وسط أزمة اقتصادية خانقة تقوِّض قدرة الكثيرين على الزواج، ونظام سياسي واجتماعي كابت للحريات الفرديَّة، لنا أن نتساءل في القطاع الذي يفتقر كثير من الشباب فيه إلى أدنى مقومات الحياة، ولا يوجد متنفس اجتماعي لرغبته الجنسية، كيف يشبعون شغفهم بالحميمية؟
يجيب أحمد فهيم، اسم مستعار، أنَّه بعد تخطِّيه سنّ الثلاثين دون زواج، نتيجة ظروفه الاقتصادية المتردية، أراد إشباع رغبته الجنسية، بعيداً عن العادة السرية، التي يمارسها منذ أكثر من 13 عاماً.
"تسلية"
يقول فهيم لـ"رصيف 22" بتُ أسأل نفسي كثيراً كيف ومتى مضى العمر بسرعة البرق؟، وسرعان ما تعرَّف على فتاة تصغره بعشر سنوات، مستبعداً فكرة الزواج لأنّه أصبح مكلفاً جداً".
"بدأت قصتي بأنِّي أقنعتُها بالزواج، وكنت بالنسبة لها فارس الأحلام التي تحلم به، والشاب الذي ستجد معه السعادة طوال حياتها، وكنت أريد ممارسة الجنس معها، ولكنها لم تكن ترغب إلَّا في إطار الزواج".
ويتابع: "بدأت معها بالعبارات الساخنة، فهي لم تكن لديها خلفية عن تلك الأمور، حتَّى أصبحنا نمارس الجنس بشكل يومي عبر الهاتف، فهي تعتبرني زوجها وأنا كذلك، فعلنا في خيالنا كلّ ما يفعله الزوجين على السرير، وكُنَّا نستمتع بذلك، وبعد عامين تطوَّرت الأمور، وطلبت منِّي أن أتقدّم لخطبتها رسيماً، وهنا كانت الصدمة".
ينهي فهيم حديثه: "وعندما أخبرتها أني لم أكن أفكر بالزواج، صُدمَت، وانهالت بالبكاء، وتركتني".
"حماس" تحجب المواقع الإباحية
تلجأ شرائح من الشباب في قطاع غزَّة المُحاصَر، وفي ظلّ نظام حماس شديد المحافظة والانغلاق، إلى مشاهدة الأفلام الإباحية كمتنفَّس عمّا يكبته، وتشير إحصائيات سابقة إلى أنَّ فلسطين تأتي في الترتيب السادس عربياً من حيث أعلى نسب تصفح المواقع الإباحية، وتُظهر بيانات موقع "أليكسا" 2016 أنّ المواقع الإباحية تأتي ضمن قائمة الأعلى 100 موقع في الزيارة اليومية للفلسطينيين.
هذا الأمر دفع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في قطاع غزة، منذ وقت مبكر (عام 2012) إلى حظر المواقع الإباحية، حيث تم إلزام الشركات المزودة للمواطنين بحجب هذه المواقع، ووضعها تحت طائلة المسؤولية.
وبرر جهاز الامن الداخلي التابع لحركة حماس تلك الإجراءات بأن إسرائيل تستغل تلك المواقع لأخذ اعترافات من مستخدميها الفلسطينيين.
ولكن مدمني المواقع الإباحية في قطاع غزة استطاعوا تحدي قرار حجب المواقع الإباحية، عبر اختراق الحجب من خلال برامج محددة تمكن المستخدم من تصفح كافة المواقع رغم حجبها، بحسب تصريح خالد عبد المنعم مهندس برمجيات في غزة آنذاك لموقع "دويتشه فيله" الألماني.
"يجد شباب غزة عبر عالمهم الافتراضي ما لم يجدوه في عالمهم الواقعي، ويُدفعون إلى تطبيقه بأي طريقة كانت"
يُعلِّق الأخصائي النفسي أحمد أبو ناموس أنَّ ثورة التكنولوجيا وانتشار المواقع الإباحية عبر الانترنت، وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، واحتوائها على كل ما حرم منه الشخص طوال حياته، من الأسباب التي تدفع بعض شباب غزة إلى "ممارسة الجنس" عبر موبايلاتهم، فهم يجدون عبر هذا العالم الافتراضي ما لم يجدوه في عالمهم الواقعي، فيُدفعون إلى تطبيقه بأي طريقة كانت.
زواج خيالي عبر الهاتف
بدأ محمد أحمد خريج كلية تربية 32 عاماً يقضي وقت فراغه بالجلوس أمام شاشة الكمبيوتر، تارة يشاهد أفلاماً أجنبية وتارة عربية، وتطور الأمر لمشاهدة الأفلام الإباحية، حتى أصبح يقضي كافة وقته بالبيت، يكاد لا يغادر غرفته إلا لتناول الطعام، فهمّه مشاهدة تلك الأفلام ومن ثم يمارس العادة السرية لتفريغ شهوته الجنسية.
