يملك الأشخاص ذوو الإعاقة في لبنان الحقّ في التعليم بدون تمييز. غير أن الحكومة، بعد 19 عاماً من ضمان هذا الحقّ في القانون رقم 220، لم تتخذ الخطوات الضرورية لتنفيذه بالكامل. وقد تؤدي موازنة لبنان الجديدة، والتي وافق عليها مجلس الوزراء في 27 مايو/أيار وأحيلت إلى الهيئة العامة لـ"مجلس النواب" في 9 يوليو/تموز، إلى مزيد من التراجع. على البرلمان مراجعة الموازنة وضمان الحقوق الأساسية للأطفال ذوي الإعاقة، وليس الإمعان في تهميشهم.
يملك الأطفال ذوو الإعاقة الحقّ الإنساني الأساسي المتمثل بعدم التمييز ضدهم، بما في ذلك الذهاب إلى المدارس غير المخصّصة لذوي الإعاقة. غير أن "هيومن رايتس ووتش" وجدت أن نظام التعليم الرسمي اللبناني يميّز ضد الأطفال ذوي الإعاقة، وغالباً ما يحرمهم من القبول في المدرسة بسبب إعاقتهم. أما القلّة منهم الذين يتمكنون من التسجيل في المدرسة، فلا يحصلون على التعليم الجيد الذي يستحقون بسبب افتقار المدارس عادة للتسهيلات المعقولة، مثل تعديل قاعات الدراسة وإنشاء مبانٍ يمكنهم دخولها بسهولة.
العديد من الأطفال ذوي الإعاقة لا يذهبون إلى المدرسة بتاتاً، أو مسجّلون في مؤسسات تمارس الفصل، ومموّلة من وزارة الشؤون الاجتماعية، وليس من صلاحياتها تأمين التعليم. ووجدنا أن الموارد التعليمية في العديد من هذه المؤسّسات رديئة النوعية، وتفتقر للإشراف، وتعتمد على آليات تقييم رديئة لا تحظى باعتراف رسمي، ما يثير مخاوف كثيرة حول قدرة هذه المؤسسات على الالتزام بحقِّ الأطفال في التعليم.
شدّدت اللجنة الأممية المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على أن "التعليم الشامل لا يتوافق مع إيداع الأشخاص ذوي الإعاقة في مؤسسات". غير أن الموازنة المقترحة تخفّض تمويل المدارس الرسمية بدل زيادته لجعل المدارس أكثر شمولاً، في حين أنها تزيد تمويل المؤسّسات التي تعزل الأطفال ذوي الإعاقة عن محيطهم، دون أن تقدّم إليهم التعليم الذي يحتاجون.
حلّلنا مشروع قانون الموازنة للعام 2019 الذي صادق عليه مجلس الوزراء وسُرِّب إلى الإعلام قبل إدخال لجنة المال والموازنة تعديلاتها عليه. وجدنا أن مشروع القانون يرصد لوزارة التربية والتعليم مبلغاً أقل بـ138 ألف دولار أمريكي – 30% أقل – من العام 2018، لتجهيز المدارس الابتدائية والثانوية، بما في ذلك الأجهزة التقنية والتجهيزات اللازمة للأطفال ذوي الإعاقة. وستُخفَّض الميزانية المرصودة لإنشاء أبنية مدارس يمكن للأطفال ذوي الإعاقة دخولها بنسبة 25%. ومن غير الواضح ما إذا كانت لجنة المال والموازنة، التي أجرت بعض التعديلات على الموازنة، قد راجعت هذه الأرقام.
يملك الأشخاص ذوو الإعاقة في لبنان الحقّ في التعليم بدون تمييز. غير أن الحكومة، بعد 19 عاماً من ضمان هذا الحقّ، لم تتخذ الخطوات الضرورية لتنفيذه بالكامل
قالت لنا رئيسة "اتحاد المقعدين اللبنانيين" (وهو مجموعة مناصرة ودعم)، سيلفانا لقيس، إن الوصول إلى المدارس هو الحاجز الأهم أمام التعليم الشامل. وأضافت أنه مع أن القانون 220 يفرض على الدولة إتاحة الوصول إلى الأبنية الرسمية، لم ترصد الحكومة أي ميزانية لهذا الهدف، والمدارس التي يمكن للأشخاص ذوي الإعاقات الجسدية الوصول إليها قليلة جداً.
وجد مسح أجراه الاتحاد في 2009 أن 5 من أصل 997 مدرسة رسمية تمّ مسحها في بيروت وجبل لبنان، تستوفي جميع معايير الوصول إلى المباني الحكومية في لبنان. وبحسب تقرير نشرته "اليونسكو" في 2013، لم تجعل وزارة التربية والتعليم العالي إلا 5 مدارس رسمية متاحة للأشخاص ذوي الإعاقة في البلد بأكمله. أظهر بحثنا في 2018 أن الوضع لم يتحسّن.
قالت لقيس إن الحكومة لم تقدّم التسهيلات اللازمة للطلاب ذوي الإعاقة لإجراء الامتحانات الرسمية في يونيو/حزيران. وقالت إنها تعرف أن ثلاثة طلاب على الأقل سجّلوا إعاقتهم مسبقاً لدى الجهات المعنية، كما هو مطلوب، لكنهم اكتشفوا يوم الامتحان أنه ليست هناك أي تسهيلات لهم.
في هذه الأثناء يزيد قانون الموازنة المقترح الأموالَ المرصودة لبرامج وزارة الشؤون الاجتماعية بنحو 39%. وبحسب موقع الوزارة الإلكتروني، يوجّه بعض هذه البرامج الطلاب ذوي الإعاقة إلى المؤسّسات التي تمارس الفصل. غالباً ما تفاقم العزلة التمييز ضد هؤلاء الطلاب، غير أن وزارة الشؤون غالباً ما تراجعت عن التزاماتها المالية نحو هذه المؤسّسات، ما تسبّب بإغلاق بعضها وتخفيض بعضها الآخر لبرامجها بشكل كبير.
في حين أنه من الضروري أن تقدّم وزارة الشؤون الاجتماعية خدمات الدعم اللازمة لتلبية احتياجات تنموية للأطفال ذوي الإعاقة، فإن ضمان حقّ هؤلاء الأطفال في التعليم الشامل هو من مسؤولية وزارة التربية. يجب أن تترافق خدمات وزارة الشؤون مع سياسة تلغي الاعتماد على المؤسّسات المخصّصة فقط للأطفال ذوي الإعاقة، وتتضمّن تعليم هؤلاء الأطفال في المدارس التي لا تفصلهم عن الآخرين.
يجب ضمان خيارات وفرص فعلية للأطفال ذوي الإعاقة للتسجل في المدارس العادية إذا اختاروا ذلك، والحصول على تعليم جيد بالتساوي مع الأطفال من غير ذوي الإعاقة. كلما ازداد التفاعل بين الأطفال ذوي الإعاقة والأطفال الآخرين، يقلّ التهميش الذي يعاني منه الأطفال ذوو الإعاقة في لبنان اليوم، كما يساعد على إزالة الوصمة الثقافية حول الإعاقة، ما يؤدي إلى تجربة تعليمية أغنى للجميع.
ينبغي للبرلمان أن يراجع جيداً بنود الموازنة المتعلّقة بذوي الإعاقة، وإعطاء الأولوية لتطبيق القانون 220 كاملاً. كما عليه ضمان تخصيص الأموال الكافية لجعل الأبنية الرسمية، مثل المدارس، متاحة أكثر لذوي الإعاقة، وأن تملك المدارس الخدمات المناسبة للأطفال ذوي الإعاقة عندما يذهبون إليها.
آية مجذوب هي باحثة لبنان في هيومن رايتس ووتش.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون