"وسائل الإعلام هي الكيان الأقوى على وجه الأرض. لديها القدرة على جعل الأبرياء مذنبين وجعل المذنبين أبرياء، وهذه هي القوّة، لأنها تتحكّم في عقول الجماهير" (مالكوم إكس).
في ظلِّ التطوّر التكنولوجي وامتداد رقعة الشبكة العنكبوتيّة، أصبح الإعلام نافذةً مفتوحةً للجميع، ووسيلةً فاعلةً قادرةً على كسر جدار الصمت والتأثير بالرأي العام وتوجيه الأحداث بشكلٍ جذري، وربما تغيير الثقافةٍ المجتمعيّةٍ والفكريّة، من خلال تحويل قضيةٍ ما إلى قضية رأي عام، بل تعاظم دور الإعلام لدرجة أنه بات قادراً على الإطاحة بالقادة السياسيين.
هذه "العظمة الإعلاميّة" قابلها انهيار السلطات السياسيّة بعدما عشش الفساد في أروقتها، وخذلت شعوبها مراراً وتكراراً، فخسرت مصداقيتها أمام الرأي العام، وبالتالي قام الإعلام بسحب البساط من تحت السياسيّين وبات يحظى بـ"دعمٍ جماهيري" لا مثيل له.
ولكن لماذا تطلق تسمية "السلطة الرابعة" على الإعلام؟
نشأة السلطة الرابعة ومفهومها
اقتضت التقاليد السياسيّة أن يكون هناك ثلاث سلطاتٍ رئيسيّةٍ تحكم أوضاع البلاد: السلطة التشريعيّة، السلطة التنفيذيّة والسلطة القضائيّة، ولقد منحت الدساتير كلَّ سلطةٍ من هذه السلطات استقلاليّةً قانونيّةً، سمحت لكلٍّ منها، منفصلةً، بتحمّل مسؤولية أداء واجبها، ضمن مناخٍ من العدالة والمساواة في الحقوق بين أفراد ومؤسّسات المجتمع، بغضِّ النظر عن الانتماءات الطائفيّة أو المذاهب الدينيّة أو المعتقدات السياسيّة، مع إعطاء مساحةٍ كافيةٍ من التحرّك فيما بين هذه السلطات، للتنسيق والتعاون، من أجل ضمان سير العمل على أكمل وجه.
وسائل الإعلام هي الكيان الأقوى على وجه الأرض. لديها القدرة على جعل الأبرياء مذنبين وجعل المذنبين أبرياء، وهذه هي القوّة، لأنها تتحكّم في عقول الجماهير
في السابق عُرفت الصحافة بلقب "صاحب الجلالة" أما مصطلح "السلطة الرابعة" فتعود نشأته إلى بداية بزوغ فجر الأنظمة الديمقراطيّة، في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، عندما قال المفكّر البريطاني "أدموند بروك" في إحدى جلسات مجلس البرلمان البريطاني: "هناك ثلاث سلطاتٍ تجتمع هنا تحت سقف البرلمان، لكن في قاعة المراسلين تجلس السلطة الرابعة وهي أهمّ منكم جميعاً".
وانتشرت هذه التسمية أيضاً عن طريق المؤرّخ "توماس كارليل" في كتابه “Heroes and Hero Worship in History" الأبطال وعبادة البطل في التاريخ"، في الوقت الذي كان فيه العالم يشهد مرحلةً انتقاليّةً من النظام الديكتاتوري الشمولي، إلى النظام الديمقراطي القائم على مبدأ فصل السلطات، وترسيخ مبدأ الحريّات العامّة والخاصّة، هذا وقد اعتبر "كارلير" أن الصحافة لها دورٌ أساسي في ولادة الديمقراطيّة ونموِّها، بحيث تنشر الحقائق وتُثير الثورات ضدّ الطغيان.
هناك ثلاث سلطاتٍ تجتمع هنا تحت سقف البرلمان، لكن في قاعة المراسلين تجلس السلطة الرابعة وهي أهمّ منكم جميعاً
من هنا أُطلق في البداية مصطلح "السلطة الرابعة" Fourth Estate على الصحافة، ليتوسّع في وقتٍ لاحق ويشمل كلَّ وسائل الإعلام المرئي والمقروء والمسموع.
أما إطلاق تسمية "السلطة الرابعة" على الإعلام فانبثق في الأساس من السلطات الثلاث، ونتيجة الدور الفاعل الذي تلعبه وسائل الإعلام ليس في تعميم المعرفة والتوعية والتنوير فحسب، إنما في إثارة القضايا الحياتيّة، تشكيل وتوجيه الرأي العام، بالإضافة للضغط على الطبقة السياسيّة الحاكمة وإجبارها على القيام بواجباتها تجاه الشعب.
قوّة السلطة الرابعة
تتمتّع وسائل الإعلام بقوّةٍ هائلةٍ تؤثّر في قناعات الشعب، وتعادل أو حتى تفوق قوّة الحكومة، فالإعلام يحظى بسلطةٍ افتراضيةٍ غير رسميّة، قادرةٍ على التدخّل في خط أعمال السلطات الثلاث لمراقبة أدائها، وبالتالي فإن وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها، تأخذ على عاتقها مهمّةَ النهوض بالمجتمع، من خلال ما تُثيره من أخبار وحقائق، وما تنبّه إليه من أخطاء، إثر مراقبتها الدقيقة والمتواصلة لأداء السلطات الرسميّة وتصحيح مسارها.
وبالرغم من إمكانيّاتها المحدودة، فقد برهنت السلطة الرابعة أنها قادرة على تغيير الكثير من المسارات الخاطئة في بعض البلدان، وحماية واسترداد حقوق المضطهدين والأقليّات في العالم.
والدليل على القوّة الهائلة التي تتمتّع بها وسائل الإعلام، هو الدور الرئيسي الذي لعبه الإعلام في التطورات السياسيّة التي حدثت في العالم العربي "الربيع العربي"، من خلال هزّ عروش بعض الزعماء الذين استأثروا بالسلطة لسنين عديدة، وفضح فساد حاشيتهم، والقيