شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
اصنعوا الطعام لا الحرب...عن نضال مهاجرة يمنية في اميركا

اصنعوا الطعام لا الحرب...عن نضال مهاجرة يمنية في اميركا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 2 يوليو 201903:40 م

"المطبخ اليمني هو شيء غريبٌ بالنسبة للناس"، هذا ما قالته "أمجاد حسين" بعدما انتهت لتوّها من تحضير طبق العدس، وهي وجبةٌ مكوّنةٌ من العدس الأحمر والبصل والطماطم المتبّلة بالكمّون والكزبرة.

وبينما كان العدس على وشك النضوج، قامت "حسين" بتسخين القليل من زيت الزيتون في مقلاةٍ صغيرةٍ، ووضع كميةٍ من الثوم المفروم والكزبرة، والمباشرة بعملية القلي لحين أن يصبح الثوم ذهبي اللون، وتقترب الأعشاب من اللون الأسود وتصبح بالتالي مقرمشة، وبعدها تضيف العدس وتقدّم الطبق مع الفلفل الحلو، الطماطم وجبنة الفيتا.

لم تذهب هذه الشابة البالغة من العمر 28 عاماً، إلى اليمن على الإطلاق، فقد فرّت عائلتها إلى الولايات المتحدة الأميركيّة في الستينيّات لأسبابٍ سياسيّة، وبالرغم من ذلك تحاول "أمجاد" جاهدةً، الدفاع عن ثقافة بلدها الأصلي والوقوف بوجه الصور السلبيّة التي تلاحق وطنها المعروف بثقافته وقهوته المميزة، "ولكنّ اليوم أوّل ما يتحدّث عنه الجميع هو الحرب والمجاعة"، على حدّ قولها.

 

المطبخ اليمني بنكهةٍ أجنبيّة

بالرغم من طول المسافات الجغرافيّة وابتعادها عن وطنها الأم، إلا أن "أمجاد حسين" تؤمن بأن هناك ما هو أهمّ من صور الدمار والحروب التي تنقلها وسائل الإعلام عن اليمن، وخاصة فيما يتعلّق بالمطبخ اليمني الزاخر بالنكهات والغني بالوصفات اللذيذة التي يجهلها الكثير من الناس.

وفي الخريف الماضي، قامت "حسين" بنشر كتاب Sifratna: Recipes From Our Yemeni Kitchen، كوسيلةٍ لمشاركة الوصفات اليمنيّة مع أصدقائها، عائلتها وزملائها.

بما إن هناك القليل من الكتب التي تركّز على الطبخ اليمني فقط، فإن كتاب Sifratna  يفتح أيضاً نافذةً على جانبٍ من جوانب البلد الجميل في الشرق الأوسط، الذي لا يحظى باهتمامٍ واسعٍ من الغرب.

يضمُّ هذا الكتاب مجموعةً من الأطباق اليمنيّة الكلاسيكيّة، ويعرض الوجبات المفضّلة لدى "أمجاد حسين" ووصفاتها التي تضمُّ عناصر من المطبخ اليمني الزاخر بالكثير من الوجبات، مثل وجبة العدس، التي تعتمد على المكوّنات الأساسيّة نفسها، والتي تصنع شيئاً معقّداً عند إضافتها معاً.

وتتنوّع الوصفات من منطقةٍ إلى أخرى، ومن عائلةٍ إلى أخرى، ومن جاليةٍ إلى أخرى، مع العلم أن كلَّ طبّاخ لديه توابله الخاصّة به، من ضمنها الكزبرة والكمّون والقرفة والفلفل والكركم، وقد سافر هذا المزيج إلى أماكن كثيرة تماماً مثلما فعل الشعب اليمني.

والمميّز أن هذه الوصفات اليمنيّة تعكس حياة معظم العائلات المهاجرة، والتي تتمسّك بتقاليدها، ولكنها قد تلجأ أيضاً إلى المكوّنات والأساليب المحليّة، فبالنسبة إلى "أمجاد" فإنها تتبّل مثلاً اللحم البقري بتتبيلة مونتريال لشرائح الستيك، وتصنع "اللحوح"، وهو خبزٌ إسفنجي مسطّح يشبه الكريب والبان كيك بحفنةٍ من خليط البان كيك، وهي حيلةٌ تعلّمتها من قريبتها.

وبالمثل، توضّح "أمجاد" في كتابها أن "المقلوبة" (وهو طبقٌ مكوّنٌ من الأرز مع الدجاج والخضار)، موجودة في كلِّ بيتٍ عربي، لكنها قامت بتطوير هذا الطبق من خلال الاستناد إلى بقايا الدجاج في المرق المتبّل والمسقعة (طبق مكوّن من الباذنجان مع صلصة الطماطم).

وبالإضافة إلى وصفات الطبخ، يضمُّ الكتاب قسماً خاصّاً بالحلويات الشهيّة، كالمفحوسة، وهي عبارة عن قطعٍ دافئةٍ من الخبز المرصّع بحبّة البركة والمغمّس بالعسل، وهي وصفة كانت تعدّها جدّة "أمجاد"، في حين تظهر في الصفحات التالية وصفة "كعكة الجزر"، لأن والدها كان يحبّ هذه الحلوى كثيراً.

صراع الهويّة

عندما يقرّر زوج "أمجاد حسين" إعداد وجبة العشاء، فإنه غالباً ما ما يكتفي بتحضير الستيك والبطاطا.

وبطبيعة الحال، فإن التناقض الذي تعيشه "حسين" هو أمرٌ طبيعي تماماً بالنسبة لشخصٍ نشأ بين ثقافاتٍ متعدّدةٍ، ولكن حين كانت أصغر في السن، كافحت "أمجاد" من أجل إبراز هويّتها الحقيقيّة: "كلّما ذهبتم إلى مكانٍ يمثّل جزءاً منكم، فإنكم تشعرون دوماً بأنكم تقفون في الجهة المقابلة"، فعندما تقوم بزيارة عائلتها في المملكة العربيّة السعوديّة يُنظر إليها على أنها شابة أميركيّة، أما في ولاية فرجينيا الأميركيّة حيث نشأت مع أشقائها الثلاث، فإن الجميع يتعامل معها على أساس أنها عربيّة.

وتعليقا على هذا الموضوع، تقول "حسين" لصحيفة "واشنطن بوست": "لم أكن أعلم على الإطلاق كيف أشرح للناس من أين أنا".

وبالرغم من لون بشرتها المختلف عن البقيّة، إلا أن "حسين"، والتي تعمل حالياً أستاذة مساعدة في جامعة جورج تاون، تؤكّد أنها كانت محظوظة لكونها لم تقع يوماً ضحيّة العنصريّة، مع العلم أن المرّة الوحيدة التي شعرت فيها بالقلق من هويّتها كانت بعد انتخابات 2016، عندما بدأت تسمع قصصاً محليّةً عن المضايقات التي قد يتعرّض لها الأشخاص من أصولٍ عربيّةٍ وخافت من احتمال أن يتعرّض لها أحدهم وهي تقود سيارتها.

في مواجهة الفظائع المستمرّة والمجاعة والحرب، يبقى هناك ثقافة معيّنة للاحتفاء بها والمحافظة عليها

ومن أجل التغلّب على هذه المخاوف والهواجس، وجدت "أمجاد حسين" الحلّ في الطهي، شارحةً ذلك بالقول: "يمثّل الطعامُ الطريقةَ الوحيدة التي يمكنكم من خلالها أن تكونوا أكثر حميميّةً مع الناس، بمجرّد أن تبدأوا بمشاركة ثقافتكم والتحدّث عن هذه الأشياء، الجميع يأكل، الطعام هو نقطة الدخول إلى بوّابة التعاطف".

هدف الكتاب

عند كتابة Sifratna واجهت "أمجاد حسين" مشكلةً شائعةً بين كتب الطهي: العمل مع شخصٍ على درايةٍ تامّةٍ بالطهي ومعتادٍ على عدم التقيّد بالمقادير المحدّدة، هو أمرٌ مرهق لكاتبٍ يحاول تسجيل الوصفات، وهو ما اختبرته "حسين" مع أمها والتي كانت ترمي كلَّ المكوّنات مع بعضها البعض من دون الالتزام بالمقادير.

يمثّل الطعامُ الطريقةَ الوحيدة التي يمكنكم من خلالها أن تكونوا أكثر حميميّةً مع الناس

في البداية، لم تكن "أمجاد" تخطط لبيع Sifratna: "كنت أشعر بأنني مهما حاولت جاهدةً، فلن يبدو الكتاب على غرار الكتب التي تنشرها دار نشر بارنز ونوبل"، ولكن قبل أشهرٍ قليلةٍ من النشر، قرّرت "حسين" أن تتبرّع بأرباح أوّل 100 نسخة لجهود الإغاثة من المجاعة في اليمن، وعن هذه الخطوة تقول: "إنني أتحدّث عن الطبخ وهؤلاء الناس يتضوّرون جوعاً حتى الموت، لذا كان الأمر منطقيّاً".

هذا وتتواصل "أمجاد" مع أشخاص متوجّهين إلى اليمن، ومتشوّقين لرؤية كتاب طبخٍ كاملٍ مخصّصٍ للمطبخ اليمني، خاصّة وأن كتابها يؤكّد أنه في مواجهة الفظائع المستمرّة والمجاعة والحرب، يبقى هناك ثقافة معيّنة للاحتفاء بها والمحافظة عليها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image