يؤمن الفنان التشكيلي المصري محمد عبلة أن الكاريكاتير فن لم يأخذ حقه كاملاً حتى اليوم في العالم العربي، لذلك شاء لفت نظر الجميع لهذا الفن المشاغب وأهميته، فأسس أول متحف للكاريكاتير في العالم العربي بمحافظة الفيوم البعيدة عن القاهرة.
قضى الفنان محمد عبلة سنوات طويلة يجمع لوحات الكاريكاتير من أرشيف الصحف والمجلات المصرية والعربية، وحملها كلها في سيارة ضخمة وقرر أن يبتعد بها عن القاهرة بزحامها الشديد وضجيجها، مؤمناً بأن من حق الناس خارج العاصمة أن يكون لهم متاحف تميز مدنهم، خاصة إذا كانت هذه المدن بمنأى عن اهتمام الحكومة التي تتعامل بمنطق أن القاهرة أولى من غيرها بكل المشاريع الفنية والثقافية.
عبلة هو فنان مصري من مواليد العام 1953، تخرج في كلية الفنون الجميلة بمحافظة الإسكندرية الساحلية، وأكمل دراسته في النمسا وسويسرا، وعاد إلى مصر في العام 1983، وهو مهتم بأعمال الجرافيك والتصوير الزيتي. حصل على العديد من الجوائز المحلية والدولية، على رأسها الجائزة الكبرى لبينالى الإسكندرية الدولى في العام 1977 وله مقتنيات بمتحف الفن الحديث في القاهرة والمتحف البريطاني.
على أرض قرية تونس المصرية
في قرية تونس الواقعة بالقرب من بحيرة قارون في محافظة الفيوم، اختار عبلة أن ينشئ متحفه، في مبنى بسيط مبني على الطراز الفيومي، وهو أسلوب قديم يستخدم الطين والقباب بطريقة تسمح للمبنى بأن يظل بارداً في الصيف ودافئاً في الشتاء، وعلى حوائطه وضع عبلة لوحات الكاريكاتير، ووزعها بطريقة فنية.
واختار عبلة تونس تحديداً لإقامة المتحف بسبب أنه يحبها، ويعيش فيها منذ سنوات طويلة، لذلك أراد أن يقترن المتحف باسمها.
ويحتوي المتحف الذي تصل مساحته إلى 350 متراً على نحو 500 عمل أصلي لتاريخ الكاريكاتير، ويتكون من 5 غرف، وفيه أبرز أعمال رسامي الكاريكاتير من مختلف العصور.
يوثق المتحف لفن الكاريكاتير من العام 1927 حتى اليوم، من خلال مئات اللوحات التي جمعها عبلة لفنانين كثر، منهم صلاح جاهين، وجورج البهجوري، وجمعة، وفرحات، ومخلوف، واللباد، وتاج، وحجازي، وعفت، وعناني، وعمرو سليم، ونسرين بهاء، وأمينة، ودعاء العدل، كما يضم المتحف أعمالاً لعدد من رسامي الكاريكاتير الأجانب الذين عاشوا في مصر مثل بارزتار وسانتيس وغيرهما.
يقول عبلة لرصيف22 إن حلمه هو أن يوضع متحفه على خرائط السياحة المصرية، وأن يتذوق المواطنان المصري والعربي فن الكاريكاتير ويعرفا قيمته جيداً، وأضاف: "كان مهماً أن أرسخ فكرة أن الحياة الثقافية والفنية في مصر يجب أن لا تتمحور داخل القاهرة دون سواها، فمصر ليست العاصمة وحدها، والمصريون لا يعيشون في العاصمة فحسب، بل في جميع أنحاء مصر، ومن حق سكان باقي المدن والمحافظات أن يجدوا مراكز ثقافية ومتاحف في ربوعهم"، ويكمل عبلة أن أهم المراكز الثقافية في العالم المتقدم هي بعيدة عن العواصم، حتى تعطي السكان والسياح الفرصة لزيارة أماكن أخرى غير العاصمة.
أول متحف للكاريكاتير في العالم العربي يوجد في مصر ويوثق لأهم الرسوم الساخرة بريشة فنانين مصريين وأجانب محتفياً بتاريخ السخرية السوداء قافزاً على حواجز الممنوعات التي تكاثرت في الآونة الأخيرة
الكاريكاتير أقرب لمرآة تعبر عن الواقع السياسي والاجتماعي الذي تمر به المجتمعات وهو وسيلة تمكّن الباحثين من التعرف على اهتمامات الناس في أي بلد في حقبة محددة… جولة في أول متحف للكاريكاتير في العالم العربي
واليوم يزور المتحف عدد كبير من الباحثين وعشاق الفن من العرب والأجانب، كما زاره معظم الفنانين المصريين ورسامي الكاريكاتير وسفراء دول عدة، منها أمريكا، والصين ،والهند، والدنمارك، وهو ما يعتبره عبلة نجاحاً كبيراً، قائلاً إن "المتحف برغم بساطته جذب شخصيات مرموقة إلى محافظة لطالما كانت منسية".
ملتقى الباحثين والمهتمين بالفن
يؤكد عبلة أنه قام بمجهود كبير لجمع هذا العدد من اللوحات، التي يقول إنها كانت في طريقها للاندثار قبل توثيقها، ويتابع أن حوائط المتحف تزينت بأقدم وأفضل ما رسم فنانو الكاريكاتير منذ عام 1927 حتى اليوم، لافتاً إلى أن مصادره في جمع مقتنيات المتحف وافرة، أهمها أرشيف المجلات القديمة المتخصصة في فن الكاريكاتير مثل المطرقة، والكشكول، والشعلة، وروز اليوسف، وصباح الخير، والبعكوكة.
يبيّن عبلة أن هدفه الأساسي كان توثيق أهم رسوم الكاريكاتير المصرية والعربية، حتى يصبح المتحف أقرب لأكاديمية يُدرس فيها فن الكاريكاتير.
ويرى عبلة أن للكاريكاتير أهمية كبيرة لأنه أقرب لمرآة تعبر عن الواقع السياسي والاجتماعي الذي تمر به المجتمعات، مشدداً على أنه وسيلة تمكّن الباحثين من التعرف على اهتمامات الناس في أي بلد في حقبة محددة.
أخيراً، أصبح المتحف المصدر الأساسي لجميع طلاب الماجستير والدكتوراه في الفنون، إذ يجدون على جدرانه التراث الفني محفوظاً. ويتضمن كل عمل اسم الرسام والتاريخ. ويؤكد عبلة أنه سيستمر حتى آخر يوم في عمره في توثيق الإبداع الذي رسمته أنامل فناني مصر والعالم العربي، بحسب قوله.
ويدعو جميع فناني الكاريكاتير المصريين والعرب إلى إهداء نسخ من لوحاتهم الكاريكاتورية إلى المتحف، الذي يحوي إبداعات فنانين من دون حدود أو قيود، مؤكداً أن متحفه مفتوح لكل المبدعين وأن هناك مساحة فيه لكل عمل فني أراد صاحبه أن يوثقه للتاريخ.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...