"عندما كنت في السادسة من عُمري، ويسألني الناس: ماذا ستصبحين عندما تكبرين؟ كنت أردّ مديرة في شركة" تقول هيام، ومقارنة بما تشعر به الآن من خيبة أمل، ومسؤوليات كبيرة على كاهلها، وعدم العثور على عمل لائق، تشعر بأنّ "سحابة سوداء حجبت نور الأمل الذي كان يملؤ القلب لتهدم جميع الأحلام التي بنيتها منذ وطأت أقدامي المدرسة ".
تحكي هيام، شابة جزائرية (28 عاماً) ذات بشرة سمراء، تسكن في الرعاية، مدينة ساحلية تقع أقصى شرق الجزائر العاصمة، لرصيف22 وهي على متن القطار، متجهة نحو مدينة الدار البيضاء والتي تبعد 16 كلم عن العاصمة، للبحث عن وظيفة، تقول إنها حاصلة على شهادة الليسانس، تخصص تسيير الموارد البشرية، تخرّجت منذ عام تقريباً، لكن كل محاولاتها للحصول على عمل فشلت، رغم أنَّ التخصص الذي درسته مطلوب بقوة من طرف المؤسسات سواء العامَّة أو الخاصَّة.
"عالة على والدي وأفكر في الارتباط"
بدت هيام وهي تتحدث معي متعبة نفسياً، ومرهقة جسدياً، رغم أنّ الابتسامة لم تفارق وجهها، تروي ذكرياتها النفسية في مرحلة الجامعة: "تخرّجي كان أسعد شيء حصل في حياتي، كنتُ متلهّفة للحصول على عمل بعد سنوات طويلة من الكدّ والجدّ، فاجتهدت، ودرست بصبر وتفان لسنوات طويلة، على أمل أن أحصد ما زرعته، لكن للأسف اصطدمت بواقع مرير، وأدركت أن الشهادة العلمية لا تنفع بشيء، وضاعت بذلك كل طموحاتي".
وتقول هُيام إنها تفكر في المعالجة النفسية بسبب "الإحباط المدمر" الذي ينتابها، خاصة وأنها لم تحقق شيئاً من أمنياتها، كاقتناء سيارة وشراء مجوهرات.
توقفت هُيام عن الكلام لبرهة لمسح العرق الذي كان يتصبب على وجهها، وتابعت: "أصبحت أحس أنني عالة على والدي المتقاعد الذي يُعاني من ظروف مادية صعبة، فإخوتي الصغار لم يغادروا بعد مقاعد المدرسة".
"أصبحت أحس أنني عالة على والدي المتقاعد الذي يُعاني من ظروف مادية صعبة، فإخوتي الصغار لم يغادروا بعد مقاعد المدرسة، أفكر في المعالجة النفسية بسبب الإحباط المدمر"
"الحكومة فرضت حصارا على عملية التوظيف في الجزائر بسبب الضائقة المالية، وتراجعت قطاعات كثيرة بسبب الركود"
تكمل هُيام: "اليوم أدركت لماذا يحلم شباب وفتيات الجزائر بالهجرة غير الشرعية في قوارب الموت، وينتظر قطاع منهم تلك اللحظة بفارغ الصبر، رغم أنها رحلة محفوفة بالمخاطر، ولماذا قرر البعض الآخر منافسة آخرين ممن لم يكملوا تعليمهم الجامعي في الشارع لبيع الخضر والفواكه ومواد أخرى".
"أفكر في الارتباط للتخلص من اليأس، ونظرة المجتمع القاسية".
وتتابع هيام حديثها بصوت خافت جداً، ونحن على متن قطار مزدحم بشباب وفتيات من عمرها، كلهم متجهون إلى الجامعة، يتسامرون وعيونهم مفعمة بالأمل: "هناك دكاترة بطالين، حيث أنني صادفت العديد من حاملي شهادة الدكتوراة بسبب التقليل من فتح مناصب في مسابقات الوظيف في السنوات الأخيرة، نظراً لسياسة التقشف التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة منذ سنة 2014".
وختمت هيام حديثها بالقول إنها تفكر في الارتباط للتخلص من اليأس الذي ينتابها، "إضافة إلى نظرة المجتمع القاسية تجاه الفتيات في مثل سني، زيادة على هذا سوء الظن، فالمجتمع الجزائري لا يزال مجتمعاً محافظاً، والفتاة لازالت أسيرة الأقاويل والتساؤلات وهو ما يؤثر عليها وعلى أسرتها بشكل كبير".
