"والهلالي لمّا قام/ قلّعوه روب المحامي/ ولبّسوه توب الاتهام/ والنيابة ع الغلابة/ طبّقت بند اللجام/ يا سلاملم يا سلام/ والوطن عايش آلام/ وإلإذاعة مستباعة/ قول يا عم الشيخ إمام".
هذه الأبيات التي غنّاها الشيخ إمام في السبعينيات من القرن الماضي كتبها الشاعر أحمد فؤاد نجم عندما فوجئ الرمز اليساري أحمد نبيل الهلالي بأنه متهم في قضية وقف يترافع فيها عن نجم.
ظلت تلك الواقعة مجالاً للتندر بين المحامين والحقوقيين في مصر، لأن الجميع لم يكن يعلم أن هذه الحادثة ستتحول إلى نهج تعتمده السلطات المصرية ضد المحامين، من خلال إلقاء القبض على عشرات منهم أثناء تأديتهم عملهم، بالمخالفة لكافة القوانين والدساتير التي مرت على مصر.
"تطوّر طبيعي"
يقول المحامي ياسر سعد لرصيف22 إن ما يحدث الآن من ملاحقات واعتقالات لمحامين مصريين ما هو إلا تطور طبيعي للممارسات التي اتبعت ضد المحامين على مدار السنوات الماضية، إذ تعددت حالات اعتقال محامين لهم نشاط سياسي منذ فترة بعيدة، لتتوسع الآن وتطال غير المشتغلين بالعمل السياسي.
ويشير سعد إلى أن كل الملاحقات التي طالت المحامين غابت عنها نقابة المحامين تماماً. ويذكر حالة المحامي عمر المختار (من محافظة المنيا، وسط الصعيد) الذي حُكم عليه بالسجن خمس سنوات بسبب مشادة بينه وبين أحد القضاة، ما دفع القاضي إلى طلب حرس المحكمة فقاموا بالتحفظ عليه، وصدر حكم بحبسه، بالمخالفة لقانون المحاماة.
وكانت تعليمات النائب العام المرسلة إلى وكلاء النيابة قد ذكرت في المادة 591 أن "على أعضاء النيابة إخطار نقابة المحامين بما يتلقونه من شكاوى ضد المحامين، مهنية كانت أو غير مهنية، مع بيان اسم المحامي ورقم القضية وموضوعها وما يقدم منها للمحاكمة الجنائية أو التأديبية، مع بيان مواد القانون المنطبقة عليها" كما ذكرت في المادة 592 أنه "لا يجوز القبض على المحامي أو حبسة احتياطياً إذا وقع منه أثناء وجوده بالجلسة لأداء واجبه أو بسببه إخلال بنظام الجلسة أو أي أمر يستدعي محاسبته جنائياً".
يؤكد سعد أن ظاهرة القبض على المحامين أثناء حضورهم التحقيقات أمام النيابه العامة تفاقمت خلال الفترة الماضية، وكان أولها القبض على المحامي مهاب الإبراشي الذي فوجئ أثناء حضوره التحقيقات في نيابة قصر النيل بالتحفظ عليه لصدور أمر بضبطه وإحضاره، وقامت النيابة بالقبض عليه فوراً دون إرسال ما يفيد ذلك إلى نقابة المحامين.
ويضيف أن الأمر وصل إلى اعتقال عشرات المحامين منذ بداية شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، بدءاً من اعتقال المحامي محمد حمدي الذي أعلن تقديم بلاغ إلى النائب العام للتحقيق في ما ورد من وقائع في الفيديوهات التي نشرها محمد علي بشأن القصور الرئاسية، ومروراً بإلقاء قوات الأمن القبض على محام آخر أثناء توجهه إلى مقر النائب العام لتقديم ذات البلاغ.
ويستمر التنكيل بالمحامين المصريين المهتمين بالشأن العام ويزداد سوءاً وفقاً لسعد الذي يعتبر أن ما حصل مع المحامين محمد رمضان وهيثم محمدين وماهينور المصري نموذج لذلك، إذ تستمر قوات الأمن في القبض عليهم في وقائع مختلفة بالرغم من صدور قرارات من جهات قضائيه بعدم صحة الاتهامات المسندة إليهم.
