كشف تقرير نشرته وكالة رويترز للأنباء، يوم 3 يوليو، عن تفاصيل ما حدث للرئيس السوداني السابق عمر البشير في آخر أيامه قبل سقوطه. وبحسب التقرير فقد زاره في قصره يوم 10 أبريل الماضي، مدير الاستخبارات السودانية السابق صلاح قوش، في قصره في محاولة لطمأنته، مؤكداً له أن الاحتجاجات الجماهيرية التي خرجت ضده حينذاك لا تشكل تهديداً لحكمه.
وفي ذلك الوقت، ولنحو أربعة أشهر، كان الآلاف من السودانيين يخرجون إلى الشوارع للمطالبة بالديمقراطية ووضع حد للمصاعب الاقتصادية التي يعانونها.
وتكشف رويترز في تقريرها عن أن قوش أخبر رئيسه البشير، أحد الزعماء الأقدم في العالم العربي، أن هناك معسكراً للمحتجين خارج وزارة الدفاع القريبة من قصر البشير، سيتم احتواؤه أو سحقه، وفقاً لما ذكرته أربعة مصادر، أحدها كان حاضراً هذا الاجتماع بين قوش والبشير.
اقتنع البشير بكلام قوش، وذهب إلى النوم بشكل عادي، لكن عندما استيقظ بعد أربع ساعات، أدرك أن قوش قد خانه. لقد اختفى حراس القصر، وحل محلهم الجنود النظاميون، في حين بدا أن حكمه الذي استمر 30 عاماً قد وصل إلى نهايته.
وقال أحد أعضاء الدائرة الداخلية للبشير، وهو واحد من المقربين منه الذين كانوا يتحدثون معه في تلك الساعات الأخيرة، إن الرئيس حينذاك ذهب للصلاة، في حين كان ضباط الجيش ينتظرونه حتى ينتهي.
بعدما انتهى من الصلاة، أبلغ الضباط البشير أن اللجنة الأمنية العليا السودانية، المؤلفة من وزير الدفاع وقادة الجيش والمخابرات والشرطة، قررت إنهاء سلطته، إذ بدا للجميع أنه فقد السيطرة على البلاد.
بعد ذلك مباشرة، نُقل إلى سجن كوبر بالخرطوم، حيث سُجن آلاف المعارضين السياسيين خلال فترة حكمه، وما زال هناك حتى اليوم، وتصف رويترز ما حدث للبشير بأنه انقلاب سلس على رجل شهد ثورات وحاول القيام بعدة انقلابات، ونجا من العقوبات الأمريكية وتجنب الاعتقال من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب في دارفور.
حين تخلت الإمارات عن البشير
تقول رويترز في تقريرها إنها أجرت مقابلات مع أكثر من عشرة مصادر لديها معرفة مباشرة بالأحداث التي أدت إلى الانقلاب على البشير، لمحاولة فهم كيف فقد البشير قبضته على السلطة في النهاية. هذه المصادر، بما في ذلك وزير سابق في الحكومة، وعضو في الدائرة الداخلية للبشير، تحدثت عن زعيم كان ماهراً في التلاعب والسيطرة على الفصائل الإسلامية والعسكرية المتناحرة في السودان، ولكنه صار معزولاً بشكل متزايد في شرق أوسط متغير.
ووصفت المصادر نفسها كيف تعامل البشير مع إحدى العلاقات الرئيسية مع دولة الإمارات، حيث كانت الدولة الغنية بالنفط قد ضخت في السابق مليارات الدولارات في خزائن السودان، وتقول رويترز إن البشير خدم مصالح الإمارات في اليمن، حيث تشن الإمارات والسعودية ما تقول رويترز إنه حرب بالوكالة ضد إيران. ولكن في نهاية العام 2018، ومع انهيار الاقتصاد السوداني وخروج المحتجين إلى الشوارع، وجد البشير نفسه بدون هذا الصديق القوي الثري، في إشارة إلى الإمارات.
وكشفت المصادر لرويترز كيف اتصل قوش رئيس جهاز المخابرات والأمن الوطني السوداني بالسجناء السياسيين وجماعات المعارضة السودانية لطلب الدعم في الأسابيع التي سبقت تحرك الجنرالات ضد البشير. وفي الأيام التي سبقت الانقلاب، قالت هذه المصادر أن قوش أجرى أيضاً اتصالاً هاتفياً واحداً على الأقل بمسؤولي المخابرات في الإمارات لتزويدهم بتحذير مسبق عما كان على وشك الحدوث.
وتقول رويترز إن الحكومة الإماراتية رفضت التعليق على أسئلة الوكالة بهذا الخصوص، لكنها تشير إلى أن وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش غرد على تويتر في يونيو، بعد إقالة البشير، أن الإمارات كانت على اتصال "بجميع عناصر المعارضة السودانية والمجلس العسكري الانتقالي" الذي تولى السلطة.
وقال قرقاش: "لا شك أنها فترة حساسة بعد سنوات من دكتاتورية البشير والإخوان المسلمين" ، في إشارة إلى حلفاء البشير الإسلاميين في السودان.
وكانت العلاقات بين البشير والإمارات لا تزال دافئة في فبراير 2017، عندما زار البشير ولي العهد محمد بن زايد في أبو ظبي. وكان نحو 14000 جندي سوداني يقاتلون في اليمن كجزء من تحالف عسكري بقيادة السعودية والإمارات ضد المتمردين المتحالفين مع إيران.
وبحسب مسؤول كبير في الحكومة السودانية أطلعه البشير على تفاصيل اجتماعه مع بن زايد، فإن الأخير كان يأمل تعاوناً من نوع آخر، إذ طلب من البشير قمع الإسلاميين في بلاده، وحينذاك كانت دولة الإمارات تقود الجهود الإقليمية لمواجهة الإسلام السياسي، الذي تعتبره هي والسعودية تهديداً مباشراً للحكم الملكي والمنطقة. وزادت رغبة البلدين في هذا السياق بداية من العام 2011، عندما اجتاحت ثورات الربيع العربي الشرق الأوسط، حيث كانت جماعة الإخوان المسلمين تزداد قوة.
وتصنف الإمارات والسعودية جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، لكن جماعة الاخوان تقول إنها جماعة سلمية.
وفي العام 2012، انتخب المصريون مرشح الإخوان محمد مرسي أول رئيس إسلامي لهم. وبعد عام من ذلك، أطاحه الجيش، في خطوة باركتها الإمارات والسعودية، وقد أرسلت الإمارات مع حليفتها في الخليج الكويت مساعدات بقيمة 23 مليار دولار إلى القاهرة على مدار 18 شهراً.
تقرير خاص لرويترز عن كواليس الأحداث الأخيرة التي سبقت إطاحة الرئيس السوداني السابق عمر البشير من السلطة، وعلاقته مع الإمارات، مؤكدة أن أبوظبي تخلّت عنه عقب رفضه التخلص من الإسلاميين في بلاده.
وفي السودان، كان تأثير الإسلاميين راسخاً أكثر منه في مصر، حيث امتد عقوداً. استولى البشير على السلطة عام 1989 كرئيس للمجلس العسكري الإسلامي. اليوم، يسيطر الإسلاميون على الجيش والمخابرات والوزارات الرئيسية.
ووفقاً لمسؤول حكومي كبير، فقد توصل البشير وبن زايد إلى "تفاهم" جوهره أن البشير سوف يتخلص من الإسلاميين، وفي المقابل، تقدم الإمارات الدعم المالي للسودان. لكن لم يشر البشير إلى تفاصيل هذا الاتفاق.
يكمل تقرير رويترز أن مليارات الدولارات تدفقت من الإمارات إلى السودان بعد محادثات أبو ظبي، إذ أفادت وكالة الأنباء الحكومية الإماراتية بأن الإمارات قدمت في العام المنتهي في مارس 2018، نحو 7.6 مليار دولار دعماً للبنك المركزي السوداني، في الاستثمارات الخاصة والاستثمار من خلال صندوق أبوظبي للتنمية.
كيف خسر البشير ثقة الإمارات
بحسب تقرير رويترز، فإن أزمة دبلوماسية انفجرت في صيف عام 2017 بين دول الخليج، فقطعت الإمارات والسعودية العلاقات مع قطر، بسبب دعم الأخيرة للإخوان المسلمين.
وجد البشير نفسه في موقف صعب، فقد قدمت له قطر أيضاً مليارات الدولارات من المساعدات المالية لاقتصاد السودان الفقير، كما ضغط حلفاء البشير من الإسلاميين في بلاده عليه للمحافظة على علاقاته مع قطر، وفي مارس 2018، أعلنت السودان وقطر خططاً لإبرام 4 مليارات دولار لتطوير ميناء سواكن على البحر الأحمر.
إذاً اختار البشير قطر وقرر عدم عزل الإسلاميين في حكومته، فقررت الإمارات عدم دعمه أو مساعدة اقتصاد بلاده الذي كان يعاني مشاكل طاحنة. وفي ديسمبر 2018، أوقفت الإمارات إمدادات الوقود للسودان، وفق تأكيد ثلاثة مسؤولين سودانيين.
وتتابع المصادر أن الإمارات والسعودية قررتا عدم دعم البشير مالياً لأنه رفض التخلص من الإسلاميين ولم يستسلم للضغوط من أجل دعم السعودية والإمارات ضد قطر.
في هذه الأثناء، كانت مؤامرة إزالة البشير تُحاك وراء الكواليس.
ونقل دبلوماسي غربي كبير في الخرطوم، عن عضو في الحزب الحاكم ومصدر مقرب من قوش، قوله إن الإمارات اقترحت هي وقوش في منتصف فبراير خروجاً كريماً للبشير، وبموجب هذا الخطة كان سيبقى البشير في السلطة فترة انتقالية تليها الانتخابات.
وبالفعل أعلن قوش في مؤتمر صحافي في 22 فبراير أن البشير سيتنحى عن زعامة حزب المؤتمر الوطني ولن يسعى لإعادة انتخابه في عام 2020. بعد ذلك بدأت التحركات ضد البشير تتسارع، وحينذاك أجرت الإمارات اتصالات مع أحزاب المعارضة السودانية والجماعات المسلحة التي شنت حرباً ضد البشير لمناقشة الوضع السياسي في السودان بعد إطاحته
ونقلت رويترز عن غمار حباني، وهو مسؤول كبير في حزب المؤتمر الوطني للبشير قوله: "عندئذ أدركنا أن الجيش سيطر على الأمر، إذ تواصل قوش مع كبار المسؤولين بما في ذلك وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش وقائد الشرطة، واتفقوا على أن الوقت قد حان لإنهاء حكم البشير"، في حين قال مصدر مقرب من قوش إن كل الرجال أدركوا أن البشير قد انتهى، وأكد متحدث باسم المجلس العسكري الانتقالي الذي يحكم السودان الآن أن قوش قام بدور قيادي، كما انضم حليف البشير، الجنرال محمد حمدان دقلو، الشهير بحميدتي، للمؤامرة ضد البشير.
وتمت تسوية مصير البشير وفي الساعات الأولى من يوم11 أبريل بإطاحته.
وفي21 أبريل، أعلنت الإمارات والسعودية أنهما ستقدمان 3 مليارات دولار من المساعدات للسودان. وقال حميدتي في وقت لاحق إن القوات السودانية ستبقى في اليمن، وفي الوقت نفسه تقريباً، كانت جماعات المعارضة والمسلحين تلتقي مسؤولين في الإمارات في أبو ظبي.
وكان أحمد توجود، أحد كبار المسؤولين في حركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور من الذين حضروا المحادثات، وقال إن المسؤولين الإماراتيين يريدون سماع وجهات نظرهم بشأن المصالحة والاستقرار، وتابع توجود: "ركزنا على عملية السلام وكيفية حل النزاع في مناطق الحرب".
وقال توجود والشخص الذي تولى التنسيق، إن الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، أحد أفراد العائلة الحاكمة في أبو ظبي، أشرف على الاتصالات بين الإمارات والجماعات المسلحة.
ولا يزال مكان قوش غير معروف، لكن قوات الأمن منتشرة حول منزله في الخرطوم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.