أثار شغفي لزيارة أهرامات "سْنِفرو" بمنطقة آثار "دهشور" بوستٌ عابر على فيسبوك جعلني أشتدّ تمسكاً بتجربة يوم بين أجدادي عظماء مصر القديمة، ورغم ترتيبي الجيّد لكل تفاصيل تحركات اليوم وإعدادي لجدول مُحكم استفيد من خلاله بكل دقائق اليوم، إلا أن هول المشهد والشعور الذي انتابني بمجرّد وصولي المكان جعلني أنسى تماماً ما خططت له لباقي اليوم، حتى أنني نسيتُ تماماً زيارة أعجوبة بحيرة الملك التي يُقال عنها إنها تجفّ بالصيف وتمتلئ بالمياه في الشتاء، وتحيطُ بها النباتات والطيورالنادرة، ولن أتذكرها إلا بعد ثلاثة أيام من الزيارة، فهل كانت عظمة المصريين مؤثرة إلى هذا الحد؟
كنت قد سمعتُ كثيراً عن بحار الرمال، لكنها كانت الأولى لي برؤيتها الأخاذة. في بداية الطريق تأخذكم صفوف من الأشجار الخضراء على الجانبين مع إشراقة شمس مصر الذهبية وسط امتداد الرمال التي تبدو وكأنها لامعة كحُلي امرأة جميلة. ثمّ تدور أعينكم لترى قمة هرم سنفرو الأحمر على امتداد بعيد من الناحية اليُسرى، ومن الجانب الأيمن مناطق خاصة بالجيش المصري ما يُعطي شعور بالأمان وسط تلك الصحراء التي بدت لنا وكأنها تُرحب بُنا منذ لحظة الوصول حتى غروب شمسها المتحولة إلى شُعلة حمراء تنغمس بين الرّمال في نهاية اليوم.
ومع انتهاء صفوف الأشجار تكتمل أمامكم رؤية الهرم الأحمر للملك سنفرو الذي يُعدّ الهرم الثالث في مصر من حيث الارتفاع بعد هرم ابنه خوفو وحفيده خفرع، لكنه الأقدم والأنجح بعد تجربة الهرم المائل، فتعدّى عمره السبعة آلاف عام.
ورغم أن الأشهر في العالم هي أهرامات الجيزة الثلاثة، إلا أن أهرامات مصر المُكتشفة حتى الآن تتعدّى الـ124 هرمًا، تبعاً لحديث وزير الآثار الأسبق زاهي حواس، وهناك العديد منها تحت الرّمال ومازالت لم تُكتشف حتى الأن.
ومع انتهاء صفوف الأشجار تكتمل أمامكم رؤية الهرم الأحمر للملك سنفرو الذي يُعدّ الهرم الثالث في مصر من حيث الارتفاع بعد هرم ابنه خوفو وحفيده خفرع، لكنه الأقدم والأنجح بعد تجربة الهرم المائل، فتعدّى عمره السبعة آلاف عام
وبدون أي مقدمات تأخذكم أرجلكم إلى مدخل الهرم دون أيّ تردد أو حتى لحظة تفكير، فتشعرون وكأن شيئاً ما يُناديكم لاكتشافه. تجدون المطلع مُمهداً جدّاً للوصول ومناسباً لجميع الأعمار، فجاورنا أثناء التسلق مجموعة من الكنديين كبار السنّ، ولم يكُن الأمر يُشكل أدنى صعوبة لهم، ورغم أن ارتفاع الهرم يصل إلى 104 أمتار، إلا أن مدخله لا يبتعد عن الأرض سوى حوالي 7 أمتار ما جعل التسلق مغامرة غير شاقة يملؤها الحماس.
وتبدأ خطواتكم بداخله وأنتم مُنحنو الظهور مع هدوء وسكينة تُزيد من انغماسكم بالمغامرة داخل نفق الوصول لمقبرة الملك سنفرو حاكم الأسرة الرابعة، وبمجرّد عبوركم النفق واتخاذ أجسامك وضعيتها الطبيعية من جديد، تجدون بداخلكم مشاعر خاصة يملؤها العظمة والفخر
ومن ثمّ تستريحون قليلاً قبل دخولكم المقبرة، ويبدو لكم المشهد أكثر جمالاً من أعلى، فترون جميع التفاصيل التي تكسوها رمال الصحراء، على مرمى البصر يقع هرم سقارة المُدرج. ثمّ تجدون الهرم الأسود للملك أمنمحات الثالث على الجانب الأيمن، وسُمي بالأسود لأحجاره السوداء من الطوب اللبن أو الطمي الذي كان يستخدمه المصريون القدماء في تلك الحقبة، لتكتمل أمامكم عظمة المشهد الذي يُشبه بداية أفلام السينما. فيبدو مدخل الهرم وكأنه بوابة للزمن تنقلك عبر الماضي، فتنظرون لها بحماس اكتشاف الغموض وأنتم تتساءلون ماذا بعد تلك البهو الذي لا نرى آخره؟
وتبدأ خطواتكم بداخله وأنتم مُنحنو الظهور مع هدوء وسكينة تُزيد من انغماسكم بالمغامرة داخل نفق الوصول لمقبرة الملك سنفرو حاكم الأسرة الرابعة، وبمجرّد عبوركم النفق واتخاذ أجسامك وضعيتها الطبيعية من جديد، تجدون بداخلكم مشاعر خاصة يملؤها العظمة والفخر، مع بعض من الرهبة الممتزجة بنشوة الوصول إلى غايتكم، وتبلغ تلك المشاعر غايتها عند صعودكم السلالام الخشبية داخل المقبرة، ومنها إلى تجويف حجريّ كبير يتحوّل فيه همس كلامكم إلى أصوات عالية تتأرجح بجميع أنحاء المكان.
عظمة ترويها الجدران
من هنا تبدأ بدواخلكم تساؤلات لا حصر لها؛ هل كان هُنا أشخاص منذ آلالاف السنين؟ هل كان هُنا من بدأ العالم بعدهم؟ هل دخلت تلك المكان جُثةٌ مُحنطة ظلت باقية حتى عصرنا هذا؟ ومرّ من هُنا ملايين الأشخاص من جميع بقاع الأرض لرؤية تلك العظمة؟ وها أنا ذا ألمس بيدي بروز أحجار مرّ عليها هذا الكمّ من الأحداث! كلّ ما أعلمه هو أنني ألمس مرور الزمن وأراه وأشعر به.
جدران الهرم من الداخل بأشكالها الهندسية عند أعلى رؤوسكم تُشبه تدرجات هرم سقارة وهو مُنقلب. وأكثر ما يُثير الفضول عن تلك الحقبة هو طريقة تصميم الأحجار بهذا الثقل والتصاقها ببعضها دون أي فرغات.
لفت انتباهي أيضاً بعض الأصباغ الحمراء على جدران الهرم من الداخل، ولكن بعد خروجي من نفس النفق المُنير الآمن، قال لي حارس مدخل المقبرة بأن تلك العلامات الحمراء ترجع لدخول "الوطاويط" قديماً للهرم، لذا يُطلق عليه البعض هرم الوطواط.
ولكنني كُنت أتسائل مُنذ وصولي المكانَ: لماذا سُمّي هذا المكان بالهرم الأحمر؟ فهو لم يبدُ لي كذلك. حتى روى لي أحد العاملين بالمكان بأن أحجاره تميل للحُمرة في الشتاء بعد سقوط الأمطار مباشرة. وبحسب رواية آخرين أنه أخذ ذلك الاسم نظراً لطبقة الصدأ الأحمر التي تكسو أحجاره، ولكن بالنسبة لي أدركتُ تسميته بالأحمر بعدما رأيت الهرم المائل بصخوره البيضاء الفاتحة، فتفهمت الفرق بين تدرجاتها اللونية.
