بحسب الطبيب المصري طارق محمد، استشاري ومدرس الطب النفسي بكلية الطب جامعة عين شمس المصرية، فإن الحزن في السنوات الأخيرة يسيطر على نسبة غير قليلة من المصريين، مؤكداً أن العدد الأكبر من المترددين إلى عيادته تتشابه مشاكلهم بدرجة كبيرة، وأبرزها عدم شعورهم بالسعادة.
ولسنوات طويلة عُرف الشعب المصري بأنه شعب يعشق الضحك، ويقبل بحماسة كبيرة على مشاهدة المسرحيات الكوميدية، كما كانت تحقق الأفلام السينمائية الكوميدية نجاحاً كبيراً في دور العرض المصرية، لكنْ أخيراً تغيرت الأمور، ولم يعد الذهاب إلى المسرح من عادات الشعب الذي عرف بأنه "ابن نكتة" مثلما كان في الماضي، في حين باتت أفلام الإثارة والأكشن والتراجيديا هي التي تجذب المصريين لدور العرض السينمائي لا الأفلام الكوميدية.
يقول محمد لرصيف22 إنه يمكن وصف الشخصية المصرية في السنوات الأخيرة بأنها شخصية غير سعيدة، إذ يسيطر عليها عدم التفاؤل، والنظرة السوداء للمستقبل، معتبراً أن غالبية المصريين يعيشون يومهم بصعوبة شديدة، ولم يعودوا يحلمون بغدٍ أفضل، ولا يستطيعون الهروب من عشرات المشاكل الاقتصادية التي تحيط بهم.
لكنه يوضح أن هناك فرقاً كبيراً بين الحزن والاكتئاب، فالأول شعور حياتي يمر به الكثيرون وغالباً لا يحتاج لعلاج كيميائي، ويحدث بسبب ضغوط مجتمعية عدة، في حين أن الاكتئاب في بعض درجاته مرض شديد الخطورة، ويحتاج إلى علاج وإشراف متخصص.
ويرجع محمد السبب الرئيسي لحزن الكثير من المصريين إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الملايين منهم، خصوصاً بعد ثورة يناير 2011، لكنه يلفت إلى أن الأزمة الكبيرة ظهرت في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد القرارات الاقتصادية التي اتخذتها حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وفي العام 2016 عوّمت مصر عملتها الرسمية، وتلت ذلك قرارات صعبة، أبرزها غلاء الأسعار ورفع الدعم عن سلع وخدمات أساسية، منها الكهرباء والمياه والوقود.
وفي أيار/مايو الماضي، أعلن البنك الدولي في واحد من تقاريره المتعلقة بمصر، أن البلد الذي بدأ شراكةً معه عام 2015 بهدف تنفيذ إصلاحات اقتصادية، ارتفعت معدلات الفقر فيه إلى نحو 60% بعدما كانت 30%، في السنوات السابقة.
وبحسب التقرير، فإن نحو 60% من السكان فقراء أو عرضة للفقر، مشيراً إلى وجود تباينات جغرافية كبيرة في معدلات الفقر، إذ تبلغ 7% في محافظة بورسعيد على سبيل المثال، و 66% في بعض محافظات الصعيد، جنوب مصر.
وفي وقت لاحق، وبالتحديد في 30 تموز/يوليو الماضي، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ارتفاع معدلات الفقر في البلاد لتصل إلى 32.5 في المئة من عدد السكان في نهاية العام المالي 2017/ 2018، مقابل 27.8 في المئة لعامي 2015 و 2016.
حينذاك، قالت وزيرة التخطيط المصرية، هالة السعيد، إن السبب الرئيسي في ارتفاع معدلات الفقر بنسبة 4.7 في المئة بين عامي 2016 و 2018، هو تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي في الفترة نفسها، وهذا ما تطلب تكلفة دفعها المجتمع والدولة، بحسب قولها.
