بدأ الرحالة والصحفي المصري أحمد بلال منذ منتصف شهر يونيو 2019 رحلةً حول العالم بدأتْ من دبي، ويشاركنا في سلسلة من المقالات، الآفاقَ التي يكتشفها خلال هذه الرحلة عبر قسم "رود تريب" في موقعنا.
كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية عشر ليلاً، عندما وقف عاملان هنديّان على رأس شارع الرقّة في قلب دبي، يمارسان عملهما اليومي في غسيل وتنظيف إشارات المرور ممّا يكون قد علق بها، طوال النهار، رغم أن الشوارع هنا "أنظف من الصينيِّ بعد غسيله"، كما نقول في مصر.
جولة سريعة في شوارع دبي في هذا التوقيت الذي تخلو فيه تقريباً من المارّة، تكشف لكم عن خلية نحلٍ تعمل لِتحافظَ على الإمارة بأجمل صورة، فسيّارات كنس الشوارع من التراب تنتشر في كلِّ مكان، وآخرون يستبدلون صناديق القمامة بأخرى، قبل أن يغسلوا الأولى بالمنظّفات والمطهّرات، في أماكن مخصّصة لذلك، كي لا تنبعث منها في اليوم التالي أيّ رائحةٍ كريهة.
دبي، المدينة التي تنتج يوميّاً أكثر من 10000 طنّ من القمامة، لا تعرف شوارعها قمامة، ولا تراباً، ولا حتى ورقة أو عقب سيجارة ألقاه صاحبها بعد الانتهاء منها؛ فالتدخين الممنوع في كلِّ مكان تقريباً في الإمارة، وله أماكنه في الشوارع، بمنافضَ مخصّصةٍ فيها يمكنك إلقاء سيجارتك هناك بعد الانتهاء منها.
وكي تحافظ شوارع دبي على رونقها، تخصّص بلديّة دبي رقماً مجانيّاً للاتصال بها في حال وَجد أحد المواطنين منطقةً تحتاج للتنظيف، لينطلق إليها على الفور عمّالُ النظافة لإتمام المهمّة.
من خلال رحلاتي إلى العديد من الدول رأيتُ التزاماً بقوانين المرور في بعضها وانتهاكاً في أخرى، إلا أن الأمر في دبي يتجاوز الالتزام ويصل إلى الإلزام
الحفاظ على شوارع دبي بهذه النظافة وهذا النظام له جانب آخر، يجب أن تنتبهوا إليه إن كنتم تفكّرون في السّفر إليها، ففعلٌ بسيط مما يعتاده معظمنا، كفيلٌ بضياع ميزانيّة سفركم كلّها، وكما تقوم حكومة الإمارة بواجباتها في هذا الملف على أكمل وجه، فإنها تفرض على الجميع فيها القيام بواجباتهم أيضاً، تفرض الأمر، ولكن بالقانون.
احذر فأنت تعبر الطريق!
بعد وصولي دبي انتقلت بالمترو إلى محطة "الاتحاد" حيث أقيم في ديرة دبي. كانت العاشرة صباحاً، وكنت مشغولاً بعد وجودي برصد هذا المستوى من النظافة في الشوارع التي خلت تقريباً من البشر، فالحياة في دبي صيفاً لا تبدأ قبل الخامسة مساءً، بسبب ارتفاع الدرجة الكبير في الحرارة والرطوبة.
تتربّع غرامات المرور على عرش المخالفات في الإمارة الصغيرة الكبيرة، حتى لو كان المتضرّر من المخالفة هو صاحب السيارة نفسه وليس أيّ أحد آخر
وفيما كانت عيناي تجولان هنا وهناك، كنت على موعد مع عبور إشارة المرور، فانتقلتْ إحدى قدمي من الرصيف إلى حرم الطريق، إلا أن الأخرى أبتْ أن تفعل. لمحت عيناي السيدة الهنديّة التي كانت تسير إلى جواري، ثمّ توقّفت فجأة قبل أن تطأ قدماها تلك العلامات البيضاء على الطريق، والتي تشير إلى أن هذا مكان عبور المشاة.
إلى هنا بدا الأمر مفهوماً بالنسبة لي، فمن خلال رحلاتي إلى لعديد من الدول رأيت التزاماً بقوانين المرور في بعضها وانتهاكاً في أخرى، إلا أن الأمر في دبي يتجاوز الالتزام ويصل إلى الإلزام، فالسيّدة التي توقّفت، كما علمتُ مؤخراً، ملزمة بذلك، وإلا ستدفع ثمن تجاوزها الرصيف دون إضاءة إشارة المشاة باللون الأخضر، 400 درهم إماراتي، (109 دولار أمريكي).
الجميع سواسية والغرامة متساوية
الغرامات في دبي لا تفرّق بين مواطن ووافد، الجميع سواسية وخسارة الجيوب متساوية. والهدف هو الحفاظ على النظام والنظافة في المدينة. وتتربّع غرامات المرور على عرش المخالفات في الإمارة الصغيرة الكبيرة، حتى لو كان المتضرّر من المخالفة هو صاحب السيارة نفسه وليس أيّ أحد آخر، فقوانين المرور في دبي تفرض عليكم غرامة 3000 درهم (816 دولار) إذا قمتم بأيّ حادث تسبّب بضررٍ لسياراتكم أنتم، وبالمناسبة، لن تستطيعوا إصلاح سيّاراتكم لدى أيّ مركز بعد أيّ حادث، إلا بإفادة من الشرطة.
