في كانون الثاني/يناير من العام 2011 توجهت أنظار العالم إلى ميدان التحرير بعد توجه عشرات الآلاف من المصريين إليه للمطالبة بإسقاط نظام الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، اليوم وبعد مرور نحو 8 سنوات على الثورة، أصبح الميدان الذي كان رمزاً للحرية للمصريين وللكثير من الشعوب الأخرى التي استلهمت حراكهم، يمنع فيه التظاهر، باستثناء تظاهرات مؤيدة للنظام الحاكم. من جهته أمّن النظام حدود الميدان جيداً، وجعلها أقرب لثكنة عسكرية، وفي الآونة الأخيرة أعلنت الحكومة المصرية أنها ستجعل ميدان التحرير مزاراً سياحياً وستنصب في قلبه إحدى مسلات الملك رمسيس الثاني التاريخية، وهي الخطوة التي اعتبرها البعض تغييراً لهوية المكان.
في العام 2011، وإبان الثورة، طالب الكثير من الثوار بإقامة نصب تذكاري لشهداء الثورة في قلب الميدان، كما رسم العديد من رسامي الجرافيتي لوحات لوجوه من سقطوا خلال الثورة على الجدران المحيطة بالميدان، وأشهرها حائط المبنى القديم للجامعة الأمريكية.
وبالفعل بدأت الحكومة المصرية في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2013، وبعد ضغط كبير من المشاركين في الثورة، في إقامة نصب تذكاري لشهداء الثورة، وحينذاك قال أحد المهندسين المسؤولين عن بناء النصب لصحيفة المصري اليوم إن محافظة القاهرة ستجري مناقصة عالمية لتصميم الشكل النهائي للنصب التذكاري، وأنهم سيكملون البناء الخرساني، ووضع لائحة شرف وإهداء إلى شهداء الثورة.
لكن بعد أيام قليلة من إقامة أجزاء من هذا النصب قام مجهولون بتشويهه وتحطيمه، رغم وجود قوات الأمن في الميدان، وبعد ذلك بسنوات، وبالتحديد في العام 2015، وبعد تولي عبد الفتاح السيسي رئاسة مصر، قام عمال محافظة القاهرة، بإزالة النُصب التذكاري تماماً والذي وضع حجر أساسه حازم الببلاوى، رئيس الوزراء الأسبق.
تزامن ذلك مع محو كل لوحات الجرافيتي على الجدران في ميدان التحرير بعد أن كانت توثق لثورة يناير، في خطوة اعتبرها مراقبون تهدف لمحو كل ما له علاقة بالثورة من الميدان الشهير.
من ميدان الثورة إلى ميدان السيسي
خلال السنوات الماضية شهد ميدان التحرير حضور أعداد كبيرة من المصريين لأسباب مختلفة، فبعد سقوط نظام مبارك، وتولي الرئيس المصري الراحل محمد مرسي رئاسة مصر، تدفق آلاف المصريين على الميدان أكثر من مرة للمطالبة بإسقاط نظام الإخوان ورفعوا شعارات عديدة منها "يسقط حكم المرشد"، وكانت أشهر هذه التظاهرات مليونية يوم 30 يونيو/حزيران من العام 2013، حين خرجت أعداد حاشدة للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة.
وبعد أن عزل الجيش الرئيس الراحل المنتمي للإخوان في 3 تموز/يوليو 2013، خرجت تظاهرات أخرى للميدان أشهرها تظاهرات الجمعة 27 تموز/يوليو من العام 2013 التي هدفت لتفويض وزير الدفاع المصري حينذاك عبد الفتاح السيسي لمحاربة "الإرهاب المحتمل"، وهي التظاهرات التي جاءت بعد دعوة السيسي للمصريين للخروج لتفويضه، وحينذاك رفع مصريون كثر من أنصار الجيش المصري لافتات تطالب السيسي بالترشح للانتخابات الرئاسية.
وبعد فوز السيسي بانتخابات الرئاسة المصرية في العام 2014، خرجت تظاهرات لمؤيدي الجيش والشرطة إلى الميدان تحمل صورته، ومنذ ذلك التاريخ، لم يعد المكان يرحب بدخول معارضي السيسي، وانتشر الأمن المصري في جميع أنحائه، وصار الميدان الذي كان رمزاً للحرية يوماً ما، ممنوعآً تماماً على الثوار وعلى أي شكل من أشكال التعبير، وصار متاحاً فقط لأنصار الجيش والدولة المصرية، الذين يتجولون فيه بكل حرية في بعض المناسبات مثل ذكرى حرب تشرين الأول/أكتوبر من كل عام.
تطوير ميدان التحرير
وفي الفترة الأخيرة أعلنت الحكومة المصرية عن خطة لتطوير ميدان التحرير، وجعله مزاراً سياحياً، وقبل أيام، وبالتحديد في يوم 29 آب/أغسطس الماضي، قالت وزارة الآثار المصرية إنه يتم العمل حالياً على ترميم أجزاء من إحدى مسلات الملك رمسيس الثاني لإقامتها وعرضها في قلب الميدان.
وقالت الوزارة في بيان، إنه "في إطار خطة الدولة لإبراز حضارة مصر الفريدة للعالم، تم نقل أجزاء من إحدى مسلات الملك رمسيس الثاني من منطقة صان الحجر الأثرية بمحافظة الشرقية إلى القاهرة، وذلك للبدء في أعمال ترميمها وتجميعها تمهيداً لإقامتها وعرضها بميدان التحرير، أحد أشهر الميادين في مصر والعالم، وسط سيناريو عرض وتصميمات جديدة لتجميل الميدان".
كان رمزاً للحرية، فأصبح مكاناً غير مسموح بدخوله إلا لأنصار السيسي... كيف حولت السلطات المصرية ميدان التحرير من ميدان للثورة إلى ميدان لأنصار النظام المصري؟
يعد التحرير أكبر ميادين القاهرة، وسمي بداية باسم ميدان الإسماعيلية، نسبة إلى الخديوي إسماعيل، ثم تغير إلى ميدان التحرير، نسبة إلى التحرر من الاستعمار في ثورة 1919، ويحاكي الميدان في تصميمه ميدان شارل ديجول الذي يحوي قوس النصر في باريس… كيف تحول ميدان التحرير من ميدان للثورة إلى ميدان يصادر الثورة؟
وكان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، قد صرح يوم 18 آب/أغسطس الماضي، بأن تطوير الميدان يأتي بتكليف من الرئيس السيسي، مضيفاً أن التطوير يتضمن إلى جانب وضع المسلة، الاهتمام بأعمال الرصف، والإنارة.
لكن اللافت أن ما تقول الحكومة إنه خطة لتطوير الميدان، تضمنت إغلاق العديد من المقاهي التي كانت في العام 2011 مكاناً لتجمع الثوار والنشطاء المصريين، ما يكشف عن خشية النظام من أن يجلس على هذه المقاهي جيل جديد من المصريين بعد أن كانت تلك المقاهي محطة لأشهر النشطاء المصريين الذين اعتقلتهم السلطات فيما بعد، من أمثال أحمد دومة، وعلاء عبد الفتاح، وإسراء عبد الفتاح، ووائل عباس، وغيرهم.
من ميدان الإسماعيلية إلى ميدان التحرير
يُعد التحرير أكبر ميادين مدينة القاهرة، وسمي في بداية إنشائه باسم ميدان الإسماعيلية، نسبة إلى الخديوي إسماعيل، ثم تغير الاسم إلى ميدان التحرير، نسبة إلى التحرر من الاستعمار في ثورة العام 1919، ويحاكي الميدان في تصميمه ميدان شارل ديجول الذي يحوي قوس النصر في العاصمة الفرنسية باريس.
وطوال تاريخه كان الميدان رمز التحرير والحرية، حيث شهد عدة مواجهات بين المحتجين والقوات الأمنية بدأت أولها خلال أحداث ثورة 1919، ثم تظاهرات العام 1935 ضد الاحتلال الإنجليزي، كما شهد خروج مصريين كثر خلال ثورة الخبز يومي 18 و19 كانون الثاني/يناير من العام 1977، وخلال ثورة يناير 2011 كان رمزاً لانتفاضة المتظاهرين ضد النظام ولصمودهم.
يحوي الميدان العديد من المقرات الشهيرة مثل المتحف المصري، والجامعة الأمريكية، ومجمع المصالح الحكومية المعروف اختصاراً بمجمع التحرير، ومقر جامعة الدول العربية، والقصر القديم لوزارة الخارجية المصرية، ومسجد عمر مكرم، وكنيسة قصر الدوبارة الأنجيلية، كما توجد بالميدان إحدى أكبر محطات مترو القاهرة الكبرى وهي محطة السادات.
أحكمت السلطات المصرية قبضتها على ميدان التحرير، لكن هذا لم يمنع البعض من التعبير عن معارضتهم للنظام، حتى لو أدى ذلك لاعتقالهم، وكانت آخر تلك المحاولات، حين وقف شاب مصري، في شباط/فبراير، من العام الجاري، حاملاً لافتة مكتوب عليها "ارحل يا سيسي"، لكن سرعان ما تم اعتقاله، ولم يعرف أي شخص أخباره من يومها. لكن ذلك الموقف يثبت أن الميدان مصمم على أن يكون رمزاً ضد كل أشكال القمع... حتى لو ظهر للجميع اليوم أنه ميدان صامت كُسرت رمزيته للأبد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.