"أوفر حاجياتي ولا أحلم"
الساعة تشير إلى العاشرة والنصف صباحاً، الشمس تلقي بظلالها على معالم منطقة "قهوة شرقي" المزدحمة بالسكان في العاصمة الجزائر، اتجهت نحو إحدى الجمعيات الناشطة في مجال صناعة الحلويات لتغطية، صادفت هاجر (24 سنة) شابة جزائرية، خريجة المدرسة العُليا للأساتذة بالقبة، شرق الجزائر العاصمة، تقول لرصيف22: "تخرجت منذ ثلاث سنوات، أنا أستاذة في التعليم الابتدائي، اشتغلت لبضع أشهر كمستخلفة، وبعدها توقفت عن العمل بسبب عدم توفر مناصب عمل دائمة، وأنا أشتغل حالياً كسكرتيرة لدى هذه الجمعية رغم أنه ليس من اختصاصي، لتوفير حاجياتي الخاصة ".
وتتابع هاجر: "أنا أبحث حالياً عن عمل كأستاذة في إحدى المدارس الخاصة لأنه من الصعب جداً الظفر بمنصب عمل في المدارس الحكومية ".
وتروي هاجر مُعانتها مع كابوس البطالة: "شهادتي مغلقة على وظيفة التعليم، ولا أستطيع العمل في مجال آخر سوى العمل كسكرتيرة أو بائعة في أحد المراكز التجارية أو المحلات مقابل أجر زهيد لا يغطي حاجياتي الضرورية ".
وتقول هاجر: " تجرّعت مرارة المكوث في البيت بعد أن دخلت رحلة بحث طويلة أرهقتني نفسياً وجسدياً، عن عمل يلائم تخصصي"، وتصف وضعها بـ"المحزن" لأنها بذلت مجهوداً كبيرة كي "تحقق جزءا من أحلامها وطموحاتها".
وتضيف: "لم يعد يهمني شيء سوى توفير حاجياتي الضرورية، فلم أعد أحلم بالسيارة وتأدية مناسك العمرة ولا حتى اقتناء ملابس لائقة ومجوهرات ".
"لم يعد يهمني شيء سوى توفير حاجياتي الضرورية، فلم أعد أحلم".
تعلّق حكيمة، رئيسة جمعية الوفاق لترقية المرأة، في تصريح لرصيف22، إن جمعيتها تضم العشرات من الفتيات المتخرجات من الجامعات، وحاصلات على شهادات مختلفة خاصة "الليسانس والماستر" إلا أنّ البطالة دفعتهن لاختراق عالم صناعة الحلويات والخياطة، لجمع مال يكفيهن لسد حاجياتهن الشخصية وعدم الإحساس بالضعف، بعضهن محاميات ومعلمات في التعليم الابتدائي والمتوسط، وتتابع حكيمة، أن هذه الحرف ساهمت بشكل كبير في مُحاربة ظاهرة البطالة، خاصة وأن غالبية الجزائريين باتوا يتوجهون للصناعة المنزلية من طعام وحلويات وحتى مستلزمات يدوية، وتعتمد الكثير من الفتيات في البداية على مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف منصاتها للتسويق لحلوياتهن، ففي البداية يستحدثن صفحات خاصة على موقع " أنستغرام" و "تويتر" و"الفايسبوك"، وتضيف حكيمة، أن هدفهن هو الخروج من طوابير البطالة التي لا تعد ولا تحصى.
"الحكومة تحاصر التوظيف"
بحسب الجهاز المركزي للإحصاء في الجزائر فإن معدل البطالة عند النساء انتقلت من 19.5% في أبريل 2018 إلى 19.4% في سبتمبر 2018.
وبلغ معدل البطالة بالجزائر 11.7% في سبتمبر مقابل 11.1% في أبريل 2018، لكنها بقيت مستقرة مقارنة بسبتمبر 2017 (11.7% أيضاً).
وأرجع الخبير الاقتصادي كمال سي محمد، أسباب انتشار البطالة في تصريح لرصيف22، إلى "الحصار الذي فرضته الحكومة على عملية التوظيف بسبب الضائقة المالية التي تمرّ بها البلاد"، وأيضاً إلى "تراجع الكثير من القطاعات بسبب الركود، ما زاد من حدة البطالة".
إضافة إلى ذلك، يشير سي محمد إلى ارتفاع البطالة وسط خريجي الجامعة، مما ساهم ساهم في اختلال بين العرض والطلب، ودفعه إلى التشكك في أرقام الديوان الوطني للإحصاء بخصوص مليون و 200 ألف عاطل عن العمل، مشدّدا على أنها "أرقام مسيّسة ولا علاقة لها بالواقع".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون