شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
رسالة إلى كل فتاةٍ عربية... لأجل النجاة بحياتكِ، اهربي

رسالة إلى كل فتاةٍ عربية... لأجل النجاة بحياتكِ، اهربي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 12 سبتمبر 201903:22 م

عاجل وطارئ: رسالة إلى كل فتاةٍ عربية في بلدٍ عربي أو أجنبي الآن، اليوم، أو غداً.. لأجل النجاة بحياتكِ، لأجل حياتك.

هذا ليس بياناً ينعي ويبكي ويزعق في وجه القوانين والأحكام والأعراف، أو في وجه أي شيء متخلّف وظالم. كل هذا لن ينقذك من أنيابِ أخٍ أو أبٍ أو ابن عمّ مجرم، يشحذون سكاكينهم جيداً خلف الأبواب، منتظرين أول خطوة تخطينها لأجل حريتك وحياتك الخاصة حتى يفعلوا أي شيء للإجهاز عليكِ. هذه رسالتي لكِ، رسالة يؤلمني أنها لم تصل لإسراء غريب، ولكل امرأة قُتِلَت باسم "الشرف" اللعين.

اقرأيني قبل أن تثقي بأي شخص.

عاجل وطارئ: رسالة إلى كل فتاةٍ عربية في بلدٍ عربي أو أجنبي الآن، اليوم، أو غداً.. لأجل النجاة بحياتكِ، لأجل حياتك

لا تنتظري أحداً. لا تنتظري المحاكم العربية، أو جمعيات حقوق الإنسان، أو حقوق النساء، أو المنظمات الدولية، أو المؤسسات الإنسانية، الثقافية، غير الربحية... لا تنتظري قوانين تعطيكِ حقوقكِ التي ليس عليكِ أصلاً أن تنتظري من يعطيكِ إياها. خذيها بنفسك، بيديك، بأسنانك، بأظافركِ، بكل ما تملكين، بكل طاقتك وقدرتك، لأنك تستطيعين، ولأنّه عليكِ أن تهربي.

هذا بيانُ الهرب يا صديقتي.

بيانُ الهرب

الهرب

جهّزي جواز سفركِ، أنا لا أمزح! هذا أول ما تحتاجينه. ضعيه تحت مخدتك، في "عبّك"، في مكانٍ لا يمكن لأحدٍ العثور عليه. أو ضعيه عند من تثقين به، في كتابٍ أو حقيبة في مكان عملك، في أي مكان لا يصله الإنس ولا الجن. لا تثقي بهم، مهما كانوا طيبين ومحبيّن وأنقياء. لا يوجد نقاء في عرف مجتمعاتنا الرثة، لا يوجد وفاء في عروقهم النابضة بالغضب والتعصّب والتطرّف ومعاداة الحياة، حياتك بالتحديد.

أنا لستُ امرأة مليئة بالعقد تريد أن تعقّد حياتك وتزيدها بؤساً. أنا مثلكِ أيضاً، وكنت على بعد خطوات من أن أكون مثل إسراء، لولا هروبي ورحيلي من زمان. قصّتي لا تهمكِ الآن، سأرويها لكِ فيما بعد.

هل تخافين الهرب! هل تفضّلين المواجهة أو الاستسلام أو الثقة بهم. لا بأس، ثقي بهم كما شئتِ، لكن بعد أن تنجي بحياتك. لا يهم أيّ شيء بقدر سلامتك. تخافين المجتمع؟ أو تخافين من غضب أبيك وحزن أمك؟ لا بأس! هذا ما سيحدث بكل الأحوال. صدقيني، هم لا ينتظرون أن تخضعي لسلطتهم حتى يرأفوا بكِ. ستكونين مشغولة بتصديقهم والاستماع إلى كلماتهم الماكرة ولن تنتبهي إلى أنيابهم اللامعة كذئبٍ لا يرحم. أنتِ فريسة كل من لا يشبهك، كل من يراكِ عروساً لابنه، ابنة بارة، ابنة عمٍ خجولة. أنتِ في دواخلهم عارٌ على الحياة، وعلى المجتمع، وعلى البشرية!

