لا يمكن القول إن عملية استخراج السم من العقارب عملية سهلة، بل على العكس من ذلك تماماً فهي عملية معقدة وتصبح خطيرة أحياناً. في المقابل، يبقى لعملية استخراج السمّ جوانب إيجابيّة، باعتبارها مفيدة طبيًا للبشر، إذ يحوي السائل السام القاتل، على الكثير من المكونات ذات الاستخدامات الطبية إذا ما تمّ تفكيكها إلى جزيئات، وهي عملية مربحة اقتصاديًا. حالياً تبحث مصر عن مستثمرين لتنفيذ مشاريع متعلقة بإنشاء مزارع متخصصة في تربية العقارب وإنتاج السم، ويقول متخصصون في هذا الشأن إن المشروع قد يساهم في إنعاش الاقتصاد المصري، الذي يعاني من مشاكل عدة منذ ثورة يناير 2011، خصوصاً وأن سمّ العقارب يُعدّ من أغلى السوائل في العالم. مشاريع استخراج سم العقارب قد ترى النور في أكبر محافظات مصر، محافظة الوادي الجديد الواقعة جنوب غربي مصر، والتي تبعد عن القاهرة نحو 9 ساعات. ما يشجع المستثمرين المحتملين في الوادي الجديد، التي يغادر أغلب سكانها إلى القاهرة بحثاً عن فرص عمل، هو وجود مناطق صحراوية شاسعة لم تحظَ مثل أغلب المحافظات المصرية البعيدة عن العاصمة باهتمام حكومي كافٍ في السنوات الماضية. من هنا فكّر أحد مسؤوليها وهو يوسف مرزوق، رئيس أحد مراكز الوادي الجديد المعروف بـ"مركز باريس"، بإنشاء مزرعة للعقارب وإنتاج السم على مساحة 1000 متر. يقول مرزوق لرصيف 22 إنه طرح تصوراً كاملاً للمشروع منذ فترة على الحكومة المصرية، والتي بدورها رحبت به وعرضته بشكل مفصل أمام مجموعة من المستثمرين بهدف الاستثمار فيه.
أغلى من النفط
يتضمن المشروع المطروح، بحسب المسؤول المصري، مزرعة ضخمة للعقارب، إضافة إلى معمل متخصص في التحاليل وظيفته استخراج سم العقرب بطريقة علمية سليمة. وتستخدم المعامل العالمية المتخصصة تقنيات مختلفة لاستخلاص السم من العقارب، كي لا تسبب أضراراً للعقارب ولا تسبب بلدغ من يقوم باستخلاص السم. "يمكن لمثل هذا المشروع الفريد من نوعه أن يضمن فرص عمل لعدد كبير من الشباب المصري بشكل عام ولشباب مركز باريس بشكل خاص"، يقول مرزوق، كاشفاً أن رجال أعمال ومستثمرين تحمسوا للفكرة وقاموا بالفعل بزيارة المحافظة بهدف الاطلاع عن قرب على أرض المشروع. وعقب الزيارة، أعلنوا أنهم سيبدأون بالتنفيذ العملي خلال فترة قصيرة، كما حصلوا على كافة الموافقات اللازمة.تبحث مصر عن مستثمرين لتنفيذ مشاريع متعلقة بإنشاء مزارع متخصصة في تربية العقارب وإنتاج السم. محافظة الوادي الجديد هي الوجهة المحتملة، فكيف لذلك أن ينقذ الاقتصاد المصري؟
الأهمية الاقتصادية لمثل هذا المشروع يمكن استنتاجها حين نعلم أن سعر الغالون الواحد من سم العقارب يصل إلى نحو 39 مليون دولاريضيف مرزوق أن الأهمية الاقتصادية لمثل هذا المشروع يمكن استنتاجها حين نعلم أن سعر الغالون الواحد من سم العقارب يصل إلى نحو 39 مليون دولار، وهو ما يجعله أغلى حتى من النفط الذي تتفاخر دول كثيرة بإنتاجه. ويسعى المشروع إلى اصطياد وتجميع وتربية العقارب واستخلاص السم منها ثم تصديره إلى المراكز الطبية العالمية.
المستقبل للعقارب
مشروع مزرعة العقارب، الذي يحلم مرزوق بأن يتحول إلى واقع، ليس الأول من نوعه في المحافظة التي تحوي مساحات شاسعة من الصحراء غير مستغلة. قبل أسابيع، وبالتحديد في يونيو الماضي، رأى مشروع آخر مشابه النور في منطقة غربي الموهوب، إحدى مناطق المحافظة، على مساحة 200 فدان (حوالي كيلومتر مربع). وإذا تم الانتهاء من المشروعين، ستصبح الوادي الجديد أول محافظة داخل مصر تقوم بإنتاج السم بهدف استخدامه طبياً. ويعود اختيار الوادي الجديد لهذا النوع من المشاريع إلى شهرة المحافظة، والصحراء الغربية بصفة عامة، بوجود العقرب الأصفر الذي يُعد أخطر العقارب على حياة الإنسان والحيوان على حد السواء. وبحسب الصحافي الاقتصادي الحسيني حسن فإن المستقبل لهذا النوع من المشاريع. يشرح حسن قائلاً إن المشروع له فوائد اقتصادية في غاية الأهمية، فإلى جانب توفيره لفرص العمل، يساعد مصر على تقليل التكلفة التي تتكبدّها مقابل استيراد سموم العقارب من الخارج، بالإضافة إلى المكاسب المتوقعة من تصديره للخارج وتحديداً لجهة الموارد بالعملات الأجنبية الداخلة إلى السوق المحلي. يكمل حسن لرصيف 22 موضحاً أن "مصر تحوي مساحات شاسعة غير مستغلة من الأراضي الصحراوية، وهذه المساحات تحوي أعدادًا كبيرة من العقارب التي يمكن أن تؤذي البشر أو تهدد المشاريع الحيوانية أو الزراعية، لذلك تربية العقارب ستكون مفيدة جداً نتيجة استغلال مخلوقات سامة لم نفكر أبداً من قبل في الاستفادة من سمها".ما أهمية سم العقرب؟
يقول الطبيب حمدي عبد الغفار، استشاري علاج السموم، إن مراكز الأبحاث العالمية تستخرج سم العقارب لتستخدمه في تحضير أدوية عديدة، منها علاجات السرطان وبشكل خاص سرطان المخ والروماتيزم وبعض الأدوية الأخرى. ويضيف الطبيب المصري، في حواره مع رصيف22، إن واحدة من المشاكل التي تواجه عالمنا اليوم هي مقاومة المرضى للمضادات الحيوية. ويتابع أن أهمية العقارب الرئيسية تكمن في قدرتها على إنتاج جزيئات من المضادات الحيوية تحميها ضد البكتيريا، وبالتالي فإن سم العقارب الذي تكفي قطرة واحدة منه لقتل إنسان يمكن أن يوفر لعالمنا الجزيئات التي نحتاجها للقضاء على البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية لإنقاذ حياة الملايين. ويلفت عبد الغفار إلى أن العقارب، رغم اختلاف ألوانها وأشكالها، تتفق في أن سمّها صالح علمياً للاستخدامات الطبية ولكن عن طريق مراكز الأبحاث المعتمدة حصراً.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...