شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
التغيير آتٍ لا محال...فاستعدوا

التغيير آتٍ لا محال...فاستعدوا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 17 يونيو 201907:10 م

التغيير كلمةٌ فضفاضةٌ يمكن أن تطال عدّة جوانب من الحياة: فسخ الارتباط العاطفي السابق والانخراط في علاقاتٍ جديدةٍ، الانتقال من وظيفةٍ إلى أخرى، من منزلٍ إلى آخر، من وطنٍ إلى آخر...والمفارقة أنه لا حدود تقف بوجه موجة التغيير والتي قد تصل حدّ الإطاحة برموز السلطة وبالأنظمة السياسيّة التقليديّة، تماماً كما حصل في الانتفاضات العربيّة التي عُرفت بـ"الربيع العربي".

في المقابل يُعتبر الخوف من التغيير العائق الأساسي أمام البشر للتقدّم في الحياة، وتحقيق الأمنيات المدفونة في داخلهم، فهذا الخوف النابع من بعض الهواجس يكبّل العديد من الناس، ويجعلهم غير قادرين على فعل أيِّ شيءٍ لتحسين أوضاعهم وظروف حياتهم، فنجدهم قابعين في يأسهم وعزلتهم ورافعين شعار "ما باليد حيلة" وكلُّ ذلك من باب الخشية من كسر الروتين وإحداث تغييراتٍ من شأنها أن تنهض بهم وبأوطانهم.

والخوف من التغيير يُعتبر من أكثر المخاوف التي يواجهها الناس في حياتهم شيوعاً، فصحيح أن التغيير صعبٌ لكونه يتحرّك في دائرة المجهول والإنسان "عدوّ ما يجهل"، إلا أن العيش على هذه الحياة يتطلّب التحلّي ببعض الجرأة، وبتحمّل كلِّ هذا العناء من أجل ضمان مستقبلٍ أفضل، سواء كان ذلك على الصعيد الشخصي أو على صعيد المجتمع والوطن، خاصّةً وأن بعض الدول الاستبداديّة تسعى إلى زرع بذور الخوف في عقول شعبها، من أجل إحكام قبضتها عليهم ومصادرة رأيهم وحريّاتهم.


خطوة واحدة للتغيير

يمكن تعريف التغيير على أنه "أيُّ تعديلٍ يطرأ على بيئة الشخص أو وضعه أو حالته البدنيّة/ العقليّة، والذي يؤدّي إلى ظروفٍ معيّنةٍ تتحدّى النماذج الحاليّة الخاصّة به"، فالبشر يميلون في الأساس لتحديد كيفيّة سير عالمهم، وبالتالي كلّما شعروا بأن هناك تعديلاً يحدث في عالمهم الشخصي أو في كيانهم، يتعارض مع الطريقة التي ينظرون بها إلى العالم، فإنهم يواجهون شبح التغيير.

لا حدود تقف بوجه موجة التغيير والتي قد تصل حدّ الإطاحة برموز السلطة وبالأنظمة السياسيّة التقليديّة، تماماً كما حصل في الانتفاضات العربيّة التي عُرفت بـ"الربيع العربي"

وفي حياتنا اليوميّة، نصادف معالم التغيير في عدّة أشكالٍ ويواكبنا ذلك في جميع المراحل العمريّة، فخلال فترة المراهقة نشهد تغييراتٍ فيزيولوجيّةٍ تقلب حياتنا وتؤكّد لنا أن مرحلة الطفولة قد ولّت إلى غير عودة، ونتيجة التقلّبات الهرمونيّة تبدأ مرحلةٌ جديدةٌ عنوانها التمرّد على الآباء، والاعتراض على جميع القرارات من باب تثبيت مواقفنا، نغادر بعدها مقاعد المدرسة لندخل قاعات الجامعة، نتخرّج، نتزوّج، نغيّر وظائفنا، نسافر من بلدٍ إلى آخر بحثاً عن لقمة العيش، وكلّما انخرطنا في هموم الحياة كلّما لاحظنا أن التغيير يطال اهتماماتنا، تطلّعاتنا وحتى أحلامنا.

هذه الأحداث الحياتيّة التي قد ننظر إليها بلوني الأبيض والأسود فقط ليست متشابهة على الإطلاق، مع العلم أن المبدأ هو نفسه "رحله الألف ميل تبدأ بخطوة": التغيير يبدأ بخطوةٍ صغيرةٍ ويتطلّب جرأةً عاليةً ويسبّب حالةً من الإجهاد نظراً لكون النتائج غير محسومة.

وعندما يتعلّق الأمر بالتعامل مع التغيير، تشير الأبحاث إلى أن هناك ثلاثة مشاعر أساسيّة نواجهها كأفراد: السخرية، الخوف والقبول، ولكن طالما أن التغيير هو جزءٌ لا يتجزّأ من حياتنا، لماذا نقاومه إلى هذا الحدّ؟

جذور الخوف

الخوف هو المصدر الأساسي للخرافات، وأحد أهمِّ مصادر القسوة، لذا فالانتصار على الخوف هو بداية الحكمة. (برتراند راسل).

في إحدى الدراسات، عُرضت على مجموعةٍ أولى لوحةٌ قيل إنها تعود إلى العام 1905، وشاهدت المجموعة التالية نفس اللوحة ولكن قيل لها إنها تعود إلى العام 2005، وقد اعتبرت المجموعة الأولى أن لوحة 1905 هي الأكثر جمالاً، والسبب يعود إلى أن الطبيعة البشريّة تحبُّ وتعتاد كلَّ ما هو موجود لفترةٍ من الوقت.

ومن ناحيةٍ أخرى إننا نخشى التغيير لكوننا لا نستطيع توقّع النتيجة، فعدم اليقين يغذّي مخاوفنا، والعقل البشري يحبُّ السيطرة على زمام الأمور ويخشى من أيِّ خسارةٍ محتملة.

بمعنى آخر، إن الإنسان يقاوم كلَّ ما هو مجهولٍ بالنسبة إليه، فدماغه يتقبّل نتيجةً سلبيّةً يمكن التنبؤ بها على نتيجةٍ غير مؤكّدة، غير أن موقع "سيكولوجي توداي" أكّد أن البقاء مكتوفي الأيدي يمكن أن يكون أكثر خطورةً من التغيير نفسه، مشيراً إلى أن الخوف من التغيير يكون نابعاً عن القصص التي نرويها عن أنفسنا: "نروي حياتنا كما لو كانت خارجةً عن سيطرتنا، ونشعر بأننا نلعب دوراً كتبه لنا شخص آخر".

ويوضّح الموقع أن البشر في العادة يعانون من صعوبةٍ في المضيِّ قُدُمَاً في الحياة بعد أي تغييرٍ محتملٍ، فيتعثّرون أمام أيِّ نكسةٍ قد يواجهونها، ويستمرّون في إعادة صياغة القصص القديمة بدلاً من فتح عقولهم على الخطوة المقبلة التي تنتظرهم، في حين أن الحلَّ قد يكون عبر تقبّل حقيقة أن لكلِّ قصّةٍ نهاية.

وفي سياقٍ متصلٍ، تبيّن أن الخوف من الفشل يغذّي النفور من التغيير، مع العلم أن اللهاث وراء الكمال يمكن أن يكون له تأثير معاكس: عندما نكون تحت الضغط، نرتكب المزيد من الأخطاء.

وفي حين أن البعض يعتبر أن أفضل طريقةٍ لتجنّب الفشل هي عدم القيام بأي شيءٍ على الإطلاق، فإن الفشل يعتبر المدخل الرئيسي لتحقيق النجاح، فلا يكفي إذاً البقاء في دائرة الأمان، بل يجب المحاولة حتى ولو كان الفشل في المرصاد.

تذكّروا دوماً أن كلَّ يومٍ يمرّ يشكّل فرصةً ذهبيةً لكتابة فصلٍ جديدٍ في حياتكم، فلا تجعلوا الخوف من التغيير يسلب منكم أحلامكم وحريّتكم في النضال

حاربوا الخوف

إن حياتنا الخاصّة ليست عبارةً عن كتابٍ من تأليف الآخرين، وفكرة أن بعض النتائج قد تكون خارجة عن إرادتنا لا تعني بأن دورنا صغيرٌ وغير فاعل.

وفي حال كنتم تريدون الحصول على نتائج مختلفةٍ في الحياة، ابدأوا أولاً بتغيير ذهنكم وطريقة تفكيركم، واعلموا أنكم لستم مجرّد شخصيةٍ بل أنتم الذين تدوّنون كتاب حياتكم، وذلك يكون عن طريق التصالح مع الشكوك، عدم الثبات والكمال.

إليكم بعض الخطوات التي تساعدكم على محاربة الخوف من التغيير والتمرّد على واقعكم الأليم:

الحياة كتاب: الحياة هي أشبه بكتابٍ، عليكم أن تقلبوا الصفحة لكي تبدأوا فصلاً جديداً.

ومن أجل البدء بفصلٍ جديدٍ في حياتكم، يجب عليكم في البداية إنهاء الفصل الأوّل، والمشكلة أننا في بعض الأحيان نقاوم نهاية مرحلةٍ معيّنةٍ من حياتنا، ونخلط بين فصل الكتاب والكتاب نفسه، وعليه اعلموا أنه بإمكانكم كتابة قصصٍ لا حصر لها في حياتكم، وافسحوا المجال للفصول الجديدة، عوض التمّسك بالقصص القديمة.

قصّتكم مليئة بالخيارات: عندما تتعاملون مع الحياة وكأنكم كاتب/ة، فإنكم حينها تبدؤون برؤية الاحتمالات. تعلموا وضع التوقّعات جانباً، والتركيز على ما يمكنكم التحكّم به، واعلموا أن حياتكم ليست نتاج ظروفكم بل نتاج اختياراتكم.

تقبّلوا النقص وعدم الكمال: إن المقطع الأول من الكتاب هو الأصعب إذ يتطلّب الأمر شجاعةً كبيرةً لعبور خطِّ عدم اليقين. صحيح أن كلَّ قصّةٍ يمكن أن تقترب من الكمال، ولكن يجب عليكم أوّلاً كتابة المسودة الأولى.

الفشل مرحلة: النجاح ليس حليف كلِّ الفصول والقصص، وبالتالي فانه يمكن دوماً كتابة فصولٍ جديدةٍ مبنيةٍ على التجارب الفاشلة، وهذا هو جمال الحياة: التعلّم من الفشل لاتخاذ قراراتٍ صائبة.

باختصار يجب علينا كبشرٍ أن نترك الباب مفتوحاً للفصول الجديدة في حياتنا، خاصّة وأنه حين نسعى لحماية أنفسنا من المخاطر فإننا نفقد روح المغامرة والتي هي متعة الحياة، تذكّروا دوماً أن كلَّ يومٍ يمرّ يشكّل فرصةً ذهبيةً لكتابة فصلٍ جديدٍ في حياتكم، فلا تجعلوا الخوف من التغيير يسلب منكم أحلامكم وحريّتكم في النضال.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image