شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
السرّ وراء الكاريزما... ما الذي يجعل بعض الأشخاص جذابين في عيوننا؟

السرّ وراء الكاريزما... ما الذي يجعل بعض الأشخاص جذابين في عيوننا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 12 سبتمبر 201906:29 م

في حال طلبنا من الناس ذكر اسم شخصٍ جذّاب بنظرهم، فإن الإجابات قد تكون قابلة للتنبؤ، فالبعض سيقول مثلاً هيفاء وهبي، والبعض الآخر سيأتي على ذهنه فوراً معتصم النهار أو تيم حسن أو يوسف الخال، وقد يعود بعضهم إلى أيام رشدي أباظة وعمر الشريف، فيما يفكر البعض في قادةٍ سياسيين مثل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله والرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر...

ولكن في حال طلبنا منهم تحديد السبب الذي دفعهم إلى ذكر هؤلاء الأشخاص بالتحديد كموضع إعجاب، فإنه ستصعب عليهم الإجابة، إذ أن تحديد الكاريزما ليس سهلاً على الإطلاق، فالحقيقة أننا قد ننجذب بشكلٍ غريزي إلى أشخاصٍ معينين أكثر من غيرهم، ولكن معرفة السبب الذي نحبهم لأجله هو شأن مختلف تماماً، كما أن الشخص الذي نراه جذاباً قد لا يكون كذلك في نظر الشخص الآخر.

في السابق، وصف الإغريق القدماء الكاريزما بأنها "نعمة من الرب"، وهو وصف مناسب إذا كنتم تعتقدون أن القدرة على نيل إعجاب الآخرين هي سمة وهبها الله بالفطرة للبعض دون البعض الآخر، ولكن في الحقيقة إن الكاريزما سلوك مكتسب ومهارة يمكن تعلمها وتطويرها مثل أي مهارةٍ أخرى، فصحيح أن بعض السمات، مثل الثروة أو المظهر الخارجي مرتبطة بكسب إعجاب الآخرين، ولكن أن نولد دون تلك السمات فهذا لا يمنعنا من أن نحظى بالكاريزما.

أصول الكاريزما

تعود أصول الكاريزما إلى رسائل بولس الرسول المكتوبة قبل 50 ميلادي، فبالنسبة إلى بولس إن الكاريزما هي "نعمة من الله" أو "هبة روحية"، متحدّثاً عن 9 عوامل تميّز الشخص الذي يتمتع بالكاريزما، مثل النبوءة، الشفاء، التعليم، الخدمة، وغيرها من العطايا العملية والخارقة للطبيعة، ومن بعدها بقي مفهوم الكاريزما غائباً لعدة قرون، حتى أعاده من جديد عالم الاجتماع الألماني ماكس ويبر في القرن العشرين.

وفي هذا الصدد، اعتبر موقع aeon أننا مدينون للعالم ويبر لأنه قدم لنا المعنى المعاصر لمصطلح "كاريزما"، بعد أن استند إلى فكرة بولس وعَلْمَنها ووضع الكاريزما في إطارٍ اجتماعي مرتبطٍ بالسلطة والقيادة.

فقد عرّف ويبر الكاريزما بأنها "صفة معيّنة لشخصية الفرد، والتي تجعل منه شخصاً مميزاً، وبناء عليها يُنظر إليه كشخص استثنائي، ويُتعامل معه كموهوب يتمتع بقدرات خارقة، أو تجعله بالتحديد، وعلى الأقل، شخصاً لديه قوى أو صفاتٍ استثنائية".

هذا وتتبع ماكس ويبر القادة الكارزماتيين عبر التاريخ في شخوص القادة العسكريين أو الشخصيات الدينية العظيمة، وأعرب عن أمله في أن تستمر القيادة الكارزماتية في الظهور حتى في عالم تحكمه البيروقراطية في العالم الحديث.

في العام 1920 توفي ويبر، ولم يعش ليرى تطبيق فكرته في السياسة والثقافة المعاصرة، وهذا أمر جيد بحيث أن هتلر كان أول من وُصف بتمتعه بالكاريزما إلى جانب موسوليني.

قوة مغناطيسية

تشير كلمة "كاريزما" إلى سمةٍ نادرةٍ موجودة لدى بعض البشر، فتمنحهم قوة مغناطيسية لجذب الآخرين، سواء كان ذلك من خلال مظهرهم، سلوكهم أو قدرتهم على التحدث مع الآخرين والإقناع. بمعنى آخر، فإنه غالباً ما يتم استخدام كلمة كاريزما لوصف القدرة الغريبة التي يتمتع بها البعضُ لجهة نيل إعجاب الناس والتأثير عليهم بسهولة.

وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة لتحديد مقاييس الكاريزما، والتي درسها الخبراء على مرِّ العصور لا يزال هناك الكثير من الأمور المجهولة، ومع ذلك فهناك حقيقتان لا يمكن تجاهلهما، وفق صحيفة نيويورك تايمز، الحقيقة الأولى هي أننا ننجذب إلى بعض الناس بشكلٍ خارقٍ للطبيعة، وخاصة لأولئك الذين نحبهم. ورغم أن هذا ليس هو الحال دائماً إلا أنه يمكننا بسهولة أن ننجذب أيضاً لأشخاص شريرين يحظون بالكاريزما، والحقيقة الثانية هي أننا لا نجيد معرفة السبب الحقيقي الذي يجعل هؤلاء الناس جذابين للغاية. فبمعزلٍ عن الأمور السطحية، مثل الابتسامة اللطيفة أو القدرة على سرد قصّةٍ جيدة، لا يستطيع سوى القليل منّا تحديد السبب الذي يجعل الأشخاص جذابين للغاية.

تشير كلمة "كاريزما" إلى سمةٍ نادرةٍ موجودة لدى بعض البشر، فتمنحهم قوة مغناطيسية لجذب الآخرين، سواء كان ذلك من خلال مظهرهم، سلوكهم أو قدرتهم على التحدث مع الآخرين 

ورجّحت الصحيفة أن تكون المسألة متعلقة بالتطور البيولوجي، فبصفتنا نوعاً بشرياً تؤدي المشاعر الغريزية الفطرية إلى أشياء نَصِفُها غالباً كمشاعر داخلية، هي في الواقع استجابة لا واعية لعشرات، أو ربما المئات، من الإشارات اللفظية وغير اللفظية التي نعالجها بشكلٍ غير مدرك في كل تفاعلٍ مع الآخرين. إنها مهارة ضرورية تتيح لجميع الثدييات تقييم نيّة الآخرين، من خلال إجراء فحصٍ مستمر لأشياء مثل لغة الجسد، وتيرة الكلام، والحركات الدقيقة التي قد تنمّ عن تهديد.

"مكوّنات" الكاريزما

بمعزل عن كونها سمةً سحريةً وغامضة لا يمكن تفسيرها، يمكن إسناد الكاريزما إلى مجموعةٍ من السلوكيات التي يمكن تعلّمها.

وقد قسّمت أوليفيا فوكس كابان، صاحبة كتاب The Charisma Myth، هذه السلوكيات إلى ثلاث فئات: الحضور، القوة والدفء، مشيرةً إلى أنه في حال تم دمج هذه المكوّنات ببراعة، فإنها تخلق شخصيةً قويةً وجذابةً للغاية.

الحضور: هل سبق وأن انخرطتم في محادثةٍ مع شخص ما غير أنكم لاحظتم أنكم أخفقتم في إثارة اهتمامه؟

يبدو أن الانخراط بشكلٍ كاملٍ في محادثة يمثل تحدياً دائماً بخاصة في عصرنا الحديث، لأن الإنسان بطبعه لديه نزعة نرجسية ويميل إلى التحدّث عن نفسه، كما أن الهواتف الذكية التي اجتاحت عالمنا زادت الأمور سوءاً، إذ بات الأفراد يحاولون تبديل انتباههم بين العالم الحقيقي الذي يعيشون فيه، وبين العالم الإلكتروني القائم على الرسائل والمحادثات عن بعد.

وعندما نفكر في الكاريزما غالباً ما نحاول إيجاد طرقٍ معيّنةٍ لجعل أنفسنا رائعين في عيون الآخرين، إلا أن سرّ الكاريزما يكمن في عدم الإفصاح عن صفاتنا الجيّدة بل جعل الآخر يشعر بالرضا عن نفسه، فالكاريزما الحقيقية تكون حين يشعر الطرف الآخر بأنه بات أفضل حالاً حين يكون برفقتنا، وذلك يكون عن طريق تركيز كل طاقاتنا الذهنية والعاطفية أثناء تفاعلنا مع الآخرين، فالمعادلة بسيطة: كونوا إيجابيين، إقمعوا "الأنا" في داخلكم وانتبهوا إلى كل كلمةٍ تخرج من فم الشخص الآخر، تماماً كما لو كنتم تشاهدون فيلماً أو تقرؤون كتاباً وتريدون التعرّف على أدق التفاصيل المتعلقة بالشخصية الرئيسية.

