"كارثة بيئية" هكذا يصف اللبنانيون الحرائق التي نشبت في بلادهم وتستمر لليوم الثاني على التوالي. وبينما تسعى الحكومة لاحتواء الأزمة، يتصاعد الحديث عن "فضيحة" طائرات الإطفاء المعطلة، ونعت الحرائق بالمجزرة التي قضت على ثروة لبنان من الغطاء الأخضر.
عاش لبنان محنة بدأت في 14 تشرين الأول/أكتوبر، بعد نشوب نحو 132 حريقاً في جميع مناطق لبنان، بحسب المدير العام للدفاع المدني اللبناني ريمون خطار. والتهمت الحرائق مئات الدونمات من التلال والأحراج.
وكانت الحكومة اللبنانية قد استعانت بقرابة 8 طوافات عسكرية لبنانية وطوافات قبرصية ويونانية وأردنية، وانضمت إلى جهود الجيش والدفاع المدني اللبناني مؤازرة من الدفاع الفلسطيني وقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، والعديد من المتطوعين من الأهالي.
و
قالت غرفة العمليات في الدفاع المدني اللبناني لموقع صحيفة النهار اللبنانية إن "معظم الحرائق تمت السيطرة عليها بشكل شبه كامل من المشرف إلى عكار باستثناء حريق مزرعة يشوع في المتن حيث تجدد وتتم عملية إطفائه".
وحريق المشرف، الذي اندلع قبل 3 أيام، لم يخمد بعد رغم تكثيف الجهود لإطفائه، بل اتسعت رقعة النار والتهمت عدداً من المنازل.
و
أشارت صحيفة الأخبار اللبنانية إلى أن الأضرار في مناطق الدبية وضهر المغارة كانت أكبر من المشرف، حيث امتدت إلى عشرات الشقق في التجمعات السكنية التي أقيمت في الأحراج.
وصباح 16 تشرين الأول/أكتوبر،
تدخلت طوافة الجيش اللبناني لإخماد الحريق في خراج بلدات مزرعة الضهر ومزمورة وبكيفا، في قضاء الشوف، سعياً للسيطرة نهائياً على النيران المتنقلة بين تلك البلدات، بحسب الوكالة اللبنانية الوطنية للإعلام.
وأوضحت الوكالة أن جهود الدفاع المدني والجيش والقوى الأمنية والأهالي بلغت مراحلها النهائية، بمحاصرة النيران ومحاولة إخمادها كلياً وتبريد المنطقة برش المياه.
وتوقعت مصلحة الأرصاد الجوية بإدارة الطيران المدني اللبنانية أن يكون طقس 16 تشرين الأول/أكتوبر غائماً جزئياً إلى غائم مع انخفاض في درجات الحرارة ووجود ضباب على المرتفعات بدءاً من بعد الظهر مع تساقط أمطار متفرقة. وعد هذا مؤشراً إيجابياً للح من نشوب مزيد من الحرائق.
فضيحة طوافات الإطفاء
و
تصاعد النقاش بشأن أزمة تعطل الطائرات المخصصة لإخماد الحرائق وتوقفها في مطار بيروت "خردةً" بسبب عدم توافر الأموال اللازمة للصيانة.
واعتبر كثيرون أن هذه "الفضيحة" تعكس تعامل "الدولة اللبنانية مع الكوارث الطبيعية والأزمات".
وعبر حسابه على تويتر،
كتب النائب والعسكري اللبناني البارز جميل السيد: "طوافات اشتراها الوزير (الداخلية السابق زياد) بارود في عام 2010 من تبرعات بقيمة 13.6 مليون دولار بمناقصة دولية وقطع غيار وصيانة مجانية لمدة 3 سنوات وتدريب مجاني لطيّاري الجيش! استلمها الجيش وأطفأت حرائق حتى عام 2015، وتوقفت حتى اليوم لأن الدولة لم توفّر لها أموال صيانة! ليش دولتنا بتكره البلاش (الأشياء المجانية)؟ لأنو البلاش ما بينسرق منّو…".
و
شدد الوزير السابق، زياد بارود، لموقع النهار المحلي، على أن "الطوافات الـ3 كانت هبة ولم تكلف الدولة قرشاً واحداً، وشملت الهبة صيانة لـ3 سنوات وتدريب الطيارين. وقد اختار المواصفات سلاح الجو في الجيش مع مؤسسة Veritas".
وبيّن الوزير السابق أن الكارثة لا تتمثل في إهمال الطوافات وتركها خردةً في مطار بيروت فحسب، بل أيضاً "في شحّ إمكانات عناصر الدفاع المدني، إذ يقاوم المتطوعون الحريق باللحم الحي وبإمكانات متواضعة مرّ عليها الزمن".
وتساءل: "هل يعقل أن عناصر الدفاع المدني يستعينون بصهاريج الأهالي لإخماد الحريق؟ وكيف يمكن اقتحام الحريق بدون خوذة واقية من النيران؟! ما حصل خلال الساعات الماضية كشف حجم التقصير بطريقة التعامل مع الكوارث الطبيعية، فلا طائرات تعمل ولا عناصر مجهزة على الأرض".
أما الصحافي اللبناني بيار أبي صعب،
فوصف، في مقاله المنشور بصحيفة الأخبار اللبنانية، في 16 تشرين الأول/أكتوبر، أفراد الدفاع المدني بـ “ مجاهدي الدفاع المدني الذين امتصّ نظام الهدر والفساد دماءهم وهضم حقوقهم، واجهوا النار بأجسادهم العارية" متسائلاً "أين حرّاس الأحراج؟ تذكّرنا فجأة. ينتظرون أن تفك المادة 95 أسرهم. أين طائرات السكورسكي؟ إنّها غير صالحة يقول بعض السياسيين، أو غير مصانة يقول بعضهم الآخر، وفي كلتا الحالتين ترمي حمولتها بعيداً عن البؤر المستعرة".
جهود لبنانية ودولية لإخماد الحرائق وغضب شعبي وإعلامي من تقصير الدولة... ما قصة الطوافات "الخردة" التي بقيت رابضة في المطار وعوضتها طوافات قبرصية؟
إشادة بجهود الدفاع المدني اللبناني الذي يقاوم النيران بـ"اللحم الحي وبإمكانات متواضعة ومتهالكة"... وبمبادرات فنانين مثل جوزيف عطية وشيرين عبد الوهاب
"مشهد الحريق العظيم هو في الحقيقة ذروة المأساة: حكاية شعب متروك لقدَره. يكشف اللبنانيون للمرّة المليون أنْ ‘ليس لهم أحد"… حرائق لبنان كما وصفها الصحافي بيار أبي صعب
لا نزوح؟
وشددت صحيفة "الأخبار" على أن معظم سكان التجمعات السكنية في خراج الدبية نزحوا إلى السعديات والجية وبيروت بسبب النيران التي طالت خطوط التوتر العالي التي تمر فوقها وتسببت في اشتعال عدد من المولدات الخاصة.
وأمر رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون "المعنيين بوجوب تقديم مساعدات عاجلة إلى المواطنين الذين اضطروا إلى مغادرة منازلهم المحاصرة بالنار، وتقديم الإسعافات اللازمة ومعالجة المصابين من السكان أو من الذين يكافحون النار".
لكن وزير الصناعة وائل أبو فاعور
نفى، بعد اجتماع طارئ حول أزمة الحرائق، حصول عمليات نزوح للبنانيين جراء الحرائق، كما راج عبر المواقع المحلية ووسائل التواصل الاجتماعي، مبيناً أن الأمر لم يتعدَّ أضراراً لحقت بالمباني.
وأضاف: "المطلوب هو العمل على إعادة تشجير الغابات والرئيس (الحكومة سعد) الحريري أكد أن الدولة ستتولى التعويض على المتضررين. ندرس عملياً وضع آلية لمساهمة الصناعيين والتجار مع البلديات في المساعدة".
نجوم إيجابيون
وأعرب العديد من نجوم الفن والمجتمع في لبنان والعالم العربي عن حزنهم وتضامنهم وتعاطفهم مع ما يحدث في لبنان.
لكن البعض كان عملياً أكثر من سواه مثل الفنان جوزيف عطية الذي
وثقت البرلمانية بولا يعقوبيان، في مقطع فيديو عبر حسابها على إنستغرام، مساعدته للمتضررين من الحرائق بنقل عبوات المياه لهم.
وعلّقت يعقوبيان على ما فعله عطية بقولها:"إنسانيون نجوم من وطني".
الفنانة المصرية شيرين
أبدت استعدادها للمساعدة بطريقة مغايرة، مقترحةً إحياء حفل تذهب عائداته للمتضررين من الحريق.
وأكدت عبد الوهاب على تويتر: "قلبي يحترق على وطننا الغالي لبنان، لكن في مثل هذه المواقف، الكلام ليس كافياً. أنا على أتم استعداد لإقامة حفل يكون كل العائد منه مخصصاً للمتضررين من الحريق... أناشد دولة رئيس الوزراء سعد رفيق الحريري أن تكون تحت رعاية سيادته".
ولاقت هذه المبادرة من شيرين ردود فعل قوية وشكراً واسعاً من اللبنانيين.
تكالب الكوارث
وفي مقاله المشار إليه آنفاً، اعتبر بيار أبي صعب أن كارثة الحرائق جاءت لتُجهز على الشيء الوحيد الذي تبقى للبنان من الفساد… أشجاره.
و
كتب بيار: "في وطن العسل والبخّور، كل شيء على ما يرام. الهواء مسموم، والمياه ملوّثة، والخُضَر مسرطَنة، واللحوم فاسدة، والأميّة مستشرية، والجوع يعضّنا، والزبالة تطمُّنا، والمجارير تبتلعنا، والمؤسّسات فارطة، والسلم الأهلي متآكل، والبنى التحتية متصدّعة، والليرة منهارة، والاقتصاد مترنّح… كلّه تمام التمام يعني. لكنْ هناك شيء ناقص في هذه الصورة النموذجيّة، كي تكتمل الفرحة. لا يزال عندنا «شويّة» أشجار، وكان من الطبيعي أن نتخلّص منها".
وأضاف: "مشهد الحريق العظيم هو في الحقيقة ذروة المأساة: حكاية شعب متروك لقدَره. يكشف اللبنانيون للمرّة المليون أنْ ‘ليس لهم أحد‘، وأن دولتهم -دولة العار وقاطعي الطرق المسؤولين عن ويلاتهم- عاجزة، متخاذلة، لا مبالية".
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...