شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
إمبراطورية تجار الحديد الخردة في مصر... مليارديرات على خطى الحاج عبد الغفور البرعي

إمبراطورية تجار الحديد الخردة في مصر... مليارديرات على خطى الحاج عبد الغفور البرعي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 28 أغسطس 201905:47 م

في العام 1996 عرض التليفزيون المصري مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي" لأول مرة، فحقق العمل المأخوذ عن قصة للكاتب الراحل إحسان عبد القدوس نجاحاً كبيراً، وصار واحداً من أهم أعمال الدراما المصرية، وجعل المصريين يتعرفون على عالم تجار الحديد الخردة في منطقة وكالة البلح بالقاهرة، من خلال قصة نجاح تاجر الخردة الحاج عبد الغفور البرعي (نور الشريف) والذي بدأ حياته عاملاً بسيطاً في محل الحاج إبراهيم سردينة (عبد الرحمن أبو زهرة) أحد كبار التجار في وكالة البلح، حتى صار بعد الجهد والعمل الدؤوب واحداً من أباطرة هذه التجارة.

خلّد ذلك العمل نجاح تاجر خردة أميٍّ بدأ من الصفر وكوّن ثروة ضخمة وأصبح يحتك بالأوساط السياسية حين تحول إلى “رجل مهم"، لكن بعيداً عن الدراما كيف تبدو حقيقة تجارة الخردة في مصر؟ من هم أهم تجارها أو مليارديراتها الذين لن تجدوا أي سيرة لهم في قوائم الأغنى في مصر التي تنشرها وسائل إعلام مختلفة، وأهمها قوائم "فوربس"؟ رصيف22 يميط اللثام عن ذلك العالم الذي يعلوه “الصدأ” وتلمع فيه الأوراق النقدية.

تعتمد تجارة الخردة على منتجات وقطع معدنية سبق استهلاكها، مصنوعة من معادن مختلفة، مثل الحديد، والألمنيوم، والنحاس، وغيرها، وغالباً ما تكون ناتجة من الماكينات والمعدات القديمة والمحركات وقطع السيارات التي لم تعد صالحة للعمل، أو تم استبدالها، بالإضافة إلى حطام السيارات التي تعرضت لحوادث، والمواسير المعدنية القديمة وبقايا المصانع والأجهزة المنزلية ومواتير المياه والمسامير وسواها.

وليس سراً أن تجارة الحديد الخردة تحقق مكاسب كبيرة لمن يمترسونها، والسبب يعود باختصار شديد إلى أن تاجر الخردة يشتري سلعة قديمة، وغير صالحة، وتعتبر عديمة القيمة بالنسبة لمن يمتلكها، بسعر رخيص جداً، ويبيعها بسعر أعلى لأشخاص آخرين، يحتاجون لهذه السلعة ليعملوا على إعادة تدويرها أو إصلاحها. على سبيل المثال حين يُهدم منزل ما، يتم استخراج الحديد القديم منه، ويُشترى بسعر زهيد ثم يبيعه تاجر الخردة إلى شركات ومصانع كبرى، تعتمد على إعادة التصنيع، وهذا ما يجعله يكسب أرباحاً كبيرة بفعل هذه العملية.

"كل تاجر خردة كان صبياً لدى تاجر آخر"

بحسب أحمد عميرة، تاجر الخردة الشاب الذي بدأ هذه التجارة قبل فترة غير طويلة، فإن كل تاجر خردة ناجح عمل صبياً (مساعداً) في فترة من حياته لدى تاجر آخر كبير، واكتسب منه الخبرة التي أهلته ليكون تاجر حديد خردة في ما بعد.

يقول عميرة لرصيف22 إنه عمل صبياً لدى الحاج أحمد إبراهيم، أحد أشهر التجار في منطقة السبتية، (منطقة في القاهرة تضم أكبر عدد من تجار الخردة)، أكثر من 6 سنوات، حتى قرر قبل 3 أعوام أن يبدأ العمل مستقلاً.

"النجاح في مهنة تجارة الخردة يعتمد على الخبرة، والخبرة لا تأتي إلا عن طريق العمل في المجال كصبي مدى سنوات حتى تعرف كل شيء وتصبح في ما بعد قادراً على العمل كتاجر خردة مستقل"، يقول عميرة، ويكمل أن النجاح في هذه المهنة ليس أمراً سهلاً، مضيفاً: "في ناس كتير فاكرة أنها لما تشتغل في مجال الخردة هتتحول للحاج عبد الغفور البرعي بسرعة، وده طبعاً مش صح".

يضيف عميرة أن هناك أباطرة في مجال تجارة الخردة حالياً في مصر، وأن أشهرهم في الوقت الحالي هو الحاج مهاب، الذي تشبه قصته قصة عبد الغفور البرعي في مسلسل لن أعيش في جلباب أبي، مؤكداً أنه كان صبياً فقيراً يعمل لدى أحد التجار الكبار، وبعد سنوات بدأ عمله الخاص وأصبح أهم وأشهر تاجر خردة في مصر، "وأغنى من نجيب ساويرس" على حد قول عميرة.

ويتابع: "هناك 4 قصص لنماذج أخرى تشبه أيضاً قصة الحاج عبد الغفور البرعي، وهم زينهم إبراهيم المعروف بين صناع الخردة باسم "شحتة إمبابي"، و أشرف نصار، وأبناء تاجر الخردة عبد الشهيد، وأبناء تاجر الخردة غالب".

خريطة تجار الخردة

أشهر شارع في مصر لبيع الحديد الخردة هو شارع "باحثة البادية"، والذي يبدأ من شارع جسر البحر، وينتهي بشارع كورنيش النيل بالقاهرة. في هذا الشارع عشرات المخازن المتخصصة في الخردة، كما أن الشارع بؤرة لعمالة الأطفال، حيث توظف تلك المخازن العديد منهم مقابل 100 جنيه يومياً.

ولا يمكن لشخص جديد أن يبدأ العمل كتاجر خردة في الشارع بسهولة، لأن هناك عائلات تحتكر هذه المهنة ولا تسمح لشخص غريب بمنافستها، وأشهر تجار الشارع هم الحاج حمزة العسكري، والجحش، والصعيدي، وعلي هاشم...

هناك أيضاً سوق السبتية، وعزبة أبوحشيش، وعزبة شنن، وسوق الخردة بمنطقة المنشية، كما هنالك تجار الخردة في بعض شوارع شبرا الخيمة، وفي منطقة الحرفيين، وفى ميت حلفا التابعة لمحافظة القليوبية.

"كل تاجر خردة ناجح عمل صبياً (مساعداً) في فترة من حياته لدى تاجر آخر كبير”... هكذا يقول لنا تاجر حديد خردة. ما الذي نعرفه عن هذه التجارة في مصر؟ ومن هم أهم حيتانها؟ رصيف22 يرفع الستار عن هذا العالم الذي يعلوه “الصدأ” وتلمع فيه الأوراق النقدية

باحثة البادية، سوق السبتية، عزبة أبو حشيش، عزبة شنن، والمنشية... مناطق في القاهرة تضم أشهر أسواق تجارة حديد الخردة في مصر. فهل هناك حاج "عبد الغفور البرعي" (بطل مسلسل لن أعيش في جلباب أبي) حقيقي؟

وفي السنوات الأخيرة، واكبت تجارة الخردة في مصر التطور التكنولوجي فأصبح بعض تجار الخردة يستخدمون الإنترنت في تسويق بضاعتهم، من خلال صفحات خاصة على فيسبوك، والإعلان على مواقع متخصصة، مثل موقع أوليكس.

السعر حسب الحالة

يقول عميرة لرصيف22 إن حالة الحديد الخردة المستعمل هي التي تحدد سعره في السوق، شارحاً أن الحديد لو كان قديماً جداً ويتأكله الصدأ، يتدنى سعره إلى أقل من 8 جنيهات للكيلوغرام، أي نحو نصف دولار، في حين يصل سعر الطن منه إلى 8 آلاف جنيه. أما الحديد الذي يستخرج من مبانٍ هدمتها الدولة بسبب أنها لم تحصل على تراخيص مثلاً، فتكون حالته جيدة، ويصل سعره إلى نحو 10 آلاف جنيه للطن.

وبحسب إبراهيم السجيني رئيس قطاع المعالجات التجارية في وزارة التجارة والصناعة المصرية، لا توجد أرقام رسمية يمكن أن نعرف منها كميات الحديد الخردة في مصر أو حجم الاستثمارات المالية في هذه التجارة، نظراً لأن الكثير من أصحابها يعملون من دون ترخيص، لكنه يؤكد أن "تجارة الخردة تحقق لأصحابها مكاسب بالمليارات"، على حد قوله.

ويضيف السجيني في تصريح لرصيف22 أن الحكومة ستبدأ قريباً إعداد خريطة كاملة لتجارة الحديد الخردة في مصر، والعاملين فيه، والتثبت من أن الجميع يعملون بموجب ترخيص من الحكومة.

وكانت وسائل إعلام محلية قد ذكرت إن إنتاج مصر السنوي من الخردة قبل العام 2016 يزيد على 50 ألف طن، مضيفةً أن الاستثمارات في سوق الخردة تتجاوز الـ 30 مليار جنيه، لكن هذه الأرقام تجاهلت عشرات الآلاف من أطنان الخردة في ورش ومخازن سكك حديد مصر، والموانئ والمصانع، كما لم توضح تلك الوسائل الإعلامية مصادر الأرقام، وهذا ما جعل السجيني يشكك في صحتها، ويقول إنها قد تكون تقريبية، وقد تكون الأرقام الحقيقية أكبر من ذلك بكثير.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard