“هل تعرفون هذه السيدة ذات الرداء الأبيض؟” سؤال جاب لبعض الوقت مواقع التواصل الاجتماعي الأيام الماضية، حاملاً معه “فزورة” (أحجية) في شكل صورة لم تكن سهلة الحل، فصاحبة الصورة وجهها غير مألوف لكن ظهور فنانات ونجمات حولها جعل من البعض يخمن أنها قد تكون فنانة قديمة.
ففي يوم 27 آب/أغسطس، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صورة تظهر وفداً من الفنانين المصريين في مطار القاهرة الدولي متوجهاً إلى سوريا للمشاركة فى فعاليات الدورة الـ 61 من معرض دمشق الدولي، وعلى يسار الممثلة المصرية إلهام شاهين، جلست سيدة ترتدي قميصاً أبيض اللون ونظارة شمس، فسببت حيرة لدى الكثيرين، قبل أن يكتشفوا أنها المطربة عفاف راضي، التي غابت عن الفن سنوات طويلة قبل أن تقرر العودة لكن ليس من بوابة القاهرة، بل من بوابة دمشق.
وكانت راضي قد أكدت لوسائل إعلام مصرية يوم 21 آب/أغسطس أنها ستحيي حفلاً في دار أوبرا دمشق يوم 31 آب/أغسطس، في إطار الاحتفالات بافتتاح معرض دمشق الدولي، لتكون أول مطربة مصرية تغني من هذا المكان منذ أحداث الربيع العربي. ويعود آخر ظهور فني لعفاف راضي إلى 16 عاماً خلت.
ونقلت صحيفة المصري اليوم المقربة من النظام عن راضي قولها إن أسرتها وراء حماسها للعودة مجدداً بعد انقطاع دام سنوات عن الغناء في الحفلات، مؤكدة أنها ستسافر إلى دمشق قبل الحفل بأيام لإجراء البروفات اللازمة.
وقالت راضي إنها متشوقة جداً لمقابلة جمهورها العربي وإنها تشعر بأنها تغني للمرة الأولى، وإن فقرتها ستتضمن العديد من الروائع الغنائية التى قدمتها خلال مشوارها الحافل وتعاونت فيها مع كبار الملحنين، مثل بليغ حمدي ومنير مراد ومحمد الموجي وكمال الطويل وغيرهم.
وكانت راضي قد قدمت حفلات عديدة فى دمشق قبل أن تبتعد عن مجال الغناء، كما شاركت الفنان الراحل نور الشريف في بطولة العرض المسرحي "لن تسقط القدس" الذي عرض في سوريا في العام 2002.
وفيما أعلن الكثيرون على وسائل التواصل الاجتماعي عن سعادتهم بعودة راضي للغناء، هاجم آخرون المطربة المصرية بسبب قرارها الغناء في سوريا، معتبرين أن ذلك دعم رسمي للرئيس السوري بشار الأسد، على سبيل المثال تعجبت مستخدمة من أن "عفاف راضي اختفت سنين ورجعت إلى سوريا لدعم بشار"، فيما كتب مستخدم آخر أنها بسفرها لسوريا تشارك "المجرم" في إشارة للرئيس السوري "في إجرامه".
ووجه مستخدم رسالة لراضي قائلاً لها: "لم تجدي مكاناً إلا على أشلاء أطفال ونساء سوريا الذين شردوا وقتلوا وسجنوا وهدمت بيوتهم ونكل بهم وضربوا بالكيماوي، ألا تخجلين؟ بعتي إنسانيتك لأجل ليرات لا قيمه لها، بدل من أن تقفي مع الأطفال اليتامى والأمهات الثكالى"، وكتب مستخدم آخر: "عفاف راضي تعود للغناء بعد غياب، بالتأكيد خبر جميل، السيئ أنها ستغني بدمشق على جثث الشعب السوري بحفنة دولارات. ليتها ما عادت".
ولم ترد عفاف راضي على هذه الانتقادات.
"أهي دي الدنيا"
تعد عفاف عبد الحليم راضي التي ولدت في العام 1954 من أرق الأصوات المصرية، ولدت في مدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، وحين كان عمرها 8 سنوات حضرت إلى القاهرة مع أسرتها التي ألحقتها بالكونسيرفتوار (معهد حكومي لتعليم الموسيقى) حين كان عمرها 10 سنوات، وحينذاك بدأت تظهر في بعض برامج الأطفال، وساعدها في ذلك أن عمها هو المخرج الشهير السيد راضي.
درست راضي البيانو، وحصلت على البكالوريوس بتقدير امتياز وهي في سن الثامنة عشرة، ثم حصلت على درجتي الماجستير والدكتوراه من أكاديمية الفنون التابع لها المعهد، وبعد التخرج شاركت في مسرحيات غنائية، منها الأرملة الطروب، ياسين والدي، آه يا غجر، دنيا البيانولا، على فين يا دوسة، وفي نهاية الستينيات شاركت في حفلات أضواء المدينة، وهي حفلات كانت تقيمها الحكومة المصرية وتحقق نجاحاً كبيراً.
لكن المحطة الأهم في حياة عفاف راضي هي مشاركتها في الفيلم الغنائي الاستعراضي مولد يا دنيا (إنتاج العام 1976)، مع الممثل محمود ياسين.
