شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"اللوبي السعودي" في واشنطن ليس سوى محاكاة كاريكاتورية للوبي الإسرائيلي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 24 سبتمبر 201911:23 ص

لا يُخفى على المتابع لحرب اللوبيات في واشنطن أن ما يُسمّى اللوبي السعودي ليس سوى محاكاة كاريكاتورية للوبي الإسرائيلي (إيباك)، هذا إذا افترضنا أن هناك بالفعل شيئاً اسمه اللوبي السعودي. ويعود ذلك إلى فرقٍ جوهري بين الاثنين: العرب يخاطبون الرئيس، في حين تخاطب إيباك الرئيس والكونغرس معاً.

إيباك مؤسساتية وذات قاعدةٍ شعبيةٍ وانتخابيةٍ واسعة في الولايات الأمريكية الخمسين، أما عمل اللوبي السعودي فيكاد لا يتجاوز حجز جناحٍ رئاسي في برج ترامب، والتقاط الصور التذكارية مع صهره جيرد كوشنر.

ستيفن روزن، الرئيس التنفيذي السابق للمنظمة، تفاخر يوماً بأنه يمكنه أن يتناول منديلاً ورقياً عن أيّ طاولةٍ في مجلس الشيوخ، ويجعل العشرات من أعضاء المجلس يوقعون عليه دعماً لقضية أو أخرى. ليس في هذا الوصف مبالغة إذا تذكرنا أنّ عدداً لا يُستهان به من أعضاء مجلسي الكونغرس مدينون لإيباك بمناصبهم، وعلى رأسهم متش مكونيل، زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، الذي التقى بمسؤولين في إيباك عام 1984، بعد فوزه بشقّ الأنفس عن المرشح المدعوم من إيباك، الديمقراطي والتر هدلستون، وقال لهم: "دعوني أكون واضحاً جداً، ما الذي يمكنني القيام به للتأكد من أنني في المرة القادمة سوف أحصل على دعم المجتمع اليهودي؟"

 نفوذ إيباك لا يختلف في جوهره عن جماعات الضغط الأخرى في واشنطن، مثل لوبيات السلاح، البنوك، الدفاع، أو شركات الطاقة، غير أنّ قصة صعوده أشبه بدراما هوليوودية، حيث بدأت إيباك مع تسعة يهود في مدينةٍ صغيرةٍ بولاية تكساس

قصّة اللوبي السعودي في الولايات المتحدة أشبه بتراجيديا يونانية، من الصعود إلى الهبوط نحو العبث

كما يحضر حفلَ استقبال مؤتمر إيباك السنوي في واشنطن سياسيون وصناع قرار أكثر من أي حدثٍ آخر، ويشمل ذلك الرئيس الأمريكي، نائب الرئيس، وزعماء الحزبين الجمهوري والديمقراطي في مجلسي النواب والشيوخ.

نحن إذن أمام فرقٍ بنيوي بين مؤسسةٍ وأفراد. في حين تمتلك إيباك أكثر من مئة ألف عضو وشبكةٍ من نحو عشرين مكتباً إقليمياً ومجموعةً هائلةً من الجهات المانحة، يبدو أنّ اللوبي السعودي قد وضع كلّ رهاناته على حصاني ترامب وكوشنر. بعبارةٍ أخرى، تتعامل إيباك مع النظام الأمريكي بوصفه نظاماً ديمقراطياً تحكمه مؤسسات تنفيذية وتشريعية وقضائية، أما اللوبي السعودي فيتعامل مع النظام الأمريكي كأنه أوليغارشية تتكوّن من عائلة الرئيس وصهره وحاشيته. أو بعبارةٍ أكثر تشخيصاً، ينظر اللوبي السعودي إلى النظام الأمريكي كأنه صورة مرآتية لنفسه.

