حينما تُمرِر الأفلام الأمريكية رسائل مُبطنة، مشوشة الأهداف… القصة وما فيها أن هناك فيلماً أمريكياً سيصوّر في العاصمة الأردنية عمّان قريباً يدّعي أحقية اليهود بمدينة البتراء وجنوب الأردن وفلسطين المحتلّة.
كُشف هذا الأمر يوم 27 تموز/يوليو الجاري حينما أعلن الممثل الأردني علي عليان انسحابه من فيلم Jaber (جابر)، نظراً إلى أن "السيناريو يُثبت حق اليهود بفلسطين ويؤكد أن لهم الحق التاريخي في البتراء وجنوب الأردن بحوار صريح ومباشر"، وفقاً لبيان نشره على فيسبوك.
ولفت عليان إلى أنه تناقش مع مخرج الفيلم بالأفكار المطروحة، ليقول له إنها حقائق تاريخية وإن الفيلم سينفذ كما هو مكتوب لأنه لن يعرض في العالم العربي بل في أمريكا.
وتابع عليان في بيانه: "سألني سؤالاً صريحاً: ألا تؤمن بالأفكار التي يطرحها الفيلم؟، قلت له: لا طبعاً لا اؤمن، قال: إذن لن نستكمل العمل معاً، قلت: نعم لن أعمل بهذا الفيلم".
وانسحب كذلك الممثل الأردني تامر بشتو، راوياً أن أحداث الفيلم تدور حول قصة شاب مراهق يجد قطعة من حجر أثري مكتوب عليها باللغة العبرية. يقرر حينها أن يبيعها إلى عالم آثار إنجليزي يسعى لتجميع الآثار بطريقة غير مشروعة، بهدف إخراجها من الأردن للبحوث وإثبات أنها تعود لليهود، مشددين على وجودها في وادي موسى.
ولخص بشتو إنه الأحداث طويلة، بقوله إن هناك تلميحاً "بأن سكان المنطقة جهلة ويبيعون أي شيء يقع في يدهم مقابل أي مبلغ زهيد، وإنه بإمكان علماء الغرب أن يسرحوا ويمرحوا ويعرضوا على مواقعهم أي شيء، ويثبتوا مدى ارتباطه بالدين اليهودي وذلك بحوارات اخذت حيز كبير من النص المكتوب".
أما مخرج الفيلم، محي الدين قندور، فقال بحسب قناة المملكة الأردنية، إن انسحاب عليان يعود إلى أنه يريد "دوراً قيادياً" لم يحصل عليه، مضيفاً أن "لا صحة لكل ما قيل بشأن إعطاء الفيلم أحقية لليهود في مدينة البترا".
من المسؤول؟
طالبت نقابة الفنانين الأردنيين مساء 27 تموز/يوليو بعدم المشاركة في الفيلم والانسحاب منه حتى "توضح الصورة" عبر قراءة معتمدة للنص، معتبرةً أن "الاحتلال الصهيوني يخترق الأمن الثقافي والفني الأردني".
ودعت النقابة جميع أعضاءها لمراجعتها عند اختيارهم المشاركة في الأعمال الأجنبية قبل بدء العمل بها. ولفتت إلى أنه "إن تأكّد الموضوع، فإنه ينذر باستمرار هذا العبث، والمستغل لسقف الحرية والمناخ الآمن وتحت شعار الأحقية والتاريخ".
"هناك تلميحاً في الفيلم بأن سكان البتراء جهلة ويبيعون أي شيء يقع في يدهم مقابل أي مبلغ زهيد"... ما قصة الفيلم الذي يصوّر على الأراضي الأردنية، ويدّعي أحقية اليهود بالبتراء وجنوب الأردن وفلسطين المحتلّة؟
بينما تتشدد الرقابة على الأعمال المحلية، يتبيّن أنه لا توجد رقابة على كل عمل غير أردني يصور في الأردن… من المسؤول عن الفيلم الأمريكي الذي يدّعي أحقية اليهود بالبتراء وجنوب الأردن وفلسطين المحتلّة؟
وفيما يقول نقيب الفنانين الأردنيين حسين الخطيب إن الهيئة الملكية للأفلام هي الجهة المخولة بمنح تصوير المسلسلات والأفلام الأجنبية في المملكة دون العودة للنقابة، أوضحت الهيئة الملكية في وقت سابق، أن دورها يقتصر على تشجيع الإنتاج المحلي واستقطاب الإنتاج الأجنبي في البلد وتسهيل التصوير، كما أنه لا يوجد دور رقابي لها، بحسب قانون إنشائها.
وبناء على ذلك، تضيف الهيئة: "لا ننظر في النص أو السيناريو. لكن هذا لا يعني أننا نتنصل من مسؤولياتنا بل أننا نلتزم بالمهام المناطة بنا".
قد نستنتج في هذه النقطة، أنه بينما تتشدد الرقابة على الأعمال الفنية المحلية التي تصوّر وتعرض في الأردن، لا توجد رقابة على كل عمل غير أردني يصور في الأردن.
ما تسببه ازدواجية التعامل
يمكننا التطرق إلى مسلسل "جن" الأردني، لتحليل ما قد تُسببه هذه الازدواجية في التعامل، إذ بات المسلسل الأشهر عربياً على شبكة نتفليكس بعدما ضجّت الأردن في حزيران/يونيو الماضي واصفةً إياه بـ"الإباحي" بسبب بعض المشاهد "المنافية للعادات الأردنية"، بما في ذلك مشاهد التقبيل وشرب الكحول وتعاطي المخدرات واستخدام الكلمات البذيئة، التي تُحكى في الشارع الأردني، ولكن يُرفض تقديمها في عمل فنّي عربي عالمي لأنها "لا تمثل الشعب الأردني".
تعرّض فريق العمل عند عرضه إلى حملة غير مسبوقة من الشتائم والانتقادات بين روّاد التواصل، وهو ما دفع الشبكة لأول مرة لإطلاق بيان تقول فيه إنها "لن تتهاون مع الألفاظ الجارحة لطاقم العمل".
وتسببت هذه البلبلة على مواقع التواصل بتبرؤ العديد من الجهات من هذا العمل. ففيما قدمت الهيئة الملكية للأفلام تسهيلات وتصاريح لمنتجي مسلسل جن بالتعاون مع مفوضية سلطة إقليم البتراء الجهة المعنية بإدارة شؤون المنطقة والذي نُفذ المسلسل فيه، قامت الأخيرة بإصدار بيان تتبرأ به من المسلسل بعد الساعات الأولى من عرضه، محملة الهيئة الملكية للأفلام مسؤولية منح الموافقات على تصويره، ومتوعدة باتخاذ "إجراءات لردع المسؤولين".
وأصدر مدعي عام عمان، آنذاك قراراً بإيقاف بث المسلسل بعدما خاطب الهيئة الملكیة للأفلام وھيئة المرئي والمسموع (هيئة الإعلام)، ونفتا مسؤوليتهما إذ قالت هيئة الأفلام إنها "لا تنظر في النص أو السيناريو".
بينما قالت هيئة الإعلام بدورها إن مثل هذا الإنتاج لا يدخل ضمن صلاحياتها وفقاً لأحكام قانون الإعلام المرئي والمسموع النافذ، مؤكدةً أن لها الحق فقط في الرقابة على "المصنفات من المسلسلات والأفلام التي يراد عرضها على القنوات الفضائية المحلية ودور العرض داخل المملكة، بشرط أن تكون جاهزة للعرض".
وفي مثل هذه المواقف، تتبرأ كل جهة من مسؤوليتها، وتقذفها على الجانب الآخر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...