ويشير سعد إلى أن قوات الأمن مستمرة في الإمعان في التنكيل بهم فضلاً عن القبض على محامين آخرين نتيجة ارتباطهم بعلاقات اجتماعية مع بعض الرموز السياسية، كان أبرزها القبض على المحامي محمد أبو هريرة، زوج السيدة عائشة ابنة القيادي الإخواني خيرت الشاطر.
وكانت قوات الأمن قد ألقت القبض على العديد من المحامين طيلة الفترة الماضية أثناء حضورهم التحقيقات مع معتقلي أيلول/ سبتمبر، ومن بينهم المحامية سحر علي التي حضرت عشرات التحقيقات مع معتقلين، واعترضت على فرض قوات الأمن طوقاً حول المحامين في محكمة جنوب القاهرة المعروفة بزينهم، ليتم القبض عليها فجراً من منزلها.
الناشطة اليسارية ماهينور المصري
وقضت المحامية والناشطة اليسارية ماهينور المصري ثلاثة أيام في نيابة أمن الدولة لحضور التحقيقات مع مئات المعتقلين على خلفية أحداث 20 أيلول/ سبتمبر، وفور خروجها من النيابة، اعتُقلت أمام زملائها في الشارع ثم ظهرت على ذمة االقضية 488 المعروفة بقضية "الزمامير".
بدوره، فوجئ المحامي محمد الباقر، مدير مركز عدالة للحقوق والحريات، بإلقاء القبض عليه وهو متوجه للقيام بدوره في توفير الدعم القانوني لموكله الناشط السياسي علاء عبد الفتاح، وذلك أثناء التحقيق مع عبد الفتاح، وتم إخباره بأن هناك أمر ضبط وإحضار على ذمة نفس القضية التي كان يحاكم فيها موكله.
وألقت قوات الأمن القبض على المحامي محمد حمدون في أحد مقاهي مدينة دمنهور، وعندما اعترضت زوجته الناشطة النسوية أسماء دعبيس اعتُقلت بدورها.
وفي 15 تشرين الأول/ أكتوبر، أعلن المحامي عمرو إمام نيته تنفيذ إضراب جزئي عن الطعام تضامناً مع المحامين المعتقلين، واعتراضاً على التعرض بالضرب والتعذيب للناشطة السياسية إسراء عبد الفتاح فاعتلقته قوات الأمن من منزله في اليوم التالي لينضم إلى القضية 488 المدانة فيها ماهينور المصري وغيرها وليتحول من محامٍ إلى متهم.
"النظام يتصور أن إغلاق المجال العام حماية"
يقول المحامي أحمد قناوي لرصيف22 إن ما يحدث للمحامين المصريين خلال الفترة الماضية هو جزء من سياق عام يعاني منه المصريون جميعاً، لا سيما الإغلاق التام للمجال العام، والتعدي على الحريات العامة والشخصية، والإصرار على قمع أي رأي مخالف.
ويشير إلى أن على نقابة المحامين أن تتخذ موقفاً واضحاً من الانتهاكات التي يتعرض لها المحامون أثناء تأدية واجبهم المهني في الدفاع عن المواطنين، خاصة أمام نيابة أمن الدولة التي يفصل فيها بين المحامي والموكل، والتي يبذل فيها المحامي مجهوداً مضاعفاً ليعرف موعد نزول موكله للتحقيق، ويعاني من التفتيش وغيره من أسوأ أشكال المعاملة التي تنتهي باعتقال المحامين من داخل أروقة النيابة وأمامها.
واعتبر قناوي أن البيان الأخير الذي أصدرته نقابة المحامين خطوة ولكنها ليست كافية أمام ما يعانيه المحامون من ملاحقات واعتقالات.
"لن ندفع فواتير مَن يريدون قلب نظام الحكم"
بالرغم من تردي أوضاع المحامين في مصر ووصول الأمر إلى اعتقال بعضهم على طرقات النيابة، قال النقيب الحالي للمحامين سامح عاشور في تصريحات صحافية على هامش مؤتمر سنوي عقدته النقابة في الغردقة: "هناك ضرورة للتفرقة بين الدفاع عن حق كل مواطن في التعبير عن رأيه وفقاً للدستور والقانون، وبين الانجرار إلى معارك جانبية لا يجب أن ندخل فيها".
