شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
لا يتحدثون العربية وتقتلهم العزلة... مأساة المرحّلين من أمريكا إلى العراق

لا يتحدثون العربية وتقتلهم العزلة... مأساة المرحّلين من أمريكا إلى العراق

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 25 سبتمبر 201906:23 م

"أخاف جداً من مغادرة المنزل... لا أعرف أحداً هنا وليس لدي مال"، كلمات قليلة رثى بها هاني البازوني حاله منذ رُحِّل قبل ثمانية أشهر من الولايات المتحدة إلى العراق.

قضى البازوني وقته منذ كانون الثاني/يناير الماضي في غرفة صغيرة بمدينة البصرة (أقصى جنوب العراق) لا يغادر فراشه على الأرض لبضعة أيام ولا يطرأ عليه تغيير سوى زيارة بين حين وآخر من شقيقته، بحسب ما روى لوكالة رويترز.
في الأيام الأخرى، اكتفى الرجل بتمضية الوقت وهو يتأمل صور زوجته وأطفاله السبعة، وهم جميعاً مواطنون أمريكيون.
الابن الأكبر للبازوني متدرب في مشاة البحرية الأمريكية، أما الأصغر فلم يتجاوز الثالثة من العمر بعد.

عدم القدرة على الاندماج

البازوني ليس وحيداً في هذه المعاناة، بل هو واحد من عشرات من أصول عراقية رحّلتهم واشنطن إلى بلدهم الأصلي منذ عام 2017. خلال هذا العام، وافق العراق على استعادة مواطنيه أصحاب السوابق الجنائية، في صفقة، مقابل رفع اسمه من قائمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمنع من السفر بعدما استهدفت سكان العديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة.
وروى 9 مرحلين من أمريكا للعراق لرويترز معاناتهم في الاندماج داخل المجتمع العراقي، كاشفين عن شعورهم بالاكتئاب والرغبة في الانتحار والخوف على أمانهم الشخصي إثر إبعادهم عن أسرهم ووظائفهم.
حتى أن بعضهم تحدث عن سوء معاملة إدارة الهجرة والجمارك معه، متهماً إياها بإجباره على التوقيع على أوامر الترحيل أو سرقة أموال كانت بحوزته عند إلقاء القبض عليه. 
روى 9 مرحلين من أمريكا للعراق لرويترز معاناتهم في الاندماج داخل المجتمع العراقي، كاشفين عن شعورهم بالاكتئاب والرغبة في الانتحار والخوف على أمانهم الشخصي إثر إبعادهم عن أسرهم ووظائفهم.
تهديد أمني 
كان البازوني قد انتقل لاجئاً إلى أمريكا في تسعينيات القرن الماضي، وهناك أمضى بعض الوقت سجيناً في اتهامات بالاعتداء. غير أنه عمل أيضاً مترجماً للجيش، وهي وظيفة تجعله عرضة للخطر داخل العراق. 
وتعارض فصائل عراقية مسلحة ذات نفوذ ومدعومة من إيران الوجود الأمريكي في البلاد، لذا لا تتركه أسرته يغادر البيت خوفاً من اعتقال هذه الفصائل له.
وهذا ما يؤكده الباحث في شؤون حقوق الإنسان دانييل سميث، الذي كان شاهداً على عشرات من حالات الترحيل، ويقول: "المرحلون يعاملون تلقائياً بريبة لا لشيء إلا لصلاتهم بأمريكا".
ويصل بعض المرحلين إلى العراق الذي لم يزوره على مدى عقود وقد فقدوا علاقاتهم الاجتماعية وأوراق هوياتهم، ولا يجيدون سوى القليل من اللغة العربية. وهو ما ينطبق على البازوني الذي قال "لم أتصور قط أنني قد أعود للعراق... خسرت وظيفتي وأسرتي وأبنائي وربما قريباً أخسر حياتي".
ويرى سميث أن هذا الوضع الهش يجعلهم "عرضة لاتهامات بالتجسس (لأمريكا)، والخطف مقابل فدية والمضايقات من قبل الفصائل" المدعومة من إيران.
اللافت أن بغداد كانت ترفض مثل هذه الترحيلات قبل عام 2017، لاعتبارات سياسية ولوجيستية متعلقة بحقوق الإنسان.
كذلك يعارض أعضاء في الكونغرس ومحامون ونشطاء في مجال حقوق الإنسان هذه الصفقة، معتبرين أن العراق الذي ما زالت تمزقه الصراعات الطائفية بعد مرور 16 عاماً على الغزو الأمريكي لأراضيه، "ليس مكاناً آمناً لهؤلاء العائدين".
ومنذ صفقة عام 2017، اعتقلت إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية مئات من أصل 1400 عراقي تنطبق عليهم شروط الترحيل لعدم إمكانية حصولهم على الجنسية الأمريكية بسبب صحيفتهم الجنائية.
وأعلنت الإدارة حينذاك اعتقال المدانين الذين ارتكبوا انتهاكات تراوح بين القتل وتجارة المخدرات بعد أحكام من قاض مختص بالهجرة بترحيلهم.
في هذه الأثناء، قدم الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية دعوى قضائية نيابة عن هؤلاء. ونجح بدايةً في تعطيل عمليات الترحيل، قبل أن يتغير مسار القضية بعد نقض الحكم لتتسارع وتيرة الترحيلات وتبلغ أشدها في نيسان/أبريل الماضي.
وجرى ترحيل العراقيين على دفعات، 61 شخصاً ثم 48 ثم 12، وفق ما أعلنته إدارة الهجرة والجمارك. ومنذ بداية العام الجاري، رحل 30 عراقياً. ولم يزل 370 عراقياً الذين اعتقلوا منذ 2017 بانتظار الترحيل في أي وقت.
"يعاملون تلقائياً بريبة لا لشيء إلا لصلاتهم بأمريكا"، "خائفون لا يستطيعون مغادرة منازلهم"، "معرضون للخطر" و"أغلبهم لا يتحدثون العربية"… مأساة يعيشها المرحلون من أمريكا إلى وطنهم الأصلي: العراق
عضو في الكونغرس يؤكد أن "أغلب المرحلين لا يتكلمون العربية، لم يذهبوا من قبل إلى العراق أو لم يذهبوا منذ أن كانوا صغاراً... ترسلونهم أساساً إما إلى الاضطهاد أو التعذيب أو الموت"

