شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
دخلت عالم

دخلت عالم "الدعارة" وفكّرت في الانتحار... وحدة الأم العزباء في شوارع الجزائر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 13 أكتوبر 201909:18 م

"تعبت وأنا أنتظر أن تحقق الدولة الوعود التي أطلقتها لتحقيق مطالبنا، أرغب في الحصول على وثيقة تثبت هوية ابنتي التي لم يتجاوز عمرها أربعة أشهر، فنحن نعيش في حضن مجتمع يقصي الأمهات العازبات".

بهذه الجمل تحدثت حكيمة أيوب، شابة جزائرية في العقد الثاني من عمرها.

الشارع مأواهم

بدت حكيمة متعبة للغاية عندما تحدثنا إليها وهي تسير في شارع ديدوش مراد، نسبة إلى الشهيد ديدوش مراد، أحد الأبطال الاستقلال، يقع في قلب الجزائر الوسطى، وهو من أكثر وجهات التسوق في المدينة.

تروي حكيمة، وعيناها على وشك البكاء، لرصيف22: "كنت شابة في العشرينيات من العمر، تعرفتُ على شاب يكبرني بخمس سنوات، أغرمت به كثيراً، وفي يوم ما وقعت في المحظور، ووجدت نفسي أواجه المصير، أم عازبة، ورجل اختفى بعد أن أشبع رغبته الجنسية دون أن يحاسبه أحد".

تقول حكيمة: أنها وجدت "الشارع" ملجأ لها، بعد أن لفظتها عائلتها منعاً للفضيحة، حينها اسودت الدنيا في عينيها وأصبحت ترى كل شيء أسود، لكنها ورغم ذلك رفضت التخلي عن جنينها، وقرّرت التحدي وتحمل مسؤوليته وحدها، بعد أن تخلّى صاحبها عنها، فأصبحتا في الشارع: الأم والبنت.

تعيش من الصدقات

توقفت حكيمة لبرهة أمام جدار أبيض، وأمسكت به لعله يساندها ويجعلها تتماسك، وتابعت: "لم أعد قادرة على توفير لقمة العيش لابنتي، بسبب فشلي في الحصول على عمل مستقر، فأصبحت أقتات من الصدقات".

أبرز ما يثقل كاهل حكيمة، بحسب تصريحاتها، عدم تمكنها من الحصول على هُوية لابنتها، بسبب اختفاء والدها نهائياً، رغم أن قانون الأسرة الجزائري منح الأم العزباء جملة من الامتيازات، أبرزها ضمان الحق في التكفل بطفلها، وحمل اسمها، مع السماح بالإبقاء على اسم الأب مجهولاً في حال اختفائه نهائياً، وعدم اعترافه بالمولود.

وجدت "الشارع" ملجأ لها، بعد أن لفظتها عائلتها منعاً للفضيحة، اسودت الدنيا في عينيها، وباتت ترى كل شيء أسود، لكنها ورغم ذلك رفضت التخلي عن جنينها، وقرّرت التحدي وتحمل مسؤوليته وحدها
من بين الأسباب التي دفعت سامية إلى التفكير في الانتحار نظرة المجتمع وحكمه القاسي عليها وعلى ابنها، والمواقف الجارحة والمهينة التي تتعرض لها بشكل يومي، وبعض الأمهات العازبات اندفعن إلى عالم الدعارة البشع، بسبب الاحتياج المادي

ويمنح المشرع الجزائري للأم الحق في تعيين "كفيل" لابنها إذا تعذر عليها حضانته، بينما يمكن للطفل حمل اسم والده إذا ما أقر بذلك في جلسة مغلقة بالمحكمة.

فكرن في الانتحار

بعض الأمهات العزباوات فكرن في الانتحار للتخلص من حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهن، ونظرة المجتمع "الدونية"، بحسب ما أوردته الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، في بيان لها تداولته الصحف المحلية عام 2017، واطلعت عليه رصيف22، بينهم السيدة "فتيحة. ب" من محافظة الشلف (200 كلم غرب الجزائر العاصمة)، إذ طردت من بيت والدها برفقة ابنها رائد في عامه الثاني، كانت بحسب الدراسة: "تقتات من منحة تمكنها من مواصلة مسارها الدراسي لنيل شهادة الماجستير في علم الآثار بجامعة "حسيبة بن بوعلي" بالمحافظة ذاتها، فلم يشفع لها مسارها الدراسي لتجنب مضايقات من حولها، حيث اشتكت من نظرة المجتمع الدونية لها ولابنها وهو ما دفعها للتفكير في الانتحار.

