شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
هنا تحتضن الكنيسةُ الجامعَ ويبتسمان... عن قلعة سانتا كروز في وهران

هنا تحتضن الكنيسةُ الجامعَ ويبتسمان... عن قلعة سانتا كروز في وهران

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رود تريب

الأحد 10 نوفمبر 201902:32 م

نظراً لموقعها الاستراتيجي وجدتُ قلاعاً و أبراجاً كثيرة في وهران، بعضها اندثر، والبعض مستمرّ الوجود. بعضها يعود إلى ما قبل العصر الحديث، ومنها ما يرتبط بفترة الاحتلال الإسباني التي استغرقت نحو ثلاثة قرون، وأيضاً لفترة التواجد العثماني الذي لم يكن ممتداً كما هو الحال في باقي المدن الجزائرية.


لكن أشهر القلاع و الأبراج في وهران هي قلعة "سانتا كروز" التي يراها القادمون إلى وهران برّاً و بحراً وجوّاً، فهي واقعة على قمة جبل المرجاجو (420 متر)، وتقدِّر بعض المصادر تموقع القلعة على ارتفاع نحو حوالي 400 متر (1,300 قدم) من الجبل الذي عرف أيضاً بتسميات مثل "جبل سيدي هيدور" و"بلغفاري".

تاريخ القلعة

القلعة كانت مركزاً قيادياً للإسبان عند احتلالهم وهرانَ، والاختيار يرجع إلى الأهمية الإستراتيجية للمكان وسهولة الرصد منه لكلّ ما يحيط بالمدينة برّاً وبحراً. وتتميّز القلعة بأنها أعلى الحصون التي أقامها الأسبان وإضافة للوظيفة العسكرية تمّ استغلال القلعة كفضاء استقبال لمن حكموا وهران. ومعمارياً تميّزت القلعة بمعمار مغاربي، وهو ما يحيل إلى ما ترسب من تأثيرات الفترة الأندلسية، فوهران كانت مرتبطة كثيراً بالأندلس. وهذا التزاوج مع المعمار الإسلامي الأندلسي ـ المغاربي سيحضر أيضاً في بعض البنايات التي أقامتها فرنسا، والتي حملت الطابع "الموريسكي" أو التمازج بين المعمار الإسلامي و المعمار البيزنطي والباروكي الأوروبي.


كتب المؤرخ يحيى بوعزيز :"أسسه الأسبان على قمة جبل سيدي هيدور ،فوق برج حسن بن زهوة عام 1567 حسب رواية كيحل، وعام 1577 حسب رواية ديدي. أما بييس فقد ذكر بأنه شُيد في أعوام 1698ـ 1708، واستعمل الأسبان في بنائه الحميانيين الذين كانوا ينقلون المياه على ظهورهم، و ذلك بتأثير من أحد شيوخهم الذي كان موالياً للأسبان، وحجز لهم قبل عرشه، وبعد أن انتهوا من بنائه أطلقوا عليه اسم "القديس كروز"، ووضعوا به 300 مدفعاً لأهمية موقعه المشرف على المدينة والميناء.

وفي عام 1708 هاجمه بوشلاغم، وأسر به 106 رجلاً و6 نسوة، وفي عام 1737 هدم جزءاً منه بواسطة النسف، قبل أن ينسحب من وهران، ولكن الأسبان جدّدوا بناءه وأتموه عام 1738 بقيادة فاليجو.

القلعة كانت مركزاً قيادياً للإسبان عند احتلالهم وهرانَ، والاختيار يرجع إلى الأهمية الإستراتيجية للمكان وسهولة الرصد منه لكلّ ما يحيط بالمدينة برّاً وبحراً

وعندما زحف محمد الكبير على وهران عام 1791 حاول نسفه، و لكن الجنود الإسبان فضّلوا الاستسلام، و بقي على حاله إلى أن احتلّه الفرنسيون عام 183، فجددوا تحصيناته في أعوام 1856،1860، وسمّوه "القديسة لاكروا"، وبنوا تحته كنيسة القديسة كروز عام 1849، بعد أن ظهر في المدينة مرض الكوليرا، وذلك وفق ما ذُكر في كتاب "مدينة وهران عبر التاريخ"، الأعمال التاريخية للدكتور يحي بوعزيز، الصادر عن وزارة المجاهدين في الجزائر عام  2009.

استمرّت القلعة بعد الاستقلال تابعة لوصاية وزارة الدفاع، كما أنها صارت تُفتح للسيّاح والزوار كمعلمٍ من أهمّ معالم وهران، ويشكّل محيط القلعة مقصداً محبذاً من طرف سكان المدينة، وأيضاً مقصداً للسيّاح

القلعة تقع في جبل المرجاجو الذي يختزل تاريخ المدينة، وكان يسمّى "هيدور"، ثمّ حمل منذ العهد الإسباني اسم "المرجاجو"، وتختلف الروايات حول أصل التسمية فهناك من يذهب إلى أنها من اسم "شيخ المرجى" الذي كان شيخ قبيلة ما، وقد سخر أتباعه لبناء الحصن تعاملاً مع المحتل، وهناك من يرى أنها ذات أصل أسباني "مرخاخو"، وتعني "نبات الدوم" الذي ينتشر في المكان.


تقع في أسفل القلعة الكنيسة التي أقامها الفرنسيون، وعلى مقربة منه يقع مقام كان مخصصاً للشيخ عبد القادر الجيلاني دفين بغداد، وتنتشر في الجزائر مقامات لهذا الصوفي الموسوم بوسم "سلطان الأولياء، وقد أقيم في السنوات الأخيرة مسجد ارتفعت منارته، فصار المشهد مكوناً من القلعة والكنيسة والمسجد، و هو مشهد يختزل تاريخ مدينة ارتبط تشكلها بالتثاقف والتهجين.


كيف هي القلعة اليوم؟

واستمرّت القلعة بعد الاستقلال تابعة لوصاية وزارة الدفاع، كما أنها صارت تُفتح للسيّاح والزوار كمعلمٍ من أهمّ معالم وهران. ويشكّل محيط القلعة مقصداً محبذاً من طرف سكان المدينة للتنزه، وأيضاً مقصداً للسياح، ونظراً لوجود الكنيسة هناك زيارات لها وقدّاسات أحياناً. ولقد تمّ فيها تطويب 19 راهباً قُتلوا خلال سنوات الجمر في تسعينيات القرن الماضي في احتفال كبير يعتبر سابقة في الجزائر أقيم يوم السبت 8 ديسمبر 2019، وعرف الحفل حضورَ بعض الأئمة كدلالة على التعايش. كما أصبح الفضاء الذي تحيط بقلعته سانتا كروز كنيسةً و مسجداً، رمزاً بارزاً للتعايش.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image