إن قررتم زيارة هذه الأهرامات فارتدوا ملابس قطنية ذات ألوان فاتحة لكي تعكس حرارة الشمس، مع نظارات شمسية، والكثير من الماء، وقليل من الطعام، ولا تنسوا ارتداء أحذية لا تُعيق حركتكم داخل السراديب
وهو لا يبعد عن الهرم المائل سوى حوالي كيلومتر فقط، فيجذبك مظهره المائل الذي يعطيه رونقه الخاص، رغم حدوث اختلاف في نسب بنائه وإحداث زاويتين، ميل الأولي كانت 54 درجة، حتى ارتفاع 49، والثانية 43 درجة حتى ارتفاع 52م. وهي كانت علامة مُميزة له جعلت منه الأكثر اختلافاً عن أهرامات مصر القديمة الأخرى، فبعض أجزائه مصقولة ناعمة، والبعض الآخر تُعبّر فيه أحجاره عن نفسها، كما يبلغ ارتفاعه 101م.
ثمّ تجدون له مدخلين؛ الأول من الناحية الشمالية بارتفاع 12 م، ويؤدي إلى ممرّ هابط بطول 79.5 متر، ومنها إلى صالة عرضية ذات سقف جمالوني (أي دعامات خشبية لسدّ الفراغات)، ومنها إلى ممرّ غير منتظم تؤدي الجهة اليمنى منه إلى المدخل الغربي للهرم. أما بالنسبة للجهة اليسري فتؤدي إلى غرفة الدفن غير مكتملة السقف ذات دعامات خشبية من خشب الأرز المستورد من لبنان.
وبينما كان نفق دخول الهرم الأحمر مُيسراً تماماً للدخول، كان المائل أصعب بكثير، فيبلغ طول النفق 80 متراً، تمرّون به هو الآخر وأنتم مُنحنو الظهور، ولكن في مدخل أقل اتساعاً من السابق، فيُحذركم حراس المدخل بصعوبة التجربة قبل بدايتها، لأنها ستُصاحب أقدامكم لمدة يومين بعد التجربة.
وبحسب حديث وزير الآثار المصري الدكتور خالد العناني أثناء الافتتاح بأنها المرّة الأولى التي يُفتح فيها الهرم المائل للزيارة مُنذ إنشائه، ومن ثم اكتشافه عام ١٩٦٥. كما أضاف أن جميع آثار منطقة دهشور مُسجلة على قائمة التراث العالمي باليونسكو كجزء من منف الأثرية.
وكما ذكرت بالأعلى دخول نفق الهرم المائل أصعب منه في الهرم الأحمر إلا أنه مُجهز جيداً لاستقبال الزوار، فهو الأكثر إنارة وحداثة بالنسبة إلى مدخله، والأجمل ألواناً بالنسبة إلى مظهره الداخلي. ثمّ تشعُرون بموجات هوائية مُنعشة تُنسيكم إجهاد الطريق للداخل. ستمرّون عبر ثلاث غرف تصعدونها بسلالم خشبية بيضاء اللون على عكس البُنية في الهرم الأحمر. ثمّ تبدأون بالخروج وبمجرّد رؤيتكم الشمس من جديد تشعُرون أن الحياة مازالت تحمل لكم الكثير من الأحداث التي لم تعيشوها بعد.
ومن هُناك أكملتُ الجولة لأصغر أهرامات دهشور حجماً، وهو يحمل شكل أحجار غير مُهندمة، مثلما اعتادنا عليها عند الأهرامات الأخرى، وكما علمتُ من العاملين بالمكان، إنه يحمل عدداً كبيراً من الروايات، فيقول البعض إنه لزوجة الملك، والبعض الآخر يتحدث بأنه لإحشائه، وغيرها من الروايات التي تُنسب إليه.
إن قررتم زيارة هذه الأهرامات فارتدوا ملابس قطنية ذات ألوان فاتحة لكي تعكس حرارة الشمس، مع نظارات شمسية، والكثير من الماء، وقليل من الطعام، ولا تنسوا ارتداء أحذية لا تُعيق حركتكم داخل السراديب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ اسبوعينمقال رائع فعلا وواقعي