لعفاف راضي مجموعة أغانٍ تعد من كلاسيكيات الأغاني المصرية، ولا تتوقف الإذاعات المصرية عن إذاعتها، وأشهرها: ردوا السلام، وحدي قاعدة في البيت، هوا يا هوا، عطاشى، النبي تبسم، تعالى جنبي، بتسأل يا حبيبي، مصر هي أمي، ابعد يا حب، تساهيل، تعالى جنبي ، جرحتني عيونه السودا ، سلم سلم ، عوج الطاقية، قال لي تعالى، يا وابور الساعة 12...
غابت لعقود لتظهر وهي في طريقها للغناء في دمشق... الفنانة المصرية عفاف راضي اختفت عشرات السنين وهاهي اليوم تتعرض لهجمات عنيفة بعد ظهورها اليتيم بسبب اعتزامها الغناء "لنظام بشار الأسد"
ومنذ قررت الابتعاد عن الفن قبل نحو 16 عاماً، لم تظهر عفاف راضي عبر وسائل الإعلام إلا مرات نادرة، أهمها في حلقة خاصة من برنامج صاحبة السعادة الذي تقدمه الممثلة إسعاد يونس على فضائية سي بي سي، في العام 2015، وحملت الحلقة عنوان "أهي دي الدنيا"، وهو عنوان مقتبس من أغنية شهيرة لراضي غنتها خلال فيلم "مولد يا دنيا"، وحينذاك أكدت راضي أنها لم تعتزل الفن، بل كانت مبتعدة لأن المناخ لم يكن مناسباً لوجودها، بحسب تعبيرها.
في الحلقة حكت راضي عن أول أغنية أدتها حين كانت طفلة، أمام والدها، الذي كان يحب الموسيقى ويتمنى أن يصبح أحد أولاده مطرباً، وقد تحمس لها والدها وشجعها وجعلها تغني أمام أصدقائه.
وأكدت راضي أنها درست البيانو في "الكونسرفتوار" لأنها كانت صغيرة جداً على دراسة الأصوات أو الغناء، وأن المعهد كان يدرس للتلاميذ موسيقى غربية فقط، لكن بعد أعوام قليلة قرر تعليم الطلبة موسيقى شرقية، وكان المدرس الذي أتى المعهد به هو الموسيقار والملحن الراحل رياض السنباطي (1906 – 1981)، قائلة إن السنباطي كان يحب صوتها، وتحمس لها وبدأ يعلمها التواشيح.
وبابتسامة رقيقة قالت راضي إنها أحبت الغناء الأوبرالي، ولم تحب الغناء الشرقي، وتتذكر أن الأخوين رحباني عندما زارا المعهد قالت لهما إنها تحب الغناء، فطلبا منها الحضور للفندق الذي كان يقيمان فيه، واستمعا لها، وعبرا عن إعجابهما بموهبتها.
وعن علاقتها بالملحن الراحل بليغ حمدي (1931 – 1993)، قالت راضي إنها عندما غنت أمامه لأول مرة تبنى صوتها، وقال إنه سيجعلها تغني أول حفلة لها مع عبد الحليم حافظ، ولحن لها أغنية "ردوا السلام" التي غنتها في حفلة مع عبد الحليم، وكان حمدي هو من يقود الأوركسترا بنفسه، ونجحت الأغنية وأصبحت تذاع في الإذاعة والتليفزيون.
لاحقاً، وقّع بليغ حمدي معها عقد احتكار مدته 5 سنوات في شركة صوت الفن الخاصة بالفنان عبد الحليم حافظ. وساعدها على النجاح فنياً، إذ جعلها تشارك معه في مسلسل إذاعي مع عازف الجيتار الراحل عمر خورشيد (1945 – 1981)، عنوانه "حبي أنا" الذي تمت إذاعته في رمضان من العام 1972، وحقق نجاحاً كبيراً.
كما حكت راضي أنها بعد ذلك بدأت العمل مع ملحنين آخرين، وكانت البداية مع كمال الطويل (1923 – 2003)، الذي لحن لها أغنية "الباقي هو الشعب"، التي كتب كلماتها الشاعر سيد حجاب، وكانت في الأساس للمطرب عبد الحليم حافظ، لكن الطويل طلب منها أن تغنيها هي.
من دمشق ستشدو عفاف راضي يوم 31 آب/أغسطس تحت سماء أمطرت لسنوات براميل متفجرة وفوق أرض لا تزال الحرب فيها مشتعلة، وفي معرض دمشق الذي يرفع هذا العام شعار “من دمشق… إلى العالم” تحضر أسماء فنية وثقافية أخرى إلى جانب راضي غير مكترثة بتهديد واشنطن للمشاركين في المعرض "مشاركة الشركات التجارية والأفراد في معرض دمشق الدولي وتعاملهم مع النظام السوري قد تعرضهم لعقوبات أمريكية”… لماذا انتقاد راضي دون البقية؟ ربما لأن رقّتها تتعارض مع جحيم الحرب في سوريا ومع دعوة النظام السوري للفنانين العرب للحضور، ربما لأن راضي شخص من الماضي “الآمن” يقتحم توحش الحاضر بحروبه التي لا تتوقف… "ردوا السلام" غنتها عفاف راضي ذات يوم لتصنع اسماً خالداً لها ضمن كوكبة النجوم، فمن يرد السلام لسوريا؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...