"قد ينظر المصريون إلى القانون كإهانة للجنسية التي يحملونها، باعتبار أنها تباع وتشترى"... هذا ما يقوله مراقبون عن إقرار مجلس النواب المصري مشروع قانون أعدته الحكومة ويقضي بتعديل بعض أحكام قانون الجنسية القديم، في السابع من يوليو، إذ فتح باب التساؤلات حول كونه محاولة لمقايضة الجنسية المصرية بمقابل مادي.
في الوقت نفسه، يتخوف البعض من ارتباط القانون الجديد بالخطة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط، والمعروفة بـ"صفقة القرن"، بينما يشدد آخرون على أنه جزء من سياسة الدولة الهادفة إلى تهيئة الظروف الملائمة والمستقرة لتشجيع الاستثمار الأجنبي من أجل دعم الاقتصاد.
وبحسب مشروع القانون الذي لن يسري قبل توقيع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عليه، تُمنح الجنسية للأجنبي بحال اشترى عقاراً مملوكاً للدولة أو لغيرها من الأشخاص الاعتباريين العامين، أو أنشأ مشروعاً استثمارياً، أو أودع مبلغاً مالياً بالعملة الأجنبية كإيرادات مباشرة تؤول إلى الخزينة العامة للدولة، أو كوديعة في حساب خاص بالبنك المركزي.
يأتي المشروع الجديد الذي يصفه البعض بـ"مشروع بيع الجنسية"، في وقت لم تعد الجنسية المصرية الخيار الأول لشريحة من المصريين. فبجولة سريعة على محركات يمكن العثور على قرارات لوزارة الداخلية تسمح لمواطنين بالتخلي عن جنسيتهم مقابل التجنس بجنسية بلد آخر.
وزاد عدد المصريين الحاصلين على موافقات للهجرة والحاصلين على جنسية أخرى بنسبة 10.6% في عام 2018، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وبلغ عدد المصريين الذين اكتسبوا جنسيات أجنبية 2694 شخصاً، مقابل 2231 في 2017، أي بزيادة 15.6%.
قد ينظر المقيمون في الداخل إلى مشروع القانون على أنه إهانة للجنسية التي يحملونها، باعتبار أها تباع وتشترى، حسبما يؤكد الباحث عمار علي حسن لرصيف22.
ويضيف الباحث المصري أن مصر على مدار تاريخها كانت مركزاً لاستقطاب جاليات عربية وأجنبية، وحصل العديد من أبنائها على الجنسية قبل ظهور قوانين منحها، بحكم الإقامة وغير ذلك، وأثروا على الحياة المصرية في مختلف جوانبها.
ربح مستهدف من جيوب الوافدين
تنص المادة 4 مكرر من مشروع القانون على دفع مقدم طلب التجنس رسماً قيمته 10 آلاف دولار أمريكي أو ما يعادلها بالجنيه المصري بموجب تحويل بنكي من الخارج، وعلى أن يتم البت في طلبه بصفة مبدئية في موعد أقصاه ثلاثة أشهر من تاريخ تقديمه، مع مراعاة اعتبارات الأمن القومي. وفي حالة الموافقة المبدئية على الطلب من رئيس مجلس الوزراء، يمنح حق الإقامة المؤقتة في مصر لمدة ستة أشهر، تُستكمل خلالها الإجراءات اللازمة لاستصدار القرار النهائي.
ويرجح عمار علي حسن أن يكون الربح المادي هو الدافع وراء فكرة القانون، مشيراً إلى أن مَن أقدموا عليه يضعون نصب أعينهم أن مثل هذا القرار قد يؤدي إلى ضخ أموال في الخزينة المصرية، بحكم أن مصر وجدت نفسها في الـ15 سنة الأخيرة قبلة لعدد كبير من اللاجئين العرب والأفارقة، ما جعل سلطاتها تعتقد أنهم قد يشكلون مصدر دخل إضافي للدولة، بحال منحهم الجنسية بدلاً من الإقامة.
ووفقاً لأرقام البنك المركزي المصري، بلغ حجم صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر 17 ملياراً و411 مليون دولار في الربع الثاني من العام المالي 2018/ 2019.
وبحسب وزارة الاستثمار، بلغ عدد الموضوعات المعروضة على لجنة فض المنازعات منذ فبراير 2017 حتى مايو 2018، نحو 55 موضوعاً، بقيمة 18.7 مليار جنيه.