أثناء خروج المحامية ماهينور المصري من النيابة، اعتُقلت ثم ظهرت كمتهمة. وأثناء توجهه للدفاع عن الناشط علاء عبد الفتاح، فوجئ المحامي محمد الباقر بإلقاء القبض عليه على ذمة نفس القضية... هاتان حالتان من بين عشرات... ماذا يحدث للمحامين في مصر؟
قبل أيام أعلن المحامي عمرو إمام نيته القيام بإضراب جزئي عن الطعام تضامناً مع المحامين المعتقلين في مصر، فاعتلقته قوات الأمن من منزله ليتحول بدوره من محامٍ إلى متهم، كما العشرات قبله... ماذا يحدث للمحامين في مصر؟
وأشار عاشور إلى أن نقابة المحامين "لن تدفع فواتير مَن يسعى إلى قلب نظام الحكم، ولن تنجر خلفهم، موضحاً أن دور النقابة يتعلق بتحقق كفالة حق الدفاع وفقاً لما نص عليه الدستور والقانون، ولكن لن ننجر لدفع فاتورة آراء سياسية، فهذا ليس دور النقابة".
وأشار نقيب المحامين إلى أن تاريخ النقابة مليء بمحامين تم اعتقالهم وحبسهم بسبب آرائهم السياسية، ولكنهم لم يجرّوا النقابة إلى معاركهم، مؤكداً أن مصر غير مستعدة لمواجهة المجهول.
وتحت ضغوط المحامين المصريين الذين أطلقوا وسم #الحرية_للروب_الأسود، و#المحاماة_مش_جريمة، أصدرت نقابة المحامين بياناً قالت فيه: "أبدت نقابة المحامين قلقها من إلقاء القبض على بعض المحامين أثناء حضورهم التحقيقات مع عدد من المتهمين في نيابة أمن الدولة"، مؤكدة أن "هذا الإجراء يؤدي لإسقاط دور الدفاع، ودور المحامي القانوني والدستوري".
وقال سامح عاشور في بيان في 14 تشرين الأول/ أكتوبر إن "نقابة المحامين تابعت بقلق بالغ إلقاء القبض على بعض المحامين أثناء حضورهم القانوني في تحقيقات النيابة العامة التي تجريها نيابات أمن الدولة مع بعض المقبوض عليهم في أحداث التظاهر الأخيرة".
وأضاف أن "هذا إجراء يؤدي حتماً إلى إسقاط حق الدفاع عن المتهمين ويهدد أيضاً دور المحامي الدستوري والقانوني" لافتاً إلى أن هناك "ترهيباً للمقبوض عليهم وغيرهم عن أداء دورهم التاريخي في الدفاع".
وأكد البيان أن "نقابة المحامين تنحاز لدولة القانون التي نبنيها في مصر، ونتمسك بقوامها الدستوري في مواجهة أي محاولة خارجية أو إرهابية ضد الدولة المصرية"، ولكنها "تستنكر ما يجري من توسع في عمليات القبض حتى تشمل مَن يؤدي عمله بالمحاماة، ويحضر مع المتهمين مهما كانت الجرائم المنسوبة إليهم"، وتستنكر "التنكيل بالمحامين أثناء أداء عملهم".
وتابع أن "نقابة المحامين تعلم أنه لا يوجد مَن هو فوق القانون سواء كان محامياً أو ضابطاً أو قاضياً، ولكن يجب أن تتسم عمليات القبض بالضمانة الكاملة على جدية الاتهام، وضمان حضور المحامي للتحقيق، وإخطار النقابة بالتهم المسندة إلى كل منهم، ومكان حبسه، وموعده القانوني في التحقيق، أو المحاكمة، على أن تسري هذه القواعد على جميع المتهمين".
"النقابة فقدت دورها على كل المستويات"
يقول عضو النقابة العامة للمحامين عبد الحفيظ الروبي لرصيف22 إن نقابة المحامين فقدت دورها الوطني والمهني على مدار السنوات الماضية، وهو ما يؤدي حتماً إلى انهيار أوضاع المحامين والمحاماة، معللاً ذلك بانفراد النقيب سامح عاشور بالقرار في النقابة والإصرار على "الأساليب البالية" في التعامل مع الأزمات التي تمر بها مهنة المحاماة.
ويؤكد الروبي أن المحاماة مهنة حرة، تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة، وسيادة القانون، وكفالة حق الدفاع، ويمارسها المحامي مستقلاً، لذا يجب احترامها وتمكين المحاميين من القيام بدورهم في الدفاع عن المتهمين والالتزام بالقانون.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...