سامية، قصة أخرى بالتقرير، شابة جزائرية لا يختلف وضعها كثيراً عن فتحية، طُردت من بيتها العائلي ومعها طفلها في شهره السادس، كانت تحلم دوماً بتأسيس أسرة عمودها التوازن والتربية ومبادئها الأخلاقية، لكن وقوعها في الحب غيّر مسارها، وبداية قصتها كانت نظرة فإعجاب ثم عشق ولقاءات غرامية، فمولود يصمه المجتمع بـ"غير الشرعي"، ومن بين الأسباب التي دفعت سامية إلى التفكير في الانتحار نظرة المجتمع وحكمه القاسي عليها وعلى ابنها، والمواقف الجارحة والمهينة التي تتعرض لها بشكل يومي، إضافة إلى غياب الرعاية الاجتماعية.

انغمسن في عالم الدعارة

ورغم أن الجزائر تصنف في خانة البلدان التي حققت تطوراً غير مسبوق في مجال حماية الأمهات العازبات والنساء ضحايا مختلف أنواع العنف، إلا أن هذه الفئة تعاني من إقصاء اجتماعي.

وتقول دليلة حسين، رئيسة فرع جمعية حورية للمرأة الجزائرية، ومقرها الجزائر العاصمة، لرصيف22: "موضوع الأمهات العازبات يعتبر من أكثر المواضيع حساسية وخطورة من حيث المعالجة لعدة أسباب، أبرزها أنه يصنف في خانة المواضيع الشائكة، وأيضاً غياب إحصائيات رسمية عن هذه الفئة، حيث تفضل أغلبية الأمهات العازبات التستر على الفضيحة خوفاً مما ينتظرهن، فالمجتمع الجزائري لا يزال مجتمعاً محافظاً".

وأوضحت دليلة حسين أن بعض الأمهات العازبات انغمسن في عالم الدعارة بعد أن أغلقت جميع الأبواب في وجوههن، وأصبحت حياتهن صعبة للغاية، فتكون الحاجة المادية أو الهروب من المشاكل العائلية غالباً سببا في ولوج الأمهات العازبات إلى هذا العالم البشع.

الحاجة المادية أو الهروب من المشاكل العائلية غالباً سببا في ولوج الأمهات العازبات إلى عوالم الدعارة البشعة.

وتشير دليلة حسين أنها راسلت في وقت سابق وزارة التضامن الوطني والأسرة للنظر في وضعية هذه الفئة، إلا أن الوزارة الوصية اقترحت على الجمعيات التكفل بهن وتوفير مراكز إيواء لهن، غير أن نقص الإمكانيات المادية حال دون ذلك.

ومنح قانون الأسرة الجزائري، الأم العازبة جملة من الحقوق، لكنها تبقى جد محدودة، وفقاً لما تؤكده فيروز سلال، الباحثة والمحامية الجزائرية المختصة في أحوال الأسرة الجزائرية، فالمشرّع الجزائري لم يفرض عقوبات على الأم العازبة كما أنها لا تتابع في أروقة الحاكم، إلا في حالة ثبوت أنها ارتكبت جنحة في حق الرضيع، كالإساءة له مثلاً، وهو ما قامت به أم عزباء من محافظة سكيكدة شرق الجزائر العاصمة، حيث قتلت جنينها بطريقة بشعة بعد أن كتمت أنفاسه حتى الموت ثم دفنته بالقرب من مسكنها العائلي.

ولا تعتبر هذه الجريمة الأولى من نوعها، حيث تتعدد الجرائم التي تختلف الجرائم من أم لأخرى، فبعضهن يلجأن إلى الخنق، والبعض الآخر إلى استعمال الوسادة لسهولة التخلص من الرضيع، ثم يرمين الجثث داخل أكياس القمامة.

آلاف الأطفال بلا هوية

وأعدت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان بياناً في نوفمبر 2018 عن الأطفال مجهولي النسب، ويتجاوز عددهم بحسب الأرقام التي كشف عنها التنظيم 45 ألف. يولد معظمهم خارج المستشفيات الحكومية، بينهم أطفال "الزواج العرفي" الذي يتمكن من خلاله الجاني من التنصل من مسؤوليته كأب.

وأشارت الرابطة في تقريرها، إلى مسألة "المتاجرة بالأطفال مجهولي النسب داخل وخارج البلاد"، وذكر التنظيم الحقوقي في بيانه، أن مصالح الأمن بمحافظة سيدي بلعباس غرب الجزائر، فتحت في وقت سابق تحقيقات معمقة حول قضية شبه متاجرة بالرضّع مجهولي النسب، على مستوى مؤسسة صحية خاصة بالنساء والتوليد".

وتوصلت مصالح الأمن الجزائري إلى وجود شبهات تحوم حول امتداد هذه الشبكة إلى ما وراء البحر.

واستدلت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان بتراجع عدد الأطفال مجهولي النسب، حيث كان عددهم يصل إلى 95 طفلاً في السنة، ليتراجع إلى 15 طفلا سنوياً، واضطر المحققون إلى فتح تحقيقات في سجلات الوفيات.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image