شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
المجالس القومية في مصر... رقابة على السلطة أم على المواطنين؟

المجالس القومية في مصر... رقابة على السلطة أم على المواطنين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 17 سبتمبر 201904:25 م
Read in English:

National Councils in Egypt: Regulatory Bodies on Institutions or Citizens?

يُعتبر وجود مجالس قومية ومجالس عُليا في مصر أمراً ملتبساً ومثيراً للتساؤل، فهذه الجهات المفترض فيها الاستقلالية عن السلطة، بموجب تأسيسها ككياناتٍ اعتبارية غير حكومية، تعتبر ذراعاً إضافية للممارسات القمعية التي تقودها السلطة المصرية. فبدلاً من أن تقوم المجالس بدور الرقيب على السلطة، تقوم بدور الرقيب على المواطنين/ات، وتعلن موالاتها للسلطة خفيةً وعلانيةً. تتحوّل تلك المجالس إلى سلطةٍ مجتمعيةٍ على المجتمع نفسه، بحيث يكون مُنتقدو الدولة ومُعارضوها، إما خارج حسابها، أو في بؤرة لوائحها الانضباطية.

أُدلّل على فرضيتي في هذا النصِّ، بمثالٍ حي تتضافر فيه جهود "المجلس القومي للمرأة" و"المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام"، في تحقيق أقصى استفادةٍ من الرأي العام لتثبيت قدم السلطة.

أصدر "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام" في مصر قراراً بمنع ظهور المذيعة "ريهام سعيد" في أيّ وسيلة إعلامٍ مرئيةٍ أو مسموعة لمدة عام. جاء القرار بعد شكوى تقدم بها "المجلس القومي للمرأة" تتهمها بالإساءة إلى نساء مصر، على خلفية ضجةٍ أثارتها الأخيرة بعباراتٍ عن الوزن والصحة –آب/ أغسطس 2019. يعتبر الكثيرون منّا الخبر انتصاراً للنساء، لكننا بحاجة إلى تفنيد بعض الأمور الهامة قبل استنتاج أن "القومي للمرأة والأعلى للإعلام" ينتصران للنساء وللحريات المدنية.

لماذا ريهام سعيد، وليس منّة جُبران وأمل فتحي وملك الكاشف؟

ليس لأنها تفتقر إلى المهنية واللياقة، ولا لتسبّبها في واحدةٍ من أشهر وقائع انتهاك الخصوصية وتبرير العنف الجنسي والتسبب في انتقام المتحرّش من الشاكية: قصة فتاة المول. أُرجّح أن السبب هو الزخم والغضب الذي تسببت به كلماتها المُسيئة عن الوزن. هي اللحظة والواقعة التي تعتبر مثالية للتدخل من قبل "القومي للمرأة" لتقديم نفسه ككيانٍ مُدافعٍ عن النساء، والظهور على الساحة في ثوب البطولة. لو خرجنا من بؤرة الحدث والشكوى لدقائق قليلة، لرأينا التناقض فيما يدّعيه "القومي للمرأة"، وبين ما يفعله.

لنأخذ مثالاً على ذلك ما واجهته شابةٌ مصرية من عنفٍ وتنمّر واسعي النطاق على الإنترنت، وفصلٍ تعسفي من العمل، لأنها صوّرت متحرّشاً بهاتفها ونشرت الفيديو على فيسبوك، ما يُعرف بوسم #متحرّش_التجمع، أو واقعة "أون ذا رن"- أغسطس 2018. نقلاً عن مواقع محلية، انتقدت رئيسة "القومي للمرأة" رفض الشابة تحرير محضرٍ رسمي، كما لو أن دعمها مشروط بتحرير المحضر واتخاذ إجراء قانوني بغير رغبتها، أو أن تلك هي الطريقة الوحيدة لمساندتها.

في أمثلةٍ أكثر وضوحاً تجاه سياسات "القومي للمرأة" ككيانٍ موالٍ للسلطات المصرية، تأتي واقعة الناشطة "أمل فتحي" التي تمَّ اعتقالها لأكثر من مائتي يوم، بتهمة الإساءة لمصر ونشر أخبارٍ كاذبةٍ تهدد الأمن القومي، لنشرها فيديو على فيسبوك تسرد فيه تعرّضها لواقعة تحرّش جنسي، حسب فرونت لاين ديفيندرز والمفوضية المصرية للحقوق والحريّات. لم يتحرّك "القومي للمرأة" لمناصرتها، ولم يتقدّم بشكاوى ضد النيابة التي وجّهت لها هذه التُهم، وتجاهل الواقعة.

لا يمكنني الوثوق في أن "القومي للمرأة" و"الأعلى للإعلام" يناصرونني كامرأة، أو كمواطنة، وهم يتغاضون عن انتهاكات الدولة لحقوقي المدنية

تأتي قصة "ملك الكاشف"، الناشطة المصرية العابرة جنسياً، لترفع جزءاً آخر من الستار. اعتُقلت "ملك الكاشف" بعد تظاهرها ضدَّ فساد هيئة سكك حديد مصر المتسبّب في واقعة انفجار قطار محطة رمسيس. أُودعت الحبس الانفرادي بمجمع سجون طرة للرجال، رغم تعارض ذلك مع نوعها الاجتماعي. لم يتحرّك "القومي للمرأة" ولم يُدن احتجازها بسجن الرجال، ولم يتدخل من الأساس في قضيتها التي تشابهت مع "أمل فتحي" في كون الناشطتين تنتقدان سياسات الدولة وأجهزتها التنفيذية علناً.