ويشدد عمار عمار علي حسن على ضرورة عدم تناول الأرقام الخاصة بأوضاع الاقتصاد والاستثمار داخل الدولة دون تحليل مضمونها، منوهاً إلى أن زيادة الاستثمار الأجنبي، دون أن تتعلق بعملية إنتاجية، قد تكون صورية أو مضللة، خاصة إذا كانت القروض التي تحصل عليها الدولة تدخل ضمن هذه الميزانية، ويشير إلى وجود موارد ومنابع للحصول على العملة الأجنبية داخل البلاد، على رأسها إنعاش سوق السياحة، ووجود سلع تصديرية تدر العملات الأجنبية.
وبرأيه، "جذب الاستثمار يجب أن يضمن آليات أخرى اقتصادية، ليس من بينها التطرق لموضوع الجنسية أو حتى تقديم تسهيلات وحوافز استثمارية بحتة، بل يتطلب الأمر تهيئة المناخ العام لجذب الاستثمارات، وتقليل القيود على الحريات العامة، واستقلال القضاء خاصة في المنازعات مع الدولة، فضلاً عن توفير العمالة المدربة، ومراعاة حقوقها، حفاظاً على أملاك المستثمرين".
اللاجئون... لا أوراق للإقامة ولا أموال للجنسية
لم يمر مشروع قانون الجنسية بدون جدل حوله، إذ ظهرت أصوات معارضة له، من بينها النائب مصطفى كمال الدين حسين الذي أبدى تخوفه من عدم وضوح صياغته وعدم تحديده قيمة العقارات أو المشروعات الاستثمارية أو الودائع الممنوحة بموجبها الجنسية، ما قد يمثل "ثغرة يحصل من خلالها الأجانب على الجنسية مقابل استثمارات وهمية بمبالغ ضئيلة، أو بمشروعات لا تمثل أولوية في احتياجات المواطنين"، حسبما قال لرصيف22.
يأتي مشروع قانون منح الأجانب الجنسية المصرية في وقت لم تعد هذه الجنسية الخيار الأول لشريحة من المصريين... ومصريون ينظرون إليه "كإهانة للجنسية التي يحملونها، باعتبار أنها تباع وتشترى"
نواب يرون أن صيغة مشروع قانون الجنسية المصرية الحالي قد تحقق حلم إسرائيل بتفريغ فلسطين من أبنائها، عبر منحهم حوافز للحصول عليها، وهو ما قد يخدم بدوره المشروع الأمريكي بشأن حل القضية الفلسطينية
ما يعزز مخاوف النائب هو عدم إعلان الحكومة خريطة واضحة للاستثمار الأجنبي المتوقع داخل الدولة، في الوقت ما يزال المستثمر في مصر غارقاً في أزمات الروتين والبيروقراطية، ما قد يعطل مشروعات كثيرة من الممكن أن تساهم في تحسين الوضع الاقتصادي.
النائب ذاته اقترح أيضاً إدخال تعديل على مشروع القانون، ينص على عدم منح الجنسية للمتورطين في قضايا إتجار بالبشر، أو غسيل أموال، أو إتجار بالمخدرات أو الأسلحة، وغير ذلك من العمليات غير المشروعة، تفادياً لما قد يثار من شبهات حوله.
لكن وزير شؤون مجلس النواب عمر مروان يؤكد أن منح الجنسية جوازي وليس وجوبياً، وأن مبلغ الـ10 آلاف دولار هو رسوم لتقديم الطلب، ولا يتمتع مَن اكتسب الجنسية بأية حقوق سياسية لمدة خمس سنوات، وعلى الرغم من إقرار مشروع القانون حق منح الجنسية، إلا أنه أعطى مجلس الوزراء حق سحبها من مكتسبيها.
في ما خص اللاجئين المتواجدين على الأراضي المصرية، يوضح عمار علي حسن أن "السوريين واليمنيين منخرطون في تجارة الأغذية والمأكولات، وكذلك الليبيين والعراقيين، واللاجئون الأفارقة يدخلون في العديد من مجالات التجارة داخل الدولة، وعدد منهم يقطن شوارع كاملة، خاصة في مناطق أكتوبر ومدينة نصر وأرض اللواء".