الموت… مصير محتوم؟ 

أما ناصح (55 عاماً) فقال إنه أمضى يومين نائماً على أريكة في مطار بغداد لا يجد مكاناً يذهب إليه بعد ترحيله حتى أقرضه شخص لا يعرفه هاتفاً ليبحث عن مكان يذهب إليه.
عثر ناصح حينذاك على زميل سكن يدعى جيمي الداوود مرحل من ميشيغان أيضاً، وكلاهما من الأقلية المسيحية التي زعمت إدارة ترامب أنها ترغب في حمايتها.
الداوود (41 عاماً) المولود في مخيم للاجئين في اليونان من أب وأم عراقيين لم ير العراق قبل ترحيله إليه، وكان يعاني مشكلات عقلية ومرض السكري. وتوفي في الشهر الماضي لعدم حصوله على الرعاية الطبية بحسب أسرته، وقد نقل للدفن في ميشيغان قبل أسبوعين.
ويؤكد عضو الكونغرس الديمقراطي عن ميشيغان آندى لافين أنه "سيكون هناك المزيد من أمثال جيمي الداوود إذا استمر ذلك"، معتبراً أن الترحيل ينتهك القانون الأمريكي. ويسعى لافين إلى الحصول على دعم الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، لمشروع قانون لوقف عمليات الترحيل.
ويرى لافين أن أغلب المرحلين ارتكبوا جرائمهم في الصغر ووقعوا على اتفاقات مع الادعاء تقضي بأن يقروا بذنبهم مقابل بعض الامتيازات، لكنهم لم يدركوا أن ذلك سيتسبب بإلغاء بطاقات إقامتهم في الولايات المتحدة.
كما بيّن أن "أغلب هؤلاء لا يتكلمون العربية، إذ لم يذهبوا من قبل إلى العراق أو لم يذهبوا منذ أن كانوا صغاراً... ترسلونهم أساساً إما إلى الاضطهاد أو التعذيب أو الموت. سياستنا لا تسمح بذلك".

ليسوا أمريكيين ولا عراقيين 

وقال ناصح لرويترز: "أبلغ من العمر 55 عاماً، أمضيت 40 منها في ميشيغان ولم أغادرها. هل هناك ما هو أكثر من ذلك لأكون أمريكياً؟"، مردفاً "ارتكبت خطأ وأنا طفل وحُبست قبل أن أحصل على الجنسية وكان يتعين أن أحصل عليها. لكن إذا لم يكن بالإمكان أن أصبح أمريكياً فعلى الأقل اسمحوا لي أن أكون عراقياً".
أدين ناصح عام 1989 بتهمة بسيطة تتعلق بالمخدرات، وقضت محكمة مختصة في شؤون المهاجرين بترحيله عام 1994 وألغت بطاقة إقامته. 
ويعتقد حقوقيون أنه يتعين على حكومتي الولايات المتحدة والعراق إذا أرادتا المضي قدماً في عمليات الترحيل توفير أوراق هوية للمرحلين على الأقل.
وأغلب هؤلاء لم يعد يحمل أوراق هويته العراقية الأصلية، كما تنتزع منهم أوراق هوياتهم الأمريكية من قبل إدارة الهجرة والجوازات أثناء اعتقالهم، على حد قولهم.
ويصعب الحصول في العراق على أوراق ثبوتية تتطلب وقتاً يراوح بين أسابيع وعام. وعدم توافر أوراق هوية يعرض المرحلين إلى الاعتقال من قبل السلطات العراقية.
وبعدما انقضى أجل وثيقة السفر التي عاد بها إلى العراق، واجه ناصح العديد من العقبات لدى الحصول على أوراق هوية جديدة. قال ساخراً: "بالنسبة للعراق أنا بدون هوية، لكنني كنت عراقياً بما يكفي لترحيلي".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard