة، عن 16 عاماً من الفساد والفشل والتبعية والظلم، عن حلم بمستقبل لا يحمل غير اسم عراق معافى، لا يتصدر قوائم الخطر والفساد والأمية والفقر، ولا يطرد حامل جواز سفره عن حدود الدول الأخرى…
أقول...
"قُتل منا ما يزيد عن 300 متظاهر، وأصيب منا ما يزيد عن 15 ألفاً آخرين، لم نؤذ أحداً ولم نقل غير ما تلتهب به صدورنا، خرج منا ما يقارب الربع إلى الشوارع والميادين، وهي نسبة تفوق من شارك بالانتخابات النيابية الأخيرة"
"نحن مختطفون وحياتنا بخطر، فإن صمدنا أخبروا الهامش والمركزي، والفاعل والخامل، والمكترث ونقيضه أننا لسنا بخير، وإن متنا تذكرونا، وقولوا إن شعباً أراد الحياة لكن قدر قوى الشرق والغرب كان أقوى من سلميّته"
نحن الشعب العراقي المختطف، قُتل منا ما يزيد عن 300 متظاهر، وأصيب منا ما يزيد عن 15 ألفاً آخرين، لم نؤذ أحداً ولم نقل غير ما تلتهب به صدورنا، خرج منا ما يقارب الربع إلى الشوارع والميادين، وهي نسبة تفوق من شارك بالانتخابات النيابية الأخيرة، أخبرنا السلطة أن ترحل، وردت علينا بهذر وهراء عن الكتل السياسية والتوافقات، رغم أن فعل الأمر (ارحلوا) يشمل الكتل السياسية والتوافقات، فعادوا يتحدثون عن الفراغ الدستوري الذي سيولده رحيلهم... لكن شكل الحياة في بغداد المحتجة كان أكثر بريقاً منذ زمن طويل، وبعد أن نفذ هراؤهم قرروا قتلنا، وها نحن نقتل ونختطف، من قبل عربات مجهولة تقلّ مسلحين ملثمين مجهولين، ناشطة بعد ناشط، ومتظاهرة بعد متظاهر، نُقتل لأن كلمة الفصل التي اشتروها من الشرق والغرب صودِرت منهم لأول مرة منذ 16 عاماً، ولأن الشرق والغرب يخافان من الشعوب.
فيا أيها العالم، إن رأيتم في شاشات مرتزقة الإعلام، وسمعتم من أفواه عواهر التنظير والسياسة، أن هناك إصلاحاً سيجري ينتظره الناس، أو أن هناك تغييراً معداً على جدول زمني، أو أن مطالب الشعب قد حُققت وعاد الناس إلى بيوتهم لا تصدقوا، نحن مختطفون وحياتنا بخطر، فإن صمدنا أخبروا الهامش والمركزي، والفاعل والخامل، والمكترث ونقيضه أننا لسنا بخير، وإن متنا تذكرونا، وقولوا إن شعباً أراد الحياة لكن قدر قوى الشرق والغرب كان أقوى من سلميّته، وأن قيدهم الحديدي قد فصل عنق الشعب عن جسده، فصار دمه رمزاً لنيل الحرية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...