هبوطًا يكون الدخول إلى حمام السمرة التاريخي، شرق مدينة غزة. عبر عدة درجات حديدية يتبعها سرداب طويل, لتجد نفسك داخل ساحة مفتوحة مقببة فيها فتحات دائرية صغيرة تسمح لأشعة الشمس بالتسلّل إلى صحن الحمام.
رائحة رطوبة ناعمة أول ما يستقبلك في هذا الحمام الذي يُعدّ أحد النماذج المذهلة للحمامات العثمانية، وهو الوحيد الذي ما زال يعمل حتى الآن، ويعود تاريخ بنائه إلى عام (700ه – 1300م).
ارتبط حمام السمرة بالكثير من العادات في الذاكرة الشعبية الفلسطينية، إذ اعتاد الناس على زيارة الحمام بشكل متكرر للاسترخاء والاستشفاء، كذلك قبيل الأفراح يزور العرائس رجالًا ونساءً الحمام مع أقاربهم للاحتفال.
فإذا ما قررت زيارة هذا المكان العريق ستمطر بالنصائح التجميلية والعلاجية، والذكريات العذبة متبوعًا بتلمظ يستعيد طعم تلك الأيام. وعلى رغم أن العادات المرتبطة بالذهاب إلى الحمام قبيل الأعراس لم تعد شائعة كما كانت في الماضي، إلا أن السيدات المهتمات بصحتهنّ وجمالهن يواظبن عليها ما استطعن إلى ذلك سبيلًا.
ارتبط حمام السّمرة بالكثير من العادات في الذاكرة الشعبية الفلسطينية، إذ اعتاد الناس على زيارة الحمام بشكل متكرر للاسترخاء والاستشفاء، كذلك قبيل الأفراح يزور العرائس رجالًا ونساءً الحمام مع أقاربهم للاحتفال.
تقول ربا أيمن (26 عامًا)، التي عاشت تجربة "الدلال" في حمام السمرة ولفّها سحره التاريخي العريق، لـ"رصيف 22" :" أول ما تدخلي المكان بتحسّي براحة نفسية مجرد ما تشوفي المكان قديم, وكل شي فيه قديم, بتحسي بشعور حلو برجعك لحداويت زمان".
في وسط الحمام أو ما يُسمى بـ"البراني", نافورة قديمة مثمّنة الشكل تحتوي على ماء بارد، تُحيطها أربعة إيوانات مزينة بوسائد عربية الطراز، وتحيط بها قطع الزينة التراثية. يتصل "البراني" ببقية غرف الحمام، ومنها غرفة صغيرة لخلع الملابس، ثم غرفة واسعة للاستحمام وهي ذات جو مُشبع بالبخار تتألف من أربع خلوات صغيرة، يحيطها من الجانب الغربي أحواض رخامية قديمة يغترف منها المستحمون الماءَ الساخن، وفي إحدى زواياها غرفة صغيرة بها المغطس.
في هذا الجوّ التاريخي تفرض الطبلة سطوتها داخل الحمام، فلا مكان للموسيقى الحداثية والسماعات الإلكترونية، فيما يتطوّعن العجائز صاحبات الصوت العذب بالغناء لأمّ كلثوم ووردة.
أما العرائس فينلن النصيب الأكبر من الدَّلال والاهتمام داخل الحمام؛ يتحلقن السيدات والصبايا حولها ويشاركنها فرحتها، وتقول ربا: "الكل بيكون مع بعض قاعد، ويطبل، ويرقص لما بيكون في عرايس .الحلو انو العروس ما بنعرفها بتلاقي الكل بشارك وبرقص معها".
في القسم (الجوّاني) تستريح سماح الحلو بعد جلسة تدليك، على كرسيّ بلاستيكي، وتقول إنها تزور الحمام بين الفينة والأخرى، مؤكّدة أن هذه الزيارات تساعدها على تخفيف آلام الرقبة التي تعاني منها وتحسّن نفسيتها.
في هذا الجوّ التاريخي تفرض الطبلة سطوتها داخل الحمام، فلا مكان للموسيقى الحداثية والسماعات الإلكترونية، فيما يتطوّعن العجائز صاحبات الصوت العذب بالغناء لأمّ كلثوم ووردة.
تستعيد سماح زيارتها قبل سنوات قبيل فرح إحدى قريباتها، وتقول: "يوم فرح بنت أختي حجزنا الحمام. في أجواء تاريخية وفرحة لم أتذوَّقْها من قبل. طبلت ورقصت واستمتعت بالمساج والماء الدافئ".
تتنقل أم العبد أبو نجيلة، المسؤولة عن القسم النسائي وخبيرة التدليل، بخفة بين الزبائن تساعد إحداهنّ، وترحب بأخريات.
وتقول إنها تعمل منذ عشر سنوات في الحمام، اكتسبت خلالها مهارات كثيرة في العلاج الطبيعي إلى حدّ أن تقول إن "يديها مباركة"، مشيرة إلى أن معظم زائرات الحمام يسعين لمعالجة مشاكل الإنجاب.
"دعي الخرافات جانبًا واستعيني بالله وبركة يدي"؛ هذا ما تخبره به زبائنها باستمرار، مضيفةً: "نعمل هنا على تقديم الإرشادات لهن، وتقديم خدمات التدليك وكيفية استخدام الماء الساخن لإزالة الرطوبة من الجسد التي قد تعيق الإنجاب".
ويلاحظ في الحمام انعكاس القيم المحافظة على روّاده، إذ يمنع الأطفال دون الثالثة من مرافقة النساء كذلك يفرض الاحتشام حتى داخل غرفة البخار، والفصل التام في المواعيد.
ويقول مدير الحمام، أبو عبد الله الوزير (68 عامًا)، إن الحمام يشهد إقبالًا واسعًا من السيدات نظرًا لـ"تفهّم الفوائد الطبية له"، بالإضافة إلى انخفاض سعر الدخول والذي يقدّر بستة دولارات فقط.
ويشير أبو عبد الله الذي يدير الحمام منذ أكثر من خمسة عقود، إلى العادات القديمة المرتبطة بالحمام، قائلًا: "كانت الناس تزور الحمام نهاية الأسبوع (الخميس)؛ تحمل بقجات (شنطاً) فيها ملابسهم، وبعد الحمام يختتمون بوجبة دسمة من اللحم المشوي".
ويتابع: "هذه العادة لازالت حية إلى اليوم. قبيل (حنة العروس), تحضر هي مع أقاربها وصديقاتها إلى الحمام، ويتمّ إخلاؤه بالكامل لهن، وتعمر الموسيقى والرقص المكانَ."
ويتحدّث أبو عبد الله كأيّ طبيب خبير عن فوائد الحمام، مؤكدًا أنها تشمل جميع أعضاء الجسم، حيث تبدأ الفائدة من فروة الرأس مروراً بالقصبة الهوائية والدورة الدموية والعظام والأعصاب والاضطرابات النفسية، كذلك يساعد على الانجاب عند الرجال والسيدات، ويزيل الرطوبة من الجسد ويقوي المناعة، كما يضفي نضارة للبشرة والوجه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.