شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"ماذا لو لمست قطتي المصحف"... عن أسئلة الأطفال والكهول الغريبة إلى دار الإفتاء في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 14 سبتمبر 201904:37 م

الحيرة الدينية ليست حكراً على الشباب والكهول، ففي مصر أطفال ومراهقون يتصلون بدار الإفتاء لتوجيه أسئلة دينية بعضها من طلاب المدارس تتساءل عن شرعية تعلم الموسيقى والعزف على الآلات الموسيقية، هل هو حرام أم حلال؟ هل الدروس الخصوصية حلال؟ ما حكم سب الدين لأهلي؟ هذه الحيرة تمتد لتشمل فئات عمرية مختلفة حاملة أسئلة أخرى كالاستفسار عن شرعية فك شفرات قناة الجزيرة الرياضية.

أسئلة “المؤمنين" الكثيرة جعلت دار الإفتاء تصدر مليون فتوى حسب أرقام رسمية، لكن ماذا يقول أساتذة علم الاجتماع عن ظاهرة: "إدمان الفتاوى؟” إن صح التعبير.

"أثناء جلوسي لقراءة القرآن تقترب مني قطتي وأحياناً تلمس المصحف، فهل هذا حرام شرعاً؟"، سؤال وجهه أحد المصريين للشيخ أحمد وسام أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال بث مباشر قامت به صفحة الدار على موقع فيسبوك قبل فترة، لتلقّي أسئلة الناس الدينية. بدا على ملامح أمين الفتوى الاستغراب من السؤال، لكنه رد عليه بقوله إن "لمس القطة للمصحف ليس حراماً، وإن كان الأفضل إبعادها عنه حتى لا تمزق الصفحات بأظافرها وتلحق الضرر بكتاب الله".




السؤال السابق نموذج من أسئلة عدة تتلقاها دار الإفتاء بشكل يومي ويعتبرها البعض غريبة لا داعي لطرحها من الأساس.

أنشئت دار الإفتاء المصرية في العام 1895 لتكون المرجعية الأساسية للفتوى في مصر والبلدان الإسلامية، ويتخطى عدد الفتاوى التي تصدرها سنوياً عشرات الآلاف، وفي العام الماضي، أعلنت الدار أنها أصدرت "أكثر من مليون فتوى تعالج جميع مناحي الحياة وتجيب عن تساؤلات المسلمين في كل مكان".

يقول عويضة عثمان أمين الفتوى في الدار لرصيف22 إن دار الإفتاء ترحب بأسئلة جميع المصريين الدينية، حتى الغريب منها، وهي تتلقى شهرياً آلاف الأسئلة من جميع الأعمار.

ويكشف عثمان عن أن هناك أطفالاً ومراهقين يتواصلون مع الدار أيضاً طارحين أسئلة دينية تسبب لهم بعض الحيرة، أشهرها هو سؤال متكرر من طلاب المدارس عن تعلم الموسيقى عن طريق الآلات الموسيقية، في المدرسة، وهل هو حرام أم حلال.

وبحسب عثمان، فإن رد الدار دائماً على هذا السؤال هو أن الموسيقى ليست حراماً، ولا توجد موانع شرعية بشأن تعليم الأطفال في المدارس الموسيقى خاصة "إذا كانت تصاحبها أناشيد وطنية أو دينية أو أغانٍ بكلمات طيبة تساهم في ترسيخ بعض العادات الحسنة ونزع بعض العادات السيئة"، مضيفاً أن الآلات الموسيقية يمكن أن تساعد الأطفال على سرعة الحفظ، لأنها تمتعهم.

ووفق عثمان، فإن أسئلة المصريين المستمرة للدار تعبر عن مجتمع "يشكل الدين جزءاً كبيراً من شخصيته".

موسم فتاوى المدارس

ويقول مصدر من الخط الساخن لدار الإفتاء المصرية لرصيف22 إن من أغرب الأسئلة التي تتلقاها الدار بشكل مستمر هو من شبان وكبار يتعلق بفك شفرات قنوات الجزيرة الرياضية بدلاً من الاشتراك فيها، بسبب عدم قدرتهم المادية على دفع الاشتراك الشهري لشبكة القنوات. المستغرب أن الدار ترد على هذا السؤال بأن فك الشفرات حلال، مبررة ذلك بأن المصريين في حل من أي نص قانوني أو اتفاق مع قنوات الجزيرة الرياضية، لأنهم لم يكونوا طرفاً في هذا الاتفاق الذي يربط بين الفضائيات بعضها ببعض.

يضيف المصدر أن أغرب سؤال تتلقاه الدار يطرحه مراهقون، وهو: ما حكم سب الدين لأهلي؟ وكانت الدار قد بثت مقطعاً قالت فيه أن من يسب الدين لأهله "نهاره أسود من قرن الخروب"، بحسب تعبير الشيخ الذي أجاب عن السؤال.




يتابع المصدر أن هذا الموسم هو موسم أسئلة المصريين المتعلقة بالمدارس، مؤكداً أن هناك مئات الأسئلة التي تأتي يومياً للخط الساخن، وجميعها يتعلق بالدراسة، مضيفاً أن هناك طلاب مدارس يتصلون بأنفسهم ويطرحون أسئلة من خلال الخط الساخن، وأحياناً تتصل أمهات ويقلن إن لدى ابنائهن الطلاب أسئلة تحيرهم.

"اتصال صغار السن بدار الإفتاء للحصول على فتوى هو كارثة، إذ يعبر عن جيل جديد ورث من أهله الحيرة الدينية، والسبب في هذا هو مستوى التعليم الفاشل" تقول باحثة في علم الاجتماع لرصيف22. لماذا يبحث الأطفال عن فتاوى؟ وعمَّ يتساءلون؟
"أغرب الأسئلة التي تتلقاها الإفتاء بشكل مستمر هو من شبان وكبار يتعلق بفك شفرات قنوات الجزيرة الرياضية بدلاً من الاشتراك فيها، بسبب عدم قدرتهم المادية على دفع الاشتراك الشهري" يقول مصدر من الخط الساخن لدار الإفتاء المصرية لرصيف22… لكن كيف ردت الإفتاء؟

ويوم 8 أيلول/سبتمبر، بثت دار الإفتاء فيديو مباشراً، قالت فيه إنها تتلقى سؤالاً متكرراً عن الحكم الشرعي في الدروس الخصوصية.

وتنتشر في مصر الدروس الخصوصية بين طلاب المدارس بدرجة كبيرة، وبرغم أن وزارة التربية والتعليم المصرية تحارب هذا الأمر وتحذر المدرسين من إعطاء دروس فإن جميع الطلاب تقريباً يحضرونها.

وبرغم أن القانون المصري يجرم الدروس الخصوصية، فإن الدار وجهت رسالة للمدرسين، خلاصتها: "إذا كان الأولاد فى حاجة إلى دروس خصوصية وأولياء الأمور يطلبون منكم ذلك، فلا مانع من إعطائهم، ولكن يجب أن تؤدوا عملكم بأمانة وإخلاص ولا يكون هناك استغلال أو محاباة لبعض الطلاب ولا تمييز فى المعاملة بين التلاميذ".

ووفق الخط الساخن لدار الإفتاء فإن هناك سؤالاً آخر يتردد كثيراً من المعلمين، يتعلق بضرب التلاميذ في المدارس وهل يتعارض مع الشرع أم لا، ويؤكد الخط الساخن أن الإجابة عن هذا السؤال هي أنه لا يجوز للمعلم ضرب التلاميذ، ولكن يجوز له تهديدهم بعقوبات أخرى إذا قصروا في واجباتهم.

المصريون شعب الله "المحتار"

وترى شيماء الجمال الباحثة في علم الاجتماع أن سعي المصريين المستمر لطرح أسئلة على دار الإفتاء هو أمر يعبر بدرجة كبيرة عن شعب "محتار" بحسب تعبيرها، مضيفةً أن أغلب أمور الحلال والحرام في الدين الإسلامي واضحة وبسيطة وسهلة ومنطقية.

وتقول إن الأزمة الحقيقية تكمن في أن المصريين في حيرة دائمة، فمن يسأل سؤالاً حول توافق فك شفرات قناة رياضية مع الشرع من عدمه، يعلم جيداً أن الأمر يتعارض مع القيم والأخلاق. لذلك طرح السؤال على مؤسسة دينية حكومية، حتى يصبح ضمير السائل مطمئناً.

وتتابع: "اتصال صغار السن بدار الإفتاء هو كارثة وليس إيجابياً، إذ يعبر عن جيل جديد ورث من أهله الحيرة الدينية، والسبب في هذا هو مستوى التعليم الفاشل، الذي يقتل التفكير النقدي لدى الأطفال والمراهقين، ويجعلهم نسخاً مشوهة تبحث عن إجابات جاهزة ومعلبة عن الأسئلة التي تدور في رؤوسهم".

وترى أن انتشار فكرة الفتاوى في مصر أمر رسخته وسائل الإعلام، خصوصاً القنوات الفضائية، التي وجدت أن المصريين يحتاجون لفتاوى، فأصبحت كل قناة تقدم أكثر من برنامج خاص بالفتاوى، لتلقي اتصالات المصريين، وهي غالباً اتصالات بأسعار كبيرة تحقق مكاسب لهذه القنوات.

وتضيف الجمال أن الدولة المصرية لم تحارب أمر الفتاوى لأنها كثيراً ما تستغله سياسياً، ولذلك أنشأت أخيراً أكشاك فتاوى في مترو أنفاق القاهرة، ووفرت خطاً ساخناً للفتاوى بدلاً من الاستثمار في التعليم الجيد والتثقيف وإتاحة فرص العمل للشباب وتنمية المجتمع.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image