لا، أنا لا أتجنّى على أحد. ألم يسموها هم "جريمة شرف"؟ ألم يربطوا "الشرف" بكلِ ما تفعلينه؟ بتنورتك القصيرة أو حتى الطويلة، بقلم كحلك العريض، بخلخالك، بضحكتك، بعطركِ، باختلاطك بالرجال، بحديثكِ، بعملكِ، بمشاويرك، بأحلامكِ حتى.

لستِ مدينةً لأحد بشيء، لستِ مدينة للدين، للمجتمع، للأعراف، للبلد، للأهل. ارحلي، وأكملي حبك لهم من بعيد، في بلادٍ لديها قانون يحمي المرأة، يحمي الإنسان ويصونه، بلادٍ لا تخشى نظرة المجتمع، ونظرة الجيران، ونظرة شيخ العشيرة، في بلادٍ يهمها فقط أن تكوني مواطنة جيدة، تحترم حريتك وحقوقك ولا تؤذيكِ لأنكِ تريدين أن تكوني أنتِ.

إسراء وغيرها قتلن لأنهن وثقن بأولئك القَتَلة، لأنهن خفن أن يرفعن أصواتهن أكثر، لأنهن لم يصدّقن أن الأذى والإجرام سيلحق بهن على أيدي أقرب الناس.

إسراء صرخت.

في المشفى سمعوا صراخها، وعبر الإنترنت، في تطبيقات الدردشة مع أقاربها وصديقاتها، لكن لم ينقذها أحد، لأنّ أحداً لا يبالي يا حبيبتي. ليس هناك من ينقذك، بل سيقول جهابذة العرب من مثقفين مدّعين: إنكِ كاذبة وتؤلفين قصصاً كي تهربي، وإنكِ تلعبين دور الضحية لتستقطبي جمهوراً ومعجبين ومتابعين في كل مكان. وعندما يصدقونك، لن تكوني هنا... لا تتفائلي! ربما لن يقتلك أحد، ولكن لماذا عليكِ أن تثقي بهم والحبال تلتفّ حول عنقك باسم" الشرف"، باسمِ القَرَف!

ارحلي.

وإذا لم يكن هنالك وقت كافٍ للحصول على جواز سفر، اهربي ببطاقتكِ الشخصية، اذهبي إلى البلد المجاور. وإذا كان الجوار بحراً أو محيطاً، تعلمي السباحة أو خذي قارباً في منتصف الليل. لا يهم أين ستذهبين. الخطوة الأولى هي الرحيل، بعد ذلك كل شيء مقدور عليه. تواصلي مع جمعياتٍ أو منظمات دولية قبل أن تذهبي، اكتبي لهم، تأكدي أن معك رقم أحدهم أو إحداهن في مكان بعيد عن أهلك وذويك. احفظي الرقم، اكتبيه على يدك، أو في جواز سفرك. وإن لم تستطيعي حمل شيء من أوراقك الثبوتية، لا تجزعي. اهربي كما أنتِ، ستبدئين في بلدٍ آخر، في مكانٍ آخر، باسمٍ آخر، ووجهٍ آخر. من قال إنكِ لن تفقدي نفسكِ وأنتِ محاطة بأولئك الذئاب؟ أنتِ صورتهم المشوّهة عن المرأة، أنتِ إنسانيتهم الملعونة، المطعونة، أنتِ شرفهم وعهرهم، تخلّفهم وجهنمهم. أنتِ لست أنتِ بينهم، فعلام تخشين؟

كوني حيواناً بريّاً. مزّقي كل ما لقنوك إياه عن أنك أنثى شرقية و"حنونة العيلة" و"البنت المطيعة" و"ست البيت" و"ست الكل"

لا تنتظري قوانين تعطيكِ حقوقكِ التي ليس عليكِ أصلاً أن تنتظري من يعطيكِ إياها. خذيها بنفسك، بيديك، بأسنانك، بأظافركِ، بكل ما تملكين، بكل طاقتك وقدرتك، لأنك تستطيعين

في أمريكا وكندا وأغلب الدول الأوروبية، هناك رقم تتصلين به في حال تعرّضتِ لأذى، أو إذا خشيتِ من أحد، من أي خطر يتهدّد حياتك وأمانك. ربما في بلادنا توجد هكذا أرقام، لكن لا أضمن أن يرد أحد، أو يسمع أحد، أو يصدّق أحد قبل فوات الأوان.

