يأتي هذا المقال ضمن الملفّ المُعدّ لشهر أكتوبر 2019, في قسم "رود تريب" بـ"رصيف22" والمعنوَن: "بصحتك يا ساقي... بارات عربية لا بدّ من زيارتها".
على طريق المسافر العربي إلى مدينة إسطنبول التركية، ليل يحمل له كل شيء؛ يحدث أن تجدوا بارًا صاخبًا بموسيقى الروك آند رول، ملونًا بكافة أشكال الإضاءة، زاخرًا بالمشروبات، والكوكتيلات التي ربّما تفقدكم القدرة على تذكر المكان والزمان، والشيء الأكثر تأكيدًا، هو أنكم ستواجهون رجلًا طيبًا ولطيفًا، يعرض عليكم مصاحبتكم في هذه المدينة التي لا تعرفونها أنتم الغرباء، وفي نفس الليلة التي ربما ستصبح "سوداء"، ستختفي الابتسامة من وجه هذا الرجل، وتظهر المطواة، أو السكين، مقابل تفريغ جيوبكم من الأموال المدّخرة للاستمتاع بالسهر في بارات إسطنبول.
عندما يحلّ الليل، تتحوّل أكبر المدن التركية (إسطنبول) إلى بقعة مشتعلة بالحياة والجريمة والمتعة على حدّ سواء. الآلاف من السيّاح يجوبون الشوارع، بحثًا عن أماكن للسهر، وهذه الأماكن مفتوحة دائمًا لاستقبالهم بالموسيقى، والمشروبات والأضواء، وعلى الجانب الآخر من كلّ هذا، بل بالقرب منه، ثمة أشخاص يدبرون ويخططون لعمليات نصب واحتيال جديدة على السائح، الذي هو في الأغلب "عربيًا"، وسيصبح الأمر أكثر بهجة للمحتال، عندما يعرف أن هذا الزائر، جاء من إحدى مدن الخليج.
تمتاز إسطنبول ببارات السّطح، المطلّة على مضيق البوسفور، والتي يمكن من خلالها الاستمتاع بالجمال الطبيعي الرائع للمدينة، وهذا ما يتحقّق بالجلوس في "ليتيرا بار"، الذي يوجد بالطابق الخامس من معهد "غوثيه"، من خلال الجدران الزجاجية، والطاولات والمقاعد المرتفعة
هذه الحالة أصبحت أكثر تمظهرًا في مدينة "إسطنبول"، فور وصول "حزب العدالة والتنمية" بقيادة رجب طيب أردوغان إلى سدة الحكم، حيث أصبحت العاصمة "أنقرة" أكثر تحفظًا وانغلاقًا، وفي المقابل انفتحت أبواب إسطنبول على مصرعيها، لتصبح محطة للمهاجرين العرب، وقبلة للسائحين الذين يرغبون في قضاء عطلاتهم في أماكن السهر وبارات المدينة العتيقة.
الخصوصية المكانية لاسطنبول كان لها تأثير كبير على هويتها الثقافية، وربّما كافة أشكال الحياة فيها، حيث تقع المدينة، في شمال غرب إقليم مرمرة في تركيا، يقسمها مضيق البوسفور إلى قسمين؛ يقع القسم الغربي منها في أوروبا، بينما يقع القسم الشرقيّ في قارة آسيا.
هذا التمزّق بين قارتين، خلق حالة خفيفة من التضادّ بين الجانبين (الشرقي والغربي)، غير أن الاتجاه إلى الحداثة يعصف بكلّ ما هو قديم في إسطنبول؛ فثمة تجديدات لا تنقطع في البارات القديمة في سبيل تحويلها إلى أماكن سهر على النمط الأمريكي، غير أن "رواق الزهور" بجادة الاستقلال، في ناحية "بك أوغلي" لا يزال يحتفظ بالتاريخ العريق للمدينة، حيث يضمّ عددًا من الخمارات والحانات القديمة، ويعود تاريخ إنشاء هذا الرواق إلى القرن التاسع عشر، على يد المهندس اليوناني "كريستاكيس زوغرافوس أفندي" الذي بناه على أنقاض "مسرح نعّوم" وافتتح في سنة 1876.
ويضمّ "معبر النفق"، و"شارع مسجد الكرمة" حانات تاريخية أخرى، وقد أعادت السلطات المختصة إحياء بعض الأحياء القديمة المحيطة بجادة الاستقلال في السنوات الأخيرة الماضية، بنسَبٍ متفاوتة من النجاح؛ ومن هذه الأحياء "شارع الجزائر"، والذي تعارف الناس على تسميته "بالشارع الفرنسي"، بسبب طابعه الفرانكوفوني، حيث توجد فيه الكثير من الحانات والمقاهي والمطاعم التي تُعزف فيها الموسيقى الحية، كما في المطاعم والمقاهي النمطية الفرنسية.
ثمة قطيعة مع الماضي، في أغلب بارات وأماكن السَّهر في إسطنبول، فالمدينة الشهيرة، التي تعتمد على السياحة كمصدر أساسي من مصادر الدخل، تسعى إلى الحداثة، سعيها إلى الحياة. ويبدو ذلك واضحًا، في عمليات التجديدات التي تقوم بها الحكومة، في البارات والأماكن القديمة، دون الحفاظ على قيمتها التاريخية، وذلك حتى تصبح هذه الأماكن متسقة مع الروح الحداثية للمدينة.
هذا العدد الهائل من البارات في مدينة إسطنبول، والرغبة في التوسّع، يوازي، الازدهار الذي شهدته تركيا في صناعة الخمور مؤخرًا؛ ففي عام 2017، تضاعف عدد مصانع إنتاجها إلى 265 مصنعًا بجميع أنواعها
وتمتاز إسطنبول ببارات السّطح، المطلّة على مضيق البوسفور، والتي يمكن من خلالها الاستمتاع بالجمال الطبيعي الرائع للمدينة، وهذا ما يتحقّق بالجلوس في "ليتيرا بار"، الذي يوجد بالطابق الخامس من معهد "غوثيه"، من خلال الجدران الزجاجية، والطاولات والمقاعد المرتفعة، يمكنكم مشاهدة المدينة القديمة، ومضيق البسفور، والمناظر نادرة الجمال التي تحجبها البنايات التركية في أغلب الأحيان، وفي الوقت نفسه يقدم معهد "غوثيه" أحد أكثر البرامج الثقافية تنوعًا في إسطنبول، بداية من المسرح، مرورًا بالتصوير الفوتوغرافي، وصولًا إلى الموسيقى الكلاسيكية.
أما بار "360" الشهير فيمتاز بالابتكارات الجديدة في طريقة تقديم الأطباق الشهية، حيث يقدمها بطريقة مرحة ومختلفة عن الطرق التقليدية، ولكن لهذا ثمن باهظ، حيث يشتهر "البار" بأسعاره المرتفعة التي لا تناسب الكثيرين، فيما يعدّ بار "مون فيرت" أحد أفضل بارات إسطنبول ليلًا ونهارًا. يستوحى هذا البار تصميمه من حقبة الأربعينيات، حيث الألواح الخشبية والجدران ذات المرايا، ويتميز بالمرح؛ فالموسيقى لا تنقطع فيه، وكذلك لا يتوقف الزبائن عن الرّقص، وإطلاق النار في هواء حديقة البار. وفي فصل الصيف يفضّل محبو السّهر الذهابَ إلى مقهى "يربان"، وهي بقعة هادئة في قلب اسطنبول النابض بالحياة، ويعتبر ملهى "بابل"، و"نو بيرا" من أشهر الملاهي الليلية صيفًا وشتاءً.
هذا العدد الهائل من البارات في مدينة إسطنبول، والرغبة في التوسّع، يوازي، الازدهار الذي شهدته تركيا في صناعة الخمور مؤخرًا؛ ففي عام 2017، تضاعف عدد مصانع إنتاجها إلى 265 مصنعًا بجميع أنواعها، تضمنت: 12 لإنتاج البيرة، 15 لإنتاج الجين، 5 إلكور، 6 للفودكا"، لتحتلّ تركيا المرتبة الـ 35 عالميًا في تصنيع الخمور، بفضل إنتاجها نحو 110 ملايين لتر من المشروبات الكحولية سنويًا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع