شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
اجتماعات بين العراق ومصر والأردن تثير تساؤلات...

اجتماعات بين العراق ومصر والأردن تثير تساؤلات... "محور جديد" لفك ارتباط بغداد بطهران؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 9 أغسطس 201905:50 م

لم تتضح تماماً بعد أهداف التقارب الجديد بين مصر والأردن والعراق، في ظل اجتماعات عدة عُقدت على مستوى قادة الدول الثلاث والوزراء، منذ مطلع العام الجاري. 

قد يكون من أبرز ملامح هذا التكتل الجديد أنه ظهر محايداً في أزمة الخليج، إذ اكتفى في بيانه من بغداد قبل أيام، بالدعوة إلى خفض التوتر من دون أن يدين أي طرف، كما شدد على أهمية تنسيق المواقف في المحافل الدولية والإقليمية.

من جهة أخرى، اتفق وزراء الخارجية خلال لقائهم في العراق على التعاون في مجال مكافحة الإرهاب وعبّروا عن تمسك دولهم بمبادرة السلام العربية لحل القضية الفلسطينية وضرورة تفعيل الدور العربي في سوريا.

وكان ممثلو الدول الثلاث قد اتفقوا في كانون الثاني/ يناير الماضي على تأسيس سوق عربية مشتركة للكهرباء، وفي أيار/ مايو، جرى الاتفاق على العمل لتعزيز التكامل والتعاون الاقتصادي والتجاري والطاقة، ضمن خطة زمنية محددة.

وقد دفعت هذه الاجتماعات والاتفاقات المراقبين لطرح تساؤلات حول ما إذا كانت ستؤدي إلى تأسيس حلف سياسي ثلاثي الغرض منه قيام مصر والأردن بدفع العراق نحو فك الارتباط مع إيران، أو ما إذا كانت بغداد ستدفع القاهرة وعمان إلى البقاء على الحياد في الأزمة الخليجية، أو أن الأمر يقع بين الحدين.

أهداف المحور الجديد

يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة حسن نافعة: "هدف الدول الثلاث يبدو رص الصفوف بعيداً عن التجاذبات الإقليمية الحالية، ومحاولة ترتيب البيت العربي مرة أخرى"، لافتاً إلى أن هذا التكتل يُعد المحاولة الأولى من القاهرة وعمان لتعويض بغداد عن الدمار الذي سببته بعض الدول العربية منذ الغزو العراقي.

ويوضح نافعة لرصيف22 أن الدول الثلاث تضع مسعى جديداً في المنطقة هدفه "خفض التوتر الحالي بين الخليج وإيران، وجمع الشمل العربي، بدلاً من الانخراط في تحالفات تهدف لخدمة إسرائيل ومصالح أمريكا".

من جانبه، يؤكد المحلل السياسي الأردني الدكتور منذر الحوارات أن الحديث عن وجود تحالف بمعنى التحالف السياسي الواسع هو أمر سابق لأوانه كثيراً، ولا يزال في طور الإعداد، ولذلك "يمكن أن نطلق على هذا التعاون اسم تجمع أو تكتل، علماً  أن هدف الدول الثلاث هو تشكيل تحالف قوي يخلق توازناً في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً مع إيران وتركيا".

ويقول الحوارات لرصيف22: "لكل دولة من الدول الثلاث أسبابها القوية للدخول في هذا التكتل الجديد، خصوصاً العراق". 

ويربط المحلل السياسي الأردني حاجة العراق إلى مصر والأردن بامتلاكهما طاقات بشرية وإمكانات لوجستية تدعم عملية إعادة إعماره لا سيما أن العقوبات الأمريكية على إيران حرمت أو ربما منعت بغداد من التبادل النقدي مع طهران إلا من تحت الطاولة، وبرأيه "هذا لا يجدي في بناء العراق، وهو ما يدفع الأخير للبحث عن بدائل للإيرانيين".

أما بالنسبة إلى مصر، فيرى الحوارات أن "القاهرة هي قمة الهرم الإقليمي العربي وهي المعادل الإقليمي الثالث لتركيا وإيران، والمعادل الحقيقي لإسرائيل، كما أنها تبحث عن استعادة نفوذها، لذا تحتاج إلى الضلع الرابعة في الخليج وهي العراق وحين يحدث التحام بين بغداد والقاهرة سيستعيد العراق دوره في ظل التوتر الحالي في منطقة الخليج ويكون حلقة توازن فيها".

ويُذكّر الحوارات أن الوضع الاقتصادي الأردني والضغط الأمريكي الذي ربما يمنع المساعدات في حال عدم قبول عمان صفقة القرن، جعلا المملكة تبحث عن دعم اقتصادي من خلال شركاء آخرين، لذلك ستكون الشراكة الاقتصادية المصرية والعراقية دعماً لها في أية لحظة حرجة.

اجتماعات عدة بين مصر والأردن والعراق منذ بداية العام كان آخرها قبل أيام، طرحت تساؤلات حول أهداف "التكتل الجديد"... هل هو دفع العراق نحو فك الارتباط مع إيران، إبقاء القاهرة وعمان على الحياد في الأزمة الخليجية، أو هو أمر بين الحدين؟ 
"لكل دولة من الدول الثلاث أسبابها القوية للدخول في هذا التكتل الجديد"... العقوبات الأمريكية، صفقة القرن، المصالح الاقتصادية، استعادة مصر لنفوذها هي بعض أسباب التنسيق بين القاهرة وبغداد وعمان، والموقف السعودي محل تساؤل

وعلى المستوى الأمني، يقول الباحث في شؤون الحركات الإسلامية ماهر فرغلي إن التعاون بين العراق ومصر بالغ الأهمية للقاهرة في مجال مكافحة الإرهاب، وذلك من أجل ملاحقة المصريين الذي انضموا لتنظيم داعش والحصول على معلومات مع من يجري التحقيق معهم من التنظيم. 

في المقابل، يرى فرغلي أن مصر، على عكس علاقتها مع العراق، لا تعول على "هذا التحالف" في ملاحقة جماعة الإخوان في الأردن الذي يسمح لعناصرها بالمشاركة في العمل السياسي.

ورقة الصادرات والواردات

يصف أردنيون العراق بأنه رئة الاقتصاد الأردني الذي شهد انهياراً كبيراً بعد سيطرة تنظيم داعش على جزء من العراق عام 2014، إذ اضطرت عمان إلى إغلاق حدودها معه، وهذا ما أدى إلى انخفاض الصادرات إلى الأردن بنسبة 68% في العامين التاليين 2015 و2016.

وعادت الصادرات الأردنية للعراق إلى مستوياتها قبل عام 2003، حيث نمت خلال عام 2018 بنسبة 5.8 في المئة لتتجاوز 500 مليون دولار.

وفي يوليو الماضي، كشف رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي عن أن حكومته شرعت في درس خيارات مطروحة لتصدير النفط عبر موانئ الأردن أو سوريا وعدم الاعتماد على المنافذ الجنوبية في البصرة والمطلة على الخليج العربي الذي يشهد توتراً غير مسبوق. 

ونقلت صحيفة "الغد" الأردنية في آذار/ مارس الماضي أن العراق يدرس مد خط النفط مع الأردن ليصل إلى مصر بدلاً من انتهائه في العقبة، وأن الجانب العراقي يتواصل مع القاهرة في هذا الشأن.

ووفقا لصحيفة "الأهرام"، شهدت الصادرات المصرية إلى بغداد وعمان ارتفاعاً كبيراً، إذ بلغ حجم التجارة بين مصر والأردن خلال العام الماضي حوالي 700 مليون دولار، منها 556 ‏مليوناً صادرات مصرية و144 مليوناً واردات من الأردن، في حين بلغ حجم التجارة بين مصر والعراق خلال العام الماضي حوالى 486 مليون دولار، منها ‏‏479 مليوناً صادرات مصرية و7 ملايين واردات من العراق.‏

فك الارتباط بين إيران والعراق

بالعودة إلى مسألة فك الارتباط بين العراق وإيران، يرى الحوارات أن الولايات المتحدة تشجع على مثل هذا الخطوة، وبالتالي فهي ترحب بالتشابك الثلاثي بين مصر والعراق والأردن، ولا سيما على الصعيد الاقتصادي مع العراق لأنه يعني التحرر من اعتمادها على إيران.