من هنا يأتي القفز في نوايا "القومي للمرأة" ككيانٍ يُفترض استقلاله عن السلطة، لكنه يدعمها. عبّرت رئيسة المجلس القومي للمرأة عن شكرها للرئيس السيسي، ووصفته بالمدافع الأول عن النساء، مُتغاضيةً عن انتهاكاته السابقة والتي لم يعتذر عنها حتى الآن، كإشرافه على خضوع متظاهرات مصريات إلى فحوص عذريةٍ إجبارية، في مارس 2011، الذي أدانته فيه منظمة العفو الدولية "أمنستي".

الإعلام المصري تحت السيطرة

أمّا عن الجهة التي تقدَّمَ لها "القومي للمرأة" بالشكوى ضد "ريهام سعيد"، فهي أيضاً موالية للسلطة المصرية رغم افتراض استقلالها، وتُعرف بـ "المجلس الأعلى للإعلام"، وهي هيئة اعتبارية تُنظّم الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، تأسست في أبريل 2017.

في تقريرها لمؤسسة حرية الفكر والتعبير، تُفسّر الباحثة المصرية ماريان سيدهم، وقوع "الأعلى للإعلام" في قبضة السلطة التنفيذية، حيث يتم تعيين رئيسه بواسطة رئيس الجمهورية، وتتطابق دوراته مع دورات انتخابات الرئاسة والبرلمان، مروراً بصلاحياته الواسعة كجهةٍ منظمةٍ للإعلام ومانحةٍ للتصاريح، ووصولاً للدعم الصريح للرئيس السيسي وتشويه مُعارضيه.

في أغسطس 2018، تم التصديق على قانون "مكافحة جرائم تقنية المعلومات" 175 لسنة 2018، وقانون "تنظيم الصحافة والإعلام" 180 لسنة 2018، اللذين يعطيان صلاحياتٍ واسعةٍ "للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام"، منها عقوبات بالغرامة والحبس، وحجب المواقع الإلكترونية، والتي طالت أكثر من خمسمائة موقع إنترنت منذ مايو 2017 حتى اليوم، وخضوع أي حساب شخصي لديه أكثر من 5000 متابع لأحكام القانونين واعتباره جهةً إعلامية. بموجب أحكام القوانين المذكورة، تم القبض على مواطنين، والانقضاض على حق آخرين في المعرفة بحجب مواقع الويب، وتجريم العمل المدني الرقمي.

ما يعنيه هذا أننا تحت سلطةٍ مباشرة لما تعتبره الدولة "مُسيئاً"، ولما تصنفه الدولة "خطراً أمنياً". قادتنا الصدفة إلى الاتفاق على أن كلام "ريهام سعيد" مُسيء، وهذا لا يجعلنا على وفاق مع كيانٍ سلطوي مُنتهكٍ لحقوقنا كمواطنين مثل "الأعلى للإعلام".

عبّرت رئيسة المجلس القومي للمرأة عن شكرها للرئيس السيسي، ووصفته بالمدافع الأول عن النساء، مُتغاضيةً عن انتهاكاته السابقة والتي لم يعتذر عنها، كإشرافه على خضوع متظاهرات مصريات إلى فحوص عذريةٍ إجبارية

لا يمكنني الوثوق في عدالةٍ مُزيفة تستغل قضايا النساء في غسل أيادي النظام من التضييق الأمني والسياسي، وتجريم العمل المدني والحقوقي، ليظهر بمظهر الداعم والمُساند

ثقة معدومة في عدالة النظام السياسي

لا يُمكنني الوثوق بعدالةٍ تقوم على تنفيذها جهاتٌ موالية للسلطة وداعمة لانتهاكاتها، لا يمكنني الوثوق في أن "القومي للمرأة" و"الأعلى للإعلام" يناصرونني كامرأة، أو كمواطنة، وهم يتغاضون عن انتهاكات الدولة لحقوقي المدنية، أثناء وقوعي تحت وطأة أحكام قوانين تجعل من معارضتي للسلطة تهمةً سياسيةً وجنائية.

لا يمكنني الوثوق في أن أحدهم يُساندني طالما أفعل ما يروق السلطة، لا يمكنني الوثوق في عدالةٍ مُزيفة تستغل قضايا النساء في غسل أيادي النظام من التضييق الأمني والسياسي، وتجريم العمل المدني والحقوقي، ليظهر بمظهر الداعم والمُساند. لا يُمكنني الوقوف في صف مؤيدي الدولة، وأذرعتها التنفيذية وأدوات قمعها، لمجرّد أني أكره خطاب "ريهام سعيد".

على الدولة ومؤيديها إدراك أن المواطنة والحقوق المدنية أمران متصلان، وأن كلمات "ريهام سعيد" مؤذية، كما يؤذي الاعتقال، كما يؤذي الحجب، وكما يؤذي الخوف من السجن.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image