وتنص قوانين العديد من الدول على منح أي شخص يقيم في دولة لمدة محددة جنسيتها، دون دفع أية أموال أو رسوم، وهذه فكرة يراها علي حسن أكثر حصافة من "بيع الجنسية"، كما يلفت إلى أنه يمكن منح حق الوجود داخل الدولة على شكل إقامة دائمة كحل وسط تفادياً لإشكالية الحديث عن بيع "الجنسية".
وبالنظر إلى المستفيدين من مشروع القانون، يجلس اللاجئون في الصفوف الأخيرة.
يحكي رئيس الهيئة العامة لشؤون اللاجئين السوريين، تيسير النجار، لرصيف22 أن كثيرين من السوريين داخل مصر يسعون إلى توفيق أوضاعهم سواء بالحصول على إقامة دائمة أو مؤقتة، بينما يقف القانون الأخير بشأن منح الجنسية عائقاً أمام حصول الراغبين منهم عليها، نظراً لاشتراطاته المادية "الباهظة" التي لا تساعد على توفيرها ظروفهم المادية الصعبة.
ويقيم النجار في مصر منذ سبع سنوات دون الحصول على أوراق إقامة حتى الآن. وبحسب إحصاءات الهيئة لم يتقدم أي سوري بطلب للتجنس بالجنسية المصرية في السنوات الأخيرة، سوى مَن يحملون أصولاً مصرية وسافر آباؤهم أو أجدادهم إلى سوريا في وقت سابق، قبل أن يعودوا إلى مصر بعد اندلاع الحرب في بلدهم.
واللاجئ، بحسب النجار، حينما يرغب في الحصول على جنسية دولة ما يضع في أولوياته أن يفتح جواز سفرها الطريق أمامه للتنقل بين معظم دول العالم، لذا يفضل معظم السوريين الولايات المتحدة وأستراليا وكندا والدول الأوروبية، كوجهات رئيسية لهم، فيما يلجأ آخرون إلى دول عربية لاعتبارات أخرى.
ويشير النجار إلى أن معظم اللاجئين السوريين لا يمتلكون مبلغ الرسوم المطلوبة لتقديم طلب الحصول على الجنسية المصرية، في الوقت الذي لا يسمح القانون المصري لهم بفتح حسابات بنكية قبل الحصول على الإقامة، والتي قد تستغرق ما يزيد عن ستة أشهر، وتنتهي في فترة وجيزة.
ويتابع: "نحن خرجنا من بلادنا في أوضاع غير طبيعية، وإلى هذه اللحظة جميع اللاجئين في مصر يتم التعامل معهم على أنهم سائحين، ولم تعدل القوانين لاستيعاب طبيعة وضعهم الخاص".
"صفقة القرن"... تساؤلات ومخاوف
في جلسة 7 يوليو لمناقشة مشروع القانون، وصفه النائب هيثم الحريري بأنه "باطل يراد به باطل" ويضع مصر على المحك، رافضاً ما أسماه "ربط الاقتصاد بالاستثمار مع الجنسية".
وقال الحريري إنه كان من المفترض على الحكومة قبل التقدم بمشروع القانون دراسة الأثر التشريعي له، وحجم إمكانية دخول المستثمرين إلى مصر في الأساس، مضيفاً أن الجنسية المصرية "بعدما كانت بوديعة قدرها 7 ملايين جنيه، باتت بـ10 آلاف دولار، وأي وحدة سكنية حتى ولو فوق سطح"، وتساءل: "هل الأمر له علاقة بصفقة القرن؟".
رفض مجلس النواب مقترح مصطفى كمال الدين حسين منع منح الجنسية المصرية للفلسطينيين والإسرائيليين، رغم تحذيره من استغلال إسرائيل لهذه الثغرة للتوغل في الداخل المصري، ما قد يؤثر على الأمن القومي للبلاد.
واعتبر حسين أن الصيغة الحالية لمشروع القانون قد تحقق حلم السلطة الإسرائيلية بتفريغ فلسطين من أبنائها، عبر منحهم حوافز للحصول على الجنسية المصرية، وبالتالي تفريغ الصراع العربي الإسرائيلي من مضمونه، وهو ما قد يخدم بدوره المشروع الأمريكي بشأن حل القضية الفلسطينية.
النائب مصطفى بكري، المعروف بولائه للسلطة، أبدى هو الآخر تخوفه من صياغة مواد مشروع القانون تماشياً مع أهداف مشروع الشرق الأوسط الجديد، وطالب بعدم منح الجنسية إلا لمَن عاشوا على أرض مصر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...