ويشرح الحوارات: "تفكيك هذا الارتباط أمر صعب حالياً، لكن الآن تولد اقتناع لدى النخبة العراقية، حتى الشيعية منها، مفاده أن إيران ليست صديقة ودودة للعراقيين وهي تحاول استثمار الأيدولوجية الشيعية والحالة العراقية الممزقة وغياب الإدارة السياسية لتنشىء ميليشيات وتعزز سياسات عقائدية تمعن في تفكيك النسيج العراقي خدمة لمصالحها".

ويضيف: "العراق هو العنصر الذي يستطيع موازنة الوجود الإيراني إستراتيجياً لأن دول الخليج، وإن امتلكت السلاح المتقدم، لا تستطيع موازنة إيران بسبب العامل السكاني والديموغرافي... وعلى سبيل المثال، فإن قوات دول الخليج مجتمعة لا تتجاوز 300 ألف مقاتل في حين يبلغ جيش إيران أكثر من 400 ألف. أما العراق الذي يبلغ عدد سكانه نحو الـ40 مليوناً فيستطيع تحقيق هذا التوازن".

من جهة أخرى، يتوقع الحوارات أن تسعى إيران لعرقلة الوجود العربي في العراق بأية وسيلة، معلقاً أن "مصر لا ترى في إيران عدواً لكن النفوذ الإيراني في العراق لا يتفق مع طموحاتها بل يُعتبر منافساً لهما، والقاهرة تريد شريكاً عراقياً كاملاً لذلك ستعمل على تأمين استقلاله".

"التكتل الجديد سيفشل بكل تأكيد إذا حصر هدفه بمواجهة مع طهران، لأن الروابط بين إيران والعراق صلبة، وليس بمقدور مصر ولا الأردن تعويضها، لذلك يجب أن تتبع الدولتان إستراتيجية طويلة الأمد لجذب العراق إلى البيت العربي".

بدوره، يرى نافعة أن التكتل الجديد سيفشل بكل تأكيد إذا حصر هدفه بمواجهة مع طهران، لأن الروابط بين إيران والعراق صلبة، وليس بمقدور مصر ولا الأردن تعويضها، لذلك يجب أن تتبع الدولتان إستراتيجية طويلة الأمد لجذب العراق إلى البيت العربي. 

وفي الحصيلة، لا بد من الأخذ في الاعتبار أن العراق لن يدخل في أية مواجهة مع طهران، حسب نافعة.

موقف السعودية من التكتل الجديد

في الاجتماع الأخير في بغداد، طالب وزراء الخارجية بخفض التوتر من دون إدانة إيران لاحتجاز بعض السفن أو استهداف 4 سفن في ميناء الفجيرة الإماراتي، وهو مؤشر قد يكون مزعجاً للمملكة العربية السعودية.

في هذا السياق، يقرأ الحوارات البيان بأنه "محاولة من الدول الثلاث إعطاء التكتل صبغة اقتصادية وأمنية بالدرجة الأولى وليس طابعاً سياسياً، وهي لا تريد العودة إلى التجمع الرباعي الذي كان يعقد بين مصر والعراق واليمن والأردن، كي لا تثير حفيظة مجلس التعاون الخليجي، وخاصة السعودية". 

ويضيف الحوارات: "التحفظ السعودي يأتي كذلك نتيجة محاولة الرياض السابقة تشكيل نواة لقوة عسكرية ("ناتو عربي") بغية مواجهة محاولة الهيمنة الإيرانية على الخليج، وهو ما رأت فيه مصر خطوة غير مفيدة مفضلة عدم الانخراط ، وها هي اليوم تدخل تجمعاً أحد أطرافه على علاقة وثيقة مع إيران".

لا يوافق نافعة على قراءة الموقف السعودي في هذا السياق، فهو يرى أن هذا التكتل قد يكون محل رضى من السعودية التي ستعمل على دعمه لأنه يساهم في تحقيق أحد أهدافها، وهو تقليل اعتماد العراق على إيران، مشيراً الى أن الولايات المتحدة ستدفع الرياض أيضاً نحو دعم الدول الثلاث لأن التكتل يحقق أهدافها ما لم يحاول الأخير الاستقواء على السياسات التي تخدم إسرائيل.

وإلى اليوم، لم تعلق المملكة العربية السعودية على التحالف الجديد الذي يضم مصر، أحد أهم حلفائها في المنطقة، والتي تعهد رئيسها عبد الفتاح السيسي الدفاع عن أمن الخليج، مطلقاً تصريحه الشهير "مسافة السكة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image