لائحة الغرامات تتضمّن 30 مخالفة، القيام بأيّ منها يعرّض الراكب إلى غرامات تتراوح بين 27 و544 دولار.
إذا كنتم في رحلةٍ إلى دبي، لا تنسوا ربط حزام الأمان حتى إذا لم تكونوا أنتم السائقين، فالغرامة في هذه الحالة تصل إلى 400 درهم (109 دولار)، أما السيارة التي يتساقط منها أي شيء على الطريق فتصل الغرامة التي توقع على صاحبها إلى 2000 درهم (544 دولار)، حفاظاً على النظافة، وللحفاظ على الهدوء في المدينة، تصل عقوبة السيارة التي تُحدث ضجيجاً، أو التي يستخدم قائدها المنبّه في غير محلّه 2000 درهم (544 دولار) أيضاً.
مفهوم نظافة الشواطئ والشوارع والطرق في دبي قد يختلف عن غيره في أيّ مكان آخر، فالأمر يتجاوز نظافة الأرض إلى نظافة ما عليها، حتى إن كان ملكيّة خاصّة؛ فالمغزى ألّا يشاهد زوار دبي والمقيمون فيها أيَّ شيء غير نظيف، حتى لو كان سيارة خاصّة، حيث تصل عقوبة من يهمل نظافة سيارته ويسير بها أو يتركها في الشارع متراكم عليها الغبارُ والأتربةُ دون غسيل، إلى 500 درهم إماراتي (136 دولار).
غرامات المترو والأتوبيس في دبي
محطات الحافلات في دبي، عبارة عن مظلّةٍ مكيّفة الهواء، ينتظر فيها الركّاب، حتى إذا اقتربت الحافلة نبّهت الركاب بإشارةٍ حمراء في الداخل، لتقف الحافلة المكيّفة بالطبع، أمام بابها ليركب من يشاء. الأمر يبدو مرفِّهاً لكثيرين، لكنه، في الحقيقة، مقابل هذه الرفاهية، هناك قواعد صارمة، للحفاظ على استمرارها.
عندما دخلت محطة الأتوبيس في شارع الاتحاد، وجدت فيها مثل غيرها، لوحةً كبيرةً توضّح المخالفات والغرامات، التدخين ممنوع بالطبع، لكن لائحة الغرامات تتضمّن 30 مخالفة، القيام بأيّ منها يعرّض الراكب إلى غرامات تتراوح بين 100 و2000 درهم. (27 و544 دولار).
هذا إلى جانب لائحةٍ أخرى توضّح ممارساتٍ تعرّض من يرتكبها لغرامة بنفس المبلغ حفاظاً على النظافة العامّة، هي البصق (غرامته 1000 درهم)، النوم، التدخين، الأكل أو الشرب، رمي النفايات، النوم أو الاستلقاء في المظلّات المكيّفة، وإلى جانب هذه الممارسات فإن عادة مضغ اللبان في المواصلات العامّة في دبي قد تكلّفك ثمناً باهظاً، حيث تصل غرامتها إلى 500 درهم (136 دولار).
لا توجد فواصل بين عربات المترو في دبي، ولكن احترسوا من هذا الخط الزهريّ الذي قد يصادفكم على الأرض، فإنه يفصل بين المساحة العامّة داخل المترو، والمساحة المخصّصة للنساء والأطفال، فتجاوزكم هذا الخط بخطوة واحدة يعني أن شرطياً سيكون في انتظاركم في المحطة المقبلة، ليوقع عليكم غرامة قدرها 100 درهم (27 دولار)، وإذا لم يكن معكم المبلغ كاملاً، سيأخذ بطاقة هويتكم، لتدفعوا بعد ذلك الغرامة في قسم الشرطة وتستردّوا بطاقة الهوية.
لا تستهدف حكومة دبي الغرامة في حدِّ ذاتها بقدر ما تستهدف الحفاظ على النظافة والنظام والهدوء داخل المدينة. صديقة مصريّة تقيم في دبي، قصّت عليّ موقفاً تعرّضت له، فهي لم تنتبه عندما وضعت البطاقة الخاصة بالمواصلات العامّة على الجهاز داخل الحافلة بأنه لم يسحب من رصيده، واكتشف الأمر مفتش ركب الحافلة بعدها، ووقع عليها غرامة 200 درهم (54 دولار)، ثمّ فوجئت باتصال بعد 3 أيام من هيئة الطرق في دبي، يخبرها أن الخطأ كان من الجهاز وليس منها، وأن عليها التوجّه لأقرب مكتبٍ للهيئة لاسترداد ثمن الغرامة والحصول على بطاقة هدية بنفس القيمة.
نظام هدوء نظافة
وبعيداً عن غرامات الطّرق والمترو، فإن غرامات أخرى وكثيرة تفرضها حكومة دبي على المواطنين والوافدين للحفاظ على النظام والهدوء والنظافة في شوارعها، بينها على سبيل المثال، غرامة 1000 درهم، (270 دولار) إذا تدلّى خرطوم التكييف في الشارع وتساقطت منه المياه.
النظام والهدوء ونظافة الشوارع هي خطوط حمراء، لا تسمح حكومة دبي بتجاوزها، ونصيحتي لكم ألا تسمحوا لهذه الخطوط الحمراء بإفساد رحلتكم إلى دبي، صحيح أنكم ستجدون في كلّ مكان لائحة بالسلوكيّات الخاطئة التي عليك تجنّبها، بالعربيّة والإنكليزيّة، إلا أن معرفتك بها قبل سفرك سيوفّر عليك الكثير.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ يومينمع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم