لم تتخيل خبيرة التجميل والمذيعة المصرية أسما، ابنة الممثل شريف منير، أن تتعرض لحملة هجوم ضارية، لمجرد أنها أبدت رأيها في رجل الدين المتوفي محمد متولي الشعراوي، حين قالت إنها اكتشفت بعد متابعتها له أنه "شخص متطرف". انقلبت الدنيا في مصر في الأيام الأخيرة، حتى أن مجلس النواب، والذي يتهمه مصريون كثر بأنه غائب دائماً عن مشاكلهم الحقيقة، هدد بأنه سيتخذ موقف مما قالته أسما بحق رجل الدين المصري.
الهجوم العنيف على مقدمة برنامج "أنا وبنتي" الذي يشاركها تقديمه والدها شريف منير، وتبثه فضائية أون إي، وصل لدرجة أنها أغلقت جميع حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي، وظهرت عبر إحدى البرامج وهي تبكي وتطلب من الناس أن تسامحها، وبعدها قامت بغلق هاتفها وانعزلت في غرفتها، بحسب ما قاله والدها شريف منير لرصيف22.
والشيخ محمد متولي الشعراوي، هو رجل دين مصري شهير عرف بتفسيره للقرآن الكريم، وحقق تأثيراً كبيراً في العالم الإسلامي، قبل أن يرحل في حزيران/يونيو من العام 1998، لكن حتى اليوم لا تزال دروسه الدينية تعرض على قنوات عديدة، كما تتواجد صوره في منازل كثيرة وفي بعض المتاجر والحافلات في شوارع مصر. وله آراء متطرفة تخص المسيحيين والحق في العلاج.
بداية الأزمة
بدأت الأزمة، حين طلبت أسما من متابعيها على صفحتها على الفيسبوك أن يرشحوا لها أسماء الشيوخ الذين يثقون فيهم، ويحترمون فتاويهم وآرائهم في أمور الدنيا والدين، قائلة إنها شخصياً لم تعد تثق في الكثير من الشيوخ، مرجعة أسبابها في ذلك لكونهم أصحاب خلفية متشددة، وأغلب فتاويهم والمعلومات التي يقدمونها لمتابعيهم تكون مغلوطة، بحسب وصفها.
أغلب التعليقات على منشور أسما اقترحت عليها اسم الشيخ محمد متولي الشعراوي، باعتباره "إمام الدعاة ورمز الاعتدال"، لكنها علقت بأن أرائه تحمل الكثير من التطرف.
وكتبت أسما رداً على أحد الأشخاص الذين رشحوا لها اسم الشعراوي: "طول عمري كنت بسمعه زمان مع جدي الله يرحمه، ومكنتش فاهمة كل حاجة، لما كبرت شفت كام فيديو مصدقتش نفسي من كتر التطرف، كلام فعلاً ما عرفتش استوعبه، حقيقي استغربت، هدور لك على الفيديوهات إلى خلتنى أبطل أشوفوا".
لكن بمجرد أن ضغطت أسما على زر نشر التعليق، انهالت عليها الشتائم من قبل متابعين لها على الفيسبوك، متهمينها بإهانة رمز مهم من رموز الإسلام، فشعرت أسما بصدمة مما تعرضت له، فقررت حذف المنشور كله وكتبت بعدها توضيحاً لمتابعيها قالت فيه: "حصل بينى وبين شخص حوار أسأت فيه التعبير عن اللي عايزة أقوله وحساه، اتفهم كلامي على أني انتقد فضيلة الشيخ متولي الشعراوي، أنا بتكلم من غير ما بحسب كلامي وأنا مقصدش بأى حال من الأحوال إني أغلط أو يوصل كلامي بشكل غلط كده، أنا مش بقيم فضيلة الإمام، أنا عموماً عمري ما أحب أغلط في حد".
وأضافت في توضيحها: "أنا بعتذر جداً جداً عشان لم أستطيع أن أحسن التعبير واختيار الكلمات الصحيحة وده يمكن عشان لسه بتعلم وده عن عدم إدراك، أنا لسة بتكلم على طبيعتي زي أول يوم قررت أني أظهر على السوشيال ميديا، بس دلوقتي لازم أخد بالي من كل كلمة بقولها عشان كل حاجة بتتحسب عليا، وده جديد عليا، وكل ما في الموضوع أني كنت بدور عن مرجع ديني ودروس دينية عشان أفهم بشكل مبسط".
يقول الممثل شريف منير لرصيف22 إن هناك تهديدات بالقتل وصلت لابنته من أشخاص لا تعرفهم، مضيفاً أنها لا تخرج من غرفتها خوفاً من هذه التهديدات
دعى لقتل تارك الصلاة، وروّج لضرب الزوجة، وحلل زواج الأطفال… لماذا يرفض البعض الهجوم على الشعراوي؟
لم ينجح ما كتبته أسما في تهدئة متابعيها الذين تعامل معها بعضهم باعتبارها "كفرت" حين أهانت الشعراوي، وفق تعليق لأحد الأشخاص على صفحتها، وسرعان ما بات اسمها الأكثر تداولاً وبحثاً على الإنترنت في الأيام الأخيرة، كما وصل صدى الهجوم إلى مبنى البرلمان المصري، إذ قال العديد من النواب إنهم سيتقدمون ببيان عاجل ضد ما قامت به أسما.
نواب البرلمان يستيقظون
على سبيل المثال قال النائب إسماعيل نصر الدين، إن تصريحات أسما عن الشعراوي "غير مسؤولة وجاهلة"، محذراً من انتشار الإساءات الموجهة للرموز الدينية، مطالباً بمعاقبة كل من يسيء للشخصيات العامة.
أما النائبة آمنة نصير، فقد اتهمت أسما بأنها تريد عمل "بروباغندا" لنفسها من خلال التطاول على الشعراوي، معبرة عن استيائها من التصريحات الصادرة عنها.
كيف علقت أسما؟
حاول رصيف22 التواصل مع أسما، لكن كانت جميع حساباتها على وسائل التواصل وأرقام هاتفها مغلقة، فتواصل رصيف22 مع والدها الممثل شريف منير، والذي قال إن ابنته وصلتها رسائل تهديد وتكفير كثيرة في الساعات الأخيرة، ما جعلها تقرر إغلاق جميع وسائل التواصل معها.
ووضح منير أن أسما لم تقصد إهانة الشعراوي، بل كانت تتحدث بتلقائية مع أحد متابعيها على صفحتها على الفيسبوك، ولم تتخيل أن هناك من سيستغل التعليق أسوأ استغلال، وفق قوله.
وقال منير إن ابنته تبكي بسبب الهجوم الذي تعرضت له، والتهديدات التي وصلتها عبر الهاتف من أشخاص لا تعرفهم، وبعضها توعدها بالقتل، مضيفاً أن ابنته تجلس في غرفتها من وقتها ولديها خوف من الخروج من المنزل.
وكان آخر ظهور لأسما، مساء يوم 2 تشرين الثاني/نوفمبر، خلال مداخلة هاتفية مع برنامج الحكاية الذي تعرضه فضائية إم بي سي مصر، قالت فيها وهي تبكي إنها مصدومة مما حدث، مضيفة أنها تعاني من مشاكل نفسية وصحية الفترة الأخيرة، وكانت تسأل متابعيها عن شيوخ لتتابعهم لتتحسن حالتها وفق قولها.
وأشارت إلى أنها تلقت تعليقاً من أحد الأشخاص الذي نصحها بالاستماع إلى الشيخ الشعراوي، معقبة: "رديت بتعليق عايزة أموت نفسي إني قلت كده، قلت إني كنت بشوف الشيخ الشعراوي مع جدي ومكنتش بفهم حاجة الكلام كان بيبقى صعب ولما كبرت شفت حاجة ليه كان فيها تطرف".
وتابعت أسما أنها تشعر بالندم لاستخدامها كلمة "تطرف"، مشيرة إلى أنها لا تريد استعمال هذه الكلمة مرة أخرى حتى الموت، وقالت إنها آسفة لما حدث.
ورغم أن التعليقات المهاجمة لأسما كان صوتها أعلى على وسائل التواصل الاجتماعي إلا أن هذا لم يمنع بعض الأشخاص من التضامن مع المذيعة وخبيرة التجميل، معتبرين أن الشعراوي مجرد بشر ولا يجب التعامل معه باعتباره إله.
على سبيل المثال كتب الباحث الإسلامي سامح عسكر عبر حسابه الرسمي على تويتر، أن أسما لم تخطئ حين وصفت الشعراوي بأنه متطرف، ناشراً مقطع مصور للشعراوي اعتبره "تأكيداً لكلامها"، وشرح أن الشعراوي يدعو في المقطع لقتل تارك الصلاة وللتحرش بالمرأة وضربها وزواج الأطفال وغيرها من الفتاوى التي اعتبرها الباحث "مهينة" و"شاذة"، مضيفاً أن من يهاجمون أسما هم "دواعش ومغيبين".
كما تبادل بعض المستخدمين منشوراً يجمع العديد من الآراء التي يعتبرونها متطرفة للشعراوي ومنها، تحريمه للموسيقى والتمثيل، وفوائد البنوك، وفتواه بقتل تارك الصلاة، فضلاً عن تحريمه التأمين على الحياة والممتلكات، ونقل الإعضاء، وحتى عمل المرأة.
ما سر "هوس" المصريين بالشعراوي؟
بحسب عرفات عثمان أستاذ التفسير بجامعة الأزهر فإن المصريون يحبون الشيخ الشعراوي لتعامله مع مشاكلهم ببساطة شديدة، وكان يستخدم مصطلحات سهلة الفهم بالنسبة للمواطنين العاديين من غير المتخصصين في الدين، كما كان يصر على أن تكون دروسه داخل مسجد الحسين بالقاهرة، وهو مسجد له رمزية كبيرة عند المصريين.
ويرى عثمان أن الشعراوي تواجد في فترة مهمة من تاريخ مصر كانت العائلات تتجمع فيها معاً في المنزل ويتابعون ما يعرضه التلفزيون الحكومي وقتها، لذلك فهناك حالة ارتباط نفسي كبيرة بين مصريين كثر وبين الشعرواي الذي تربوا على برنامجه الأسبوعي الذي كان يعرض كل يوم جمعة لسنوات طويلة.
ويعتبر عثمان أن الشعراوي رجل دين له ما له وعليه ما عليه، رافضاً أن يصل الحماس بالبعض في الدفاع عنه إلى حد تهديد الناس بالقتل أو تكفيرهم لمجرد أنهم انتقدوه أو عبروا عن رأيهم فيما يقوله، مشدداً على أن الإسلام لم يأمر بإرهاب الناس.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...