وبخلاف إيباك، يفتقر اللوبي السعودي إلى استراتيجية عملٍ واضحة. على سبيل المثال، في حين يتخبّط اللوبي السعودي بشأن كيفية إغداق الأموال على المسؤولين الأمريكيين دون انتهاك القانون الأمريكي (أو دون الاعتماد على تحويلاتٍ ماليةٍ مشبوهة من حسابات سعودية وإماراتية، لحساب سرّي لجيريد كوشنر في جزر كايمان)، فإنّ إيباك لا تجمع الأموال مباشرة، وبالتالي من الصعب تتبّع قيمة الأموال التي تُقدّم إلى المرشحين السياسيين في الولايات المتحدة.

كما تحظى مقترحات إيباك بدعم الحزبين في عملية صناعة القرار في واشنطن، بدءاً بقوانين الميزانية والدعم العسكري والمالي وضمان التفوّق النوعي لإسرائيل، مروراً بقوانين مكافحة حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) في مجلس الكونغرس، وصولاً إلى قرارات التصويت لصالح إسرائيل في الأمم المتحدة. في المقابل، يكفي النظر إلى حجم المعارضة للسعودية في مجلسي النواب والشيوخ كي ندرك كيف ينظر الكونغرس الأمريكي بحزبيه إلى السعودية وولي عهدها.

لعلّ نفوذ إيباك لا يختلف في جوهره عن جماعات الضغط الأخرى في واشنطن، مثل لوبيات السلاح، البنوك، الدفاع، أو شركات الطاقة، غير أنّ قصة صعوده أشبه بدراما هوليوودية. كان ذلك في بداية الستينيات من القرن الماضي، حيث بدأت إيباك مع تسعة يهود في مدينةٍ صغيرةٍ بولاية تكساس، ثم أخذت تتوسّع من خلال تشكيل مؤتمراتٍ حزبيةٍ في الكونغرس، حتى أصبحت اللوبي الأكبر نفوذاً في واشنطن بعد لوبي السلاح.

في المقابل، يبدو اللوبي السعودي كمن يريد أن ينجز في يومٍ واحدٍ ما استغرق إيباك خمسة عقود لإنجازه. في الواقع، قصّة اللوبي السعودي في الولايات المتحدة أشبه بتراجيديا يونانية، من الصعود إلى الهبوط نحو العبث. بدأ هذا اللوبي كحركةٍ مناهضةٍ لإسرائيل وصلت أوجها في خضم أزمة النفط عام 1973، حين قام أعضاء منظمة الدول العربية المصدّرة للبترول "أوبك" بإعلان حظرٍ نفطي لدفع الولايات المتحدة على إجبار إسرائيل للانسحاب من الأراضي العربية المحتلة عام 1967. بعد ذلك أخذ اللوبي السعودي يتخبّط ويتآمر على نفسه، حتى عاد دون قضية تربطه، وما أن طلعت إسرائيل بفزّاعة إيران، حتى باع فلسطين وهرول وارتمى في حضن إيباك.

هذا تماماً ما قصده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقوله "إنّ العرب معنا". ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، تفاخر قبل عام بأنّ "كوشنر في جيبي"، في حين كان من الأجدى به أن يخبرنا كيف أصبحت السعودية، في ليلةٍ وضحاها، في جيب إيباك، بل أكثر "إيبيكيةً" من إيباك نفسها؟

"تأيبكَ" اللوبي السعودي إيديولوجياً، غير أنه استراتيجياً، ليس أكثر من أجهزة صرفٍ آليةٍ تمشي على قدمين، حيث تترنّح صفقات السلاح السعودية بين الكونغرس والبيت الأبيض، في حين يتكفّل دافع الضرائب الأمريكي بسداد فاتورة الدعم العسكري لإسرائيل بما يتجاوز 40 مليار دولار خلال العقد القادم.

لا يزال أمام اللوبي السعودي الكثير لتعلمه في لعبة اللوبيات الأمريكية، حتى ذلك الحين، لا نملك سوى أن نترحّم على الملك السعودي الراحل عبد العزيز آل سعود، حين التقى بالرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت قبل أكثر من نصف قرن، على متن الطرّاد الأمريكي كوينسي في قلب البحيرة المُرة الكبرى في قناة السويس، وقال له دون تلكك أو "أيبكة": "إنّ العرب والصهيونية لن يتعاونوا أبداً، لا في فلسطين ولا في أيّ دولة أخرى".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image