"وجدت فتاة حكايتها لا تختلف عن حكايتي، كانت تحلم بالزواج ولكن والدها يرفض بأن ترتبط بشخص لا يعمل أو لا يمتلك شقة، حتى فقدت الأمل، فاستجابت لي بشكل سريع، وأصبحت زوجتي الإلكترونية"
وتطوَّر الأمر، وأنشأ حساباً وهمياً على "فيس بوك" يدلّ على انعدام الأمل، ووضع صورة مستعارة، يقول لـ"رصيف 22": " شرعتُ بإرسال طلبات صداقة للفتيات، وسرعان ما تتم الاستجابة لها نظراً للصورة الشخصية الجذابة على "البروفايل"، وكل فتاة أتحدث معها على الخاص أصارحها أن هدفي الجنس لا أكثر، فيكون الرد الحظر بشكل نهائي.
ويضيف" بعد عدة محاولات وجدتُ فتاة حكايتها لا تختلف عن حكايتي كثيراً فهي تحلم بالزواج ولكنها لن تستطيع لأن والدها يرفض بان ترتبط بشخص لا يعمل أو لا يمتلك شقة، حتى فقدت الأمل، فاستجابت لي بشكل سريع حتى أصبحت زوجتي الإلكترونية، نمارس كل ما يمارسه الزوجين على السرير، ولكن عبر الانترنت والهاتف، ونتبادل الصور والفيديوهات".
"أنظر في المرآة غير راضٍ عن نفسي، من المسؤول: الظروف القاسية، أم الأهل والمجتمع؟"
ويتابع" رغم ممارستي "الجنس خياليا عبر الهاتف والإنترنت، مع فتاة لا أعرف طبيعة علاقتي معها، إلا أني غير راضٍ عن نفسي، وبعد انتهاء الحديث معها أنظر كل يوم إلى نفسي بالمرآة، وأوجه إلى نفسي السؤال هل ما أفعله صحيحاً، ومن المسؤول عن الوضع الذي أنا فيه، هل هي الظروف القاسية التي يشهدها قطاع غزة؟ أم على الأهل الذين يقابلون طلب زواجي بالرفض؟
"لا أريد الزَّواج، فلماذا لا يكون لنا صديقات؟"
أما الشاب مُهنًّد علي (28 عاماً)، من سكان مدينة غزة، ينتمي إلى عائلة ميسورة، موظف في إحدى الشركات الخاصة ، يرفض الزواح ويحلم بصديقة، وتفاصيل مثيرة كما يراها في الأفلام والمسلسلات والسوشيال ميديا.
ولكن مهند لم يعثر على ضالّته، يقول لـ "رصيف 22": " أنا لا أرغب في الزواج، فالزواج مسؤولية كبيرة، فلماذا لا نعيش مثل دول الغرب يكون للشاب صديقة يفعل معها ما يشاء دون معارضة أحد؟ فأنا لا أريد الزواج".
ويواصل حديثه: "بحثت كثيراً عن طريقة لممارسة الجنس بعيداً عن فكرة الزواج فلم أجد، حتى شعرت باليأس والإحباط، وفي يوم من الأيام تحدثت مع فتاة غزية عبر مواقع التواصل الاجتماعي عبرت لها عما يدور بداخلي، فأصبحنا أصدقاء ونتواصل بشكل مستمر حتى أصبحت أمارس معها الجنس عبر الهاتف".
ويوضح الشاب أنه وجد مع تلك الفتاة ما يبحث عنه طوال السنوات الماضية، فهو يمارس معها ما يمارسه الزوج مع زوجته؛ ولكن يظل الهاتف حاجزاً بينهم، لافتاً إلى أنه ألح عليها ليمارسا الجنس في الواقع، ولكنها رفضت لخوفها من المجتمع بسبب فقدان "عذريتها"، وفضَّلت أن تُبقي العلاقة بينهما عبر الهاتف لا أكثر.
ويُعلّق أبو أحمد صالح، من غزة موظف حكومي 48 عاما وأب لأربعة أبناء، على تلك السلوكيات بأنها "تقليد أعمى" للأفلام والمسلسلات الغربية، وأضاف أنه في حال إقدام أحد من أفراد عائلته على ممارسة الجنس، أو أفعال قريبة منها، بعيدا عن الزواج الشرعي فإنه لا يصفح عنه نهائيا، و"يستحق أقصى عقوبة"، وهو رأي يعكس المزاج الشائع لجيل الآباء والأمهات.
بينما يلوم أحمد أبو ناموس الظروف الاقتصادية التي يشهدها قطاع غزة من فقر وبطالة، فالشاب ينهي دراسته الجامعية على أمل أن يجد وظيفة في مجال دراسته، ليتمكَّن من الزواج، أو السفر وممارسة حياة طبيعية، ولكن الكثير من الشباب لم يتمكًّنوا من ذلك نظراً لعدم حصولهم على فرص عمل".
يقول أبو ناموس: "الشباب في قطاع غزة يمتنعون عن الزواج، نتيجة للظروف الاقتصادية فيلجئون إلى إيجاد بدائل، فمنهم من يلجأ للسفر، ومن لم يجد المال الذي يمكّنه من تجاوز حدود القطاع المحاصر، يشغل نفسه في تناول عقار "الترامادول" الذي انتشر بين أوساط الشباب، والبعض الأخر يجد في ممارسة "الجنس" عبر الهواتف النقالة مع فتيات وسيلة لإشباع الطاقة الجنسية بداخله".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه