شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
نجوتُ من الموت وطفتُ العالم بـ

نجوتُ من الموت وطفتُ العالم بـ"موتوسيكل"... حديث مع الرحالة إبراهيم النجدي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رود تريب

الأحد 8 سبتمبر 201906:59 م

منذ ما يزيد عن أربعة أعوام، كان ضابط الشرطة إبراهيم النجدي ورفاقه يؤدون خدمتهم في واحدة من أكثر المناطق المحفوفة بالمخاطر في مصر، وهي العريش، وتعرّضوا على حين غرّة إلى انفجار أودى بحياة البعض، ومُنِيَ الآخرون بإصابات بالغة تركت بداخلهم جُرحًا زاد من وجيعته فقدُ الأصدقاء.

قدّر الله للنجدي أن يكون من بين الناجين. تلك النجاة وتبعاتها أعادت له حلم التجوال، والخروج من شرنقة محافظة دمياط، مستقلًا دراجته البخارية، والطواف في أرجاء مصر، ثمّ السعودية، وبعض دول إفريقيا، حتى حقّق أحد أحلامه بالوصول إلى أعلى نقطة في العالم، ورفع علم بلاده على قمّتها. وفي حواره لـ"رصيف 22" يسرد إبراهيم النجدي صاحب الواحد والثلاثين عامًا كواليس رحلاته بحلوها ومرها.

رصيف 22: بداية، حدّثنا عن أول مرّة قررت فيها أن تصبح رحالة يجوب البلاد، وأين كانت أولى جولاتك؟

إبراهيم النجدي: عام 2015 تعرّضت لحادث أثناء تأدية عملي كضابط شرطة بالعريش، وعلى إثره تدهورتْ حالتي النفسية؛ لكن التفكير في أنني ما زلت حيًا أعادني إلى رشدي، واعتبرتُها رسالة من عند الله كي أفعل الشيئين الأقرب إلى قلبي، وهما: "الموتوسيكل"، والسفر.

كان أحد أحلامي أن أذهب إلى السعودية لأداء العمرة مستقلًا دراجتي البخارية، وتحقق ذلك الحلم عندما هاتفني عمر منصور ليُخبرني أن المملكة بصدد إقامة bike show على أراضيها، ورُشّح مصريون لحضور ذلك. وعانينا في البداية لأن الذهاب البري إلى السعودية كان ممنوعًا

في ذلك الوقت كنتُ قد تعرّفت على عمر منصور، وهو أول رحالة مصري يجوب البلدان بدراجة بخارية منذ تسعينيات القرن الماضي، وبدوره شجّعني على خوض أول رحلة قمتُ بها، وبلغت فيها ثلاثة آلاف كيلومتر. وضعتُ حقائبي على دراجتي آنذاك، وبدأت من محافظتي دمياط، ثم الأقصر وأسوان، وبعد ذلك دخلت طريق الشيخ الشاذلي، ثمّ حلايب وشلاتين، ومنها إلى مرسى علم، فالقصير، مرورًا بالغردقة، والعين السخنة، والسويس، وبورسعيد، ثم العودة مرة أخرى لدمياط.

قبل عامين قرأتُ لافتة مكتوب عليها: "أنت الآن في أعلى مكان بالعالم"، وبعدها عرفت أنها قمم جبال الهمَلايا في الهند. قلت لنفسي: "لمَ لا تذهب إلى هناك بالموتوسيكل، وتضع علمَ مصر إلى جوار غيره من الأعلام؟" 

- ما سبب إعادتك لنفس الرحلة بخطّ سيرها مرة أخرى؟

- الرحلة الأولى عرّفتني أن مصر بها جمال لا نعلم عنه شيئًا، ولابدّ من اكتشافه بأنفسنا؛ فقرّرت التجهيز للرحلة الثانية التي بلغت ستة آلاف كيلومتر، ثمّ أضفت إليها واحات سيوة، والفرافرة، والداخلة، والخارجة، انتهاء بواحة باريس، والأخيرة قليلون فقط من يعرفونها، حيث تقع على الحدود بين مصر وليبيا. وكلّ هذا كان في اثني عشر يومًا فقط.

- بدا لي من حديثك أن رحلتك الثانية كانت أكثر عُمقًا؛ كيف كانت مشاهداتك بها؟

- الواحات كانت عالمًا مصريًا آخر لا أعرفه. الناس مختلفون، ويمتازون بكرم الضيافة. أتذكر أنني وقفت في واحة باريس، فوجدتُ رجلًا يسألني: من أنت؟ فأجبتُه: أنا رحالة، آتٍ من مكان بعيد، ولا أعرف أي شيء هنا. فأخذني إلى بيته في منتصف الليل، وفي ذلك الوقت المتأخر استيقظتْ زوجته وشرعت في طهي أشهى الأطعمة، ثمّ ترك لي مُتسعًا أنام فيه.