القوّة: إن الأشخاص الذين يتمتعون بالكاريزما هم أشخاص أقوياء، إلا أن هذا لا يعني أن يكونوا بالضرورة زعماء أو أصحاب شركات، فالقوة تكمن أحياناً في أكثر الطرق المتواضعة، وعليه توضّح كابان، أن القوة تعني ببساطة "القدرة على التأثير على العالم من حولنا، من خلال التأثير على الآخرين أو السيطرة عليهم"، بمعنى آخر، إن الشخص الذي يتمتع بالكاريزما قادر على جذب الناس إلى مداره مثل المغناطيس، والقوة هي التي تسهل عملية الجذب.

وإذا عدنا إلى أيام رجل الكهف، لوجدنا أن البقاء على قيد الحياة كان يعتمد على الحفاظ على علاقةٍ جيدةٍ مع الحيوانات الشرسة في قمة التسلسل الهرمي، وعلى الأشخاص الذين بوسعهم توفير الحماية والطعام، وبهدف البحث بشكلٍ أفضل عن هؤلاء الأشخاص تطورت الأدمغة البشرية لتواكب لغة الجسد وللتعرف على العلامات التي تعكس القوة، وبالفعل يمكن ملاحظة أنه منذ آلاف السنين لا يزال الأفراد ينجذبون بشكلٍ لا يصدق إلى الأشخاص الذين لديهم موارد معيّنة، أو أولئك الذين يعرفون كيفية الحصول على هذه الموارد.

الدفء: عندما ينبثق منكم نوع معيّن من الدفء فهذا يعني أنكم تتمتعون بالودّ واللطف والتعاطف، فيشعر الناس حينها بالراحة بالقرب منكم.

واللافت أن الدفء عبارة عن حاجة متأصلة في ذاكرتنا منذ أيام الطفولة، فهو الشعور الذي كان ينتابكم مثلاً حين كانت تقدم لكم والدتكم كوباً من مشروب الشوكولا الساخنة بعد عودتكم من رحلة تزلج، أو حين كانت تعطيكم الدواء أثناء مكوثكم في الفراش بسبب المرض، وهو الشعور الذي سيطر عليكم حين عانقكم والدكم بعد نجاحكم في المدرسة. صحيح أننا مع الوقت نكبر وتتغير أولوياتنا إلا أننا لا نملّ من البحث عن الشعور بالدفء.

ومن أجل إتقان هذه الركيزة، تقترح كابان تخيّل شخص تشعرون تجاهه بالدفء والحنان، ثم تركزون على أكثر ما تستمتعون به بشأن تواصلكم المشترك بينكم وبينه، وبحسب كابان فإن هذا يمكنه تغيير كيمياء الجسم في ثوانٍ.

باختصار إن الكاريزما هي مهارة يمكن العمل عليها وتطويرها، والأمر لا يتعلق بما نمتلكه بل بما يمكن تقديمه للآخرين، من خلال التركيز على بعض التفاصيل الصغيرة.

وفي هذا الصدد، تروي أوليفيا فوكس كابان من خلال مقطع فيديو قصة حصلت مع الأيقونة مارلين مونرو، والتي قامت في إحدى المرات باحضار مصوّر معها إلى محطة غراند سنترال في مدينة نيويورك، وبالرغم من ازدحام المكان، إلا أن أحداً من الناس لم يتمكن من التعرّف على النجمة الشهيرة، فركبت القطار بهدوء وتوجهت مع مصوّرها إلى المحطة الثانية من دون أن تلفت انتباه أحد.

الكاريزما هي مهارة يمكن العمل عليها وتطويرها، والأمر لا يتعلق بما نمتلكه بل بما يمكن تقديمه للآخرين، من خلال التركيز على بعض التفاصيل الصغيرة

وقد شرحت كابان النقطة التي حاولت مونرو إثباتها: "ما أرادت مونرو إظهاره أنه فقط، بقرارها الشخصي، قادرة على أن تكون إمّا الرائعة مارلين مونرو أو ببساطة نورما جين بايكر (اسمها الحقيقي)، ففي مترو الأنفاق كانت نورما جين بايكر أما عندما عادت إلى شوارع نيويورك المزدحمة، قررت أن تتحول من جديد إلى مارلين مونرو، فنظرت من حولها وسألت المصوّر: هل تريد رؤيتها؟ مارلين؟ وبعدها من دون إيماءات كبيرة، أسدلت شعرها ووقفت أمام عدسة الكاميرا، ومن خلال هذا التحوّل البسيط أصبحت فجأة كالمغناطيس، وكأن هناك هالة من السحر تحيط بها، فتوقف الوقت، أما الناس فقد أصابتهم الدهشة بعد أن تعرفوا فجأة على نجمةٍ تقف وسطهم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image