اكتبي ما يحصل معكِ، انشريه باسمك حيث تستطيعين: التويتر، الفايسبوك، اليوتيوب. ضعي عنوانك وعنوان أهلكِ وأي شيء يقود إليكِ كي يهتدي إليك من تحتاجينه للنجاة. وثّقي كل شيء، أينما كنتِ.

أعرف أستاذاً جامعياً في جامعة عربية، سافر مع زوجته إلى بريطانيا لإكمال دراساته العليا، وكان الأخ يدّعي أنه علماني مثقف ومتحرر ومدافع عن حقوق المرأة. كان يقفل الباب على زوجته قبل خروجه من البيت يومياً. لم يضع إنترنت في البيت أو تلفون أو أي شي يتيح لها التواصل مع العالم الخارجي. تعمّد السكن في الضواحي بعيداً عن المدينة كي لا يسمع صوتها أو يصل إليها أحد. وفي أحد الأيام، لم تملك سوى أن تضرب نافذة المطبخ المقفلة بالحديد من الداخل لساعاتٍ وساعات إلى أن سمعها ساعي البريد، فاتصل بالشرطة، التي تدخّلت لتنقذها منه للأبد. بالتأكيد، وجودها في بريطانيا أراحها من أعين الأهل والمعارف. بقي الأستاذ العبقري وحيداً، ثم عاد إلى بلاده ليكمل مسيرته المشرفة ويحاضر عن الإنسانية والأدب وحقوق المرأة مادحاً التحرر الجميل في الغرب!

لا تصدقي من يدّعي الحرية والعدالة والجمال، صدّقي حدسكِ. كوني كحيوانٍ برّي يشتم فريسته أو عدوه على بعدِ أمتارٍ، ويدرس المكان والتوقيت جيداً ليهرب منه أو ينقضَ عليه. كوني حيواناً بريّاً. مزّقي كل ما لقنوك إياه عن أنك أنثى شرقية و"حنونة العيلة" و"البنت المطيعة" و"ست البيت" و"ست الكل".

اكتبي نجاتك بيديك وحدك، ولا تفرحي بكل تلك العبارات الطنّانة الخادعة. اتبعي حياتك وانجي من الموت بكل أشكاله. الموت الذي يمنعك من مغادرة البيت بعد السادسة مساء، ومن اختيار أصدقائك، ويمنعك من الرقص، ومن الكتابة في الأدب أو السياسة أو الجنس أو السحر الأسود. يمنعك من ارتداء ما تشائين. هذا جسدكِ، هذه حريتك، هذه حياتك التي ستعيشينها مرةً واحدةً لأجلك لا لأجلِ أحد. تلك الحياة التي يسرقونها منكِ دون أن تشعري، لأنكِ "حبوبة العيلة". يا حبيبتي التي عليها أن تهز رأسها وتضحك للجميع وتفعل ما يريدون.

نسيت أن أخبركِ: تعلمي أحد فنون الدفاع عن النفس، الملاكمة، التايكواندو أو ما يشبهها. وإن لم تستطيعي، بإمكانك مشاهدة فيديوهات تدريبية على اليوتيوب. ستحتاجين إلى ذلك أمام المتحرشين أو أمام أي شخص قد يؤذيك جسدياً ونفسياً.

لديّ الكثير لقوله يا صديقتي: الكثير من الغضب، من القهر، من الحزن، من البكاء، من السخرية، من الشجاعة، من الأمل الذي أتمنى أن أشارككِ إياه، وتشارككِ به كل امرأة تشعر بكِ. انجي بحياتكِ: عالمنا المشؤوم يعلّق كل أمجاده وخساراته وزفراته وأمراضه على جسدك.

لا أريد أن أزيدك إحباطاً. أريد لك العيش كما تشائين، دون سلطة أو إذن أحد، أن ترسمي شكل حياتك وتكوني كما شئتِ.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image