- وماذا عن أولى رحلاتك خارج مصر؟

- كان أحد أحلامي أن أذهب إلى السعودية لأداء العمرة مستقلًا دراجتي البخارية، وتحقق ذلك الحلم عندما هاتفني عمر منصور ليُخبرني أن المملكة بصدد إقامة bike show على أراضيها، ورُشّح مصريون لحضور ذلك. وشرعنا في إعداد الإجراءات، وعانينا في البداية لأن الذهاب البري إلى السعودية كان ممنوعًا، بالإضافة إلى بعض التضييقات من قِبل الحكومة المصرية التي كانت على وشك إنهاء الحلم برمّته؛ ولكن تمّ حلّ الأمر بعد ذلك بتواصل الجهات المعنية في البلدين، وأصبحنا أول معتمرين يذهبان إلى المملكة بموتوسيكل، وأجرينا رحلة استكشافية هناك مدّتها ثلاثة عشر يومًا، قُدنا فيها ثمانية آلاف كيلو بدراجتينا.

- هل عملك كضابط شرطة يعرقل رحلاتك؟

- عملي كضابط شرطة بمنطقة بعيدة مثل العريش يبعدني عن الالتزام بالعمل بشكل يوميّ، فيُقسَم الشهر إلى نصفين، خمسة عشر يومًا إجازة ومثلهم عمل. وخلال فترة الإجازات أخدم بلدي من خلال جولاتي على دراجتي البخارية، بمجموعة من الرحلات التي أدّخر لها مبلغًا ماليًا كلّ عام؛ لكن الأزمة تكمن في قرار أخير أصدرته وزارة الداخلية، مفادّه أن التصريح بالسفر لضابط الشرطة لا يكون إلا مرّة واحدة في العام.

- جولتك في الهند تحمل قصة ملهمة؛ ما هي كواليسها؟

- قبل عامين قرأتُ لافتة مكتوب عليها: "أنت الآن في أعلى مكان بالعالم"، وبعدها عرفت أنها قمم جبال الهمَلايا في الهند. قلت لنفسي: "لمَ لا تذهب إلى هناك بالموتوسيكل، وتضع علمَ مصر إلى جوار غيره من الأعلام؟" وبالفعل أعددت للرحلة ثمانية أشهر، ووقفتْ أمامي عقبة أنه لا يوجد طريق برّي يربطنا بالهند، سوى المرور بإسرائيل، وهو أمر مستحيل حدوثه.

 الجهات الرياضية في مصر لا تعترف بالدراجات البخارية، والحكومات لا تهتمّ بفكرة الرحالة

ففكّرت أن أتواصل مع شركة شحن لنقل الدراجة، ولكنني عرفت أن تلك العملية ستكلفني تسعين ألف جنيه. فلم أجد حلًا سوى السفر جويًا، وهناك استأجرتُ دراجة، طُفت بها أربعة آلاف وخمسمائة كيلومتر، تتمحور جميعها حول جبال الهملايا صعودًا وهبوطًا، وحقّقتُ حلمي بوضع علم مصر على قمّتها، وكنتُ أول مصري يفعل ذلك.

- رحلتك إلى إفريقيا كانت الأخيرة؛ ما السبب وراء ذلك؟

- عندما حصلتْ مصر على حقّ تنظيم بطولة الأمم الإفريقية، فكّرت أن أجوب عددًا من دول القارّة السمراء، فاخترتُ بحيرة "فيكتوريا" مركزًا لجولاتي بها، وتجوّلت بكينيا وأوغندا وتنزانيا، لكن ما حدث معي في الهند من صعوبات في السفر بدراجتي تكرّر في هذه الرحلة أيضًا، واستأجرتُ "موتوسيكل" من كينيا، لكن تلك الرحلة لم يُقدَّر لها أن تكتمل عندما تعرّضتُ لحادث على إثره كُسِر حوضي وكتفي ويدي اليسرى، أقعدني ذلك ثلاثة أشهر على كرسيّ متحرك، وحتى الآن ما زلت أعاني من آثارها وبسببها توقّفت رحلاتي مؤقتًا.

- ما الذي ستفعله فور تعافيك؟

- أفكر في شيئين؛ الأول، أن أُكمل رحلة إفريقيا، وأجوب دول القارّة السمراء للتعرف أكثر عليها؛ والثاني أن أشحن دراجتي للمغرب، ومن هناك أقوم برحلة أوروبية وأصل إلى أقصى نقطة بها في القطب الشمالي بالنرويج.

- ما الذي تحتاجه لتنتشر رحلاتك؟

- الجهات الرياضية في مصر لا تعترف بالدراجات البخارية، والحكومات لا تهتمّ بفكرة الرحالة. كل ما أحتاجه هو مموّل لرحلاتي؛ ولكن للأسف إن الممولين مشغولون بالمطربين ولاعبي الكرة!

- لو دونت ما رأيتَه في رحلاتك، أيّ القصص ستبرزها للمطّلع عليها؟

- أعجب ما رأيتُ كان في واحة سيوة. لديهم تقليد اسمه "عيد السياحة"، أو ما يسمونه عندهم "عيد الصلح"، وفكرتُه بدأت عند انقسام الشرقيين والغربيين هناك، فظهر شيخٌ صوفي يدعى العارف باللّه، وقرر توحيد القبيلتين بطريقة أصبحت عادة تقام سنويًا حتى الآن، وذلك عندما جمع كبيرَ الشرقيين بنظيره الغربي، واقتسم رغيفَ خبز يابس، وأعطى كلًا منهما شطره، ومن بعدها عُقد نسب بينهما فاختلط الدّم، وذاب الخلاف.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image