يقول الطبيب المصري طارق محمد لرصيف22 إنه يمكن وصف الشخصية المصرية في السنوات الأخيرة بأنها شخصية غير سعيدة، إذ يسيطر عليها عدم التفاؤل، والنظرة السوداء للمستقبل.. لماذا غابت الضحكة عن وجوه المصريين؟
"السبب الرئيسي لحزن الكثير من المصريين يعود إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الملايين منهم في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي"... هكذا يقول طبيب نفسي لرصيف22
وأخيراً، حذر أطباء مصريون كثر من الحزن الذي بات يشعر به المصريون، على سبيل المثال خرج الدكتور مجدي يعقوب، جراح القلب العالمي، في أيار/مايو الماضي، ليعلن أن هناك أبحاثاً علمية عدة توصلت إلى أن السعادة تطيل العمر، والحزن يقصره أكثر من ضغط العمل، محذراً المصريين من أن مرورهم بحالة حزن شديدة قد يؤدي إلى انفجار القلب.
وكانت دراسة تم الكشف عن نتائجها في نيسان/أبريل الماضي قد بيّنت أن الناس باتوا يعانون من مشاعر الغضب والقلق والحزن في جميع أنحاء العالم، وأن معدلات الأحاسيس السلبية آخذة في الارتفاع.
"شعب حزين بطبعه"
من جانبها، لا تحمّل فدوى عبد المعطى أستاذة علم الاجتماع نظاماً سياسياً بعينه المسؤولية عن الحزن الذي يظهر على ملامح المصريين، قائلة إن الحزن موجود في الشخصية المصرية منذ القدم، وإن الشعب المصري حزين بطبعه، معتبرةً أن التاريخ يبيّن أن المصريين يميلون إلى الحزن أكثر منهم إلى الفرح.
وتلفت عبد المعطى أن أبرز ما تركه قدماء المصريين من آثار هو مقابر وأشياء تمهد للحياة الأخرى، كما أن المصريين منذ القدم حتى اليوم حين يضحكون يجدون أنفسهم يرددون بشكل تلقائي "خير اللهم اجعله خير"، وكأنهم يخشون من الفرح ويتوقعون أن حزناً سيأتي بعده.
تكمل خضر أن الكثير من المصريين يحبون الأغاني الحزينة، ويشعرون أنها تعبر عنهم، كما أن أشهر أفلام السينما المصرية تحكي قصصاً حزينة لا قصصاً كوميدية، خصوصاً الكلاسيكية منها.
اضحك الصورة تطلع حلوة
تحكي مصورة الشارع المصرية فتحية السيسي أنها كانت حين تنزل للشارع لالتقاط صور ، تلاحظ أن الناس سعداء، وكان هذا يظهر في ابتساماتهم الدائمة التي لم تفارق وجوههم، مضيفة أن سبب ذلك ربما الثورة التي كانت تمثل لهم أملاً وطريقاً جديداً للحرية.
وتكمل أنه مع التغييرات العكسية التي حدثت في مصر في السنوات الماضية، وأبرزها غلاء الأسعار وانتشار الظلم بات الناس يكلمون أنفسهم وهم في الطرق، وغابت الابتسامة عن الوجوه، وحل الحزن محلها، وتضيف: "بعدما كان الناس يطلبون أن ألتقط لهم صوراً وهم يضحكون، أصبحوا يخافون حين يرون الكاميرا، ويقولون لي ماذا ستفعلين بصورنا. فقد أصبح الحزن سيد الموقف".
"حين أخبر الناس أنني مصورة صحافية وأرغب في أن التقط لهم صوراً، يرفضون ذلك، ويطلبون أن أصور أطفالهم وهم يلعبون. غابت الفرحة عن وجوه المصريين لكنها لم تغب عن وجوه أطفالهم، الذين لم يكتشفوا العالم بعد ولا يعرفون ما ينتظرهم في هذا البلد"، تختم فتحية حديثها لرصيف22.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين