أثار اختيار لجنة ترشيح الأفلام الإيرانية لأوسكار 2020 الفيلم الوثائقي "البحث عن فريدة" إنتاج عام 2018 وإخراج الثنائي آزاده موسوي وكوروش عطائي، الكثير من الانتقادات في الداخل الإيراني، فعلى الرغم من أن قصة الفيلم الإنسانية تعكس جدارته للترشح إلى أهم الجوائز السينمائية العالمية فإن اعتراض صناع الأفلام في إيران جاء مبالغاً فيه.
خبر ترشيح ليلي "كالانقلابات العسكرية"
وصف المخرج الإيراني سعيد روستائي مخرج أحد أهم الأفلام التي كان من المتوقع ترشيحها إلى الأوسكار "المتر بستة ونصف" ترشيح الوثائقي "البحث عن فريدة" لأوسكار 2020، بالانقلاب العسكري، فالخبر المفاجئ جاء بعد منتصف الليل على موقع العلاقات العامة لمنظمة السينما الإيرانية قبل شهر من الموعد المعتاد لترشيح الأفلام في إيران ودون مقدمات اعتادتها الأوساط الفنية من نقاشات وتصريحات قبل هذا الإعلان.
الهدوء والتكتم على اجتماعات اللجنة المعنية بالترشيح أثارا حفيظة العاملين على بقية الأفلام. سبعون فيلماً تقدم لهذه اللجنة اختارت منها قائمة من عشرة أفلام مميزة أهمها "النفايات المحببة" للمخرج محسن امير يوسفي ويتحدث عن احتجاجات عام 2009 من وجهة نظر غير رسمية، و "القنبلة، قصة حب" للمخرج بيمان معادي الذي تدور أحداثه عن الحب في وقت الحرب والهرب من الموت، و"العقول الصغيرة الصدئة" للمخرج هومن سيدي الذي يتناول حياة الفقراء العاملين في جمع النفايات.
جرأة في الاختيار أم هروب من مشاكل المجتمع
اختارت اللجنة من الأفلام العشرة ثلاثة لدراسة ترشحها إلى أوسكار 2020 وهي "قصر شيرين” للمخرج رضا ميركريمي ويتناول مساوئ الغضب وتأثيره في الحياة الأسرية و"المتر بستة ونصف" للمخرج سعيد روستائي ويتناول قصة تفشي المخدرات والفساد في السلك القضائي في إيران والأخير هو الفيلم الوثائقي الوحيد المشارك "البحث عن فريدة" والذي وقع عليه اختيار الترشيح.
حصلت أغلب الأفلام الإيرانية العشرة المرشحة داخلياً للوصول إلى أوسكار 2020 على جوائز محلية وإقليمية، وحظيت بإعجاب الجمهور لطرحها قضايا اجتماعية تلامس هموم المواطن الإيراني، لكن اللجنة فضلت اختيار نوع آخر من الأفلام برؤية إنسانية أوسع مفاجئة النقاد والوسط السينمائي ومثيرةً للشكوك. مدير لجنة اختيار الأفلام رائد فريدزاده رأى أن ترشيح وثائقي "البحث عن فريدة"يأتي ضمن سياسة الاهتمام بالأفلام الوثائقية في إيران ودعم صناعها، ومن جهة ثانية يخاطب نوعاً خاصاً من متابعي السينما ويمكن أن يحصل على حظوظ أفضل دولياً"
هذا الاختيار الجريء من المعنيين في إيران لفيلم وثائقي سيخوض منافسات دولية لقي ترحيباً خاصاً على رغم كل الانتقادات، فبرأي بعض محبي السينما في إيران أن اختيار هذا الفيلم سيقدم صورة جديدة إيجابية عن صناعة السينما الإيرانية.
فريدة والبحث عن الهوية
يتابع الفيلم الوثائقي "البحث عن فريدة" قصة سيدة هولندية من أصول إيرانية في مطلع عقدها الرابع تبحث عن جذورها وعائلتها الحقيقية بعد أن عاشت حياتها في أمستردام في كنف زوجين هولنديين تبنياها عام 1976 أي قبل الثورة الإسلامية، لم تكن فريدة تتجاوز أشهرها الستة عندما تركتها عائلة ما في مرقد الإمام الرضا في مدينة مشهد لتنقل بعدها إلى الميتم ثم تحظى بتبني عائلة أجنبية مقيمة في طهران آنذاك.
يتابع الفيلم الوثائقي الإيراني "البحث عن فريدة" قصة سيدة هولندية من أصول إيرانية تبحث عن جذورها في إيران بعد أن عاشت حياتها في أمستردام في كنف زوجين هولنديين تبنياها عام 1976 أي قبل الثورة الإسلامية
نجح الفيلم في توثيق قصة إنسانية بعيداً عن إثارة عواطف المشاهدين، فما تبحث عنه فريدة لم يكن عائلة فقط بل هوية لا تعلم كيف اشتاقت لها، هوية زرعت في لون بشرتها وشكل عينيها، فوجئت فريدة بثلاث عائلات تدعي أنها ابنتها ويمضي الفيلم معها في رحلة البحث عن الحقيقة
تكتشف فريدة باكراً اختلافها العرقي عن بقية زملائها في أمستردام. تخبرها عائلتها أنها من بلد آخر في الأصل، تعارض عائلتها سفرها مراراً إلى بلدها الأم إيران، لكن فريدة تجد عبر مدونتها على الإنترنت وسيلة لتتواصل مع أبناء وطنها الأم، تمضي في بحثها الجاد عن بعد إلى أن يتواصل معها المخرجان الشابان آزاده موسوي وكوروش عطائي، فتقرر القدوم إلى إيران بحثاً عن عائلتها وهويتها الحقيقة.
نجح المخرجان في توثيق هذه القصة الإنسانية بعيداً عن إثارة عواطف المشاهدين، فما تبحث عنه فريدة لم يكن عائلة فقط بل هوية لا تعلم كيف اشتاقت لها، هوية زرعت في لون بشرتها وشكل عينيها، فوجئت فريدة بوجود ثلاث عائلات تدعي أنها ابنتها ويمضي الفيلم معها في رحلة البحث عن الحقيقة.
يتمكن الفيلم من رصد تفاصيل الفوارق بين فريدة ومن يمكن أن يكونوا أهلها، مروراً بالظروف التي ترسم سلوك الإنسان ومصيره، والمدن التي عاشت فيها، فالفيلم يبدأ من أمستردام إحدى اكثر المدن حريةً في أوروبا إلى مشهد المدينة الإيرانية الملتزمة دينياً والصارمة في قوانينها، ترصد عدسة المخرجين الحياة المرفهة التي عاشتها فريدة في هولندا وتلك التي تعيشها عائلات بسيطة في قرى خراسان.
نجاح فيلم "البحث عن فريدة" يكمن في نضوج شخصية فريدة واستعدادها لتقبل ثقافتها الأصلية المجهولة واحترامها لكل محبة أظهرتها العائلات الثلاث من دون أن تشكك فيها، ولا سيما أن كل عائلة أقرت بترك الطفلة بكامل إرادتها في المرقد.
تقول المخرجة آزاده موسوي "أن ما جذبها إلى صناعة هذا الفيلم هو خصوصية فريدة كإنسانة وجدت في ذاتها جانباً شرقياً لم يرَ النور بعد، لكنه أيقظ فيها الحب لما هو مجهول".
"البحث عن فريدة" فيلم إنساني يبتعد عن الشعارات العرضية ويحافظ عل توازنه بين الدمعة والابتسامة، بين تفاصيل الفيلم ومحوره الأصلي، بين لحظات الأمل والخذلان، بين الهوية التي تبحث عنها فريدة والملاك الناجي الذي تبحث عنه تلك العائلات في عودة فريدة. وما يميزه هو الدافع الإنساني الذي رصده، فالقصة ليست لقاء ابنة مع عائلتها بقدر ما هي عثور إنسان على هويته وانتمائه اللذين جسدهما الفيلم في المشهد الأخير لفريدة وهي تكنس أوراق حديقة منزلها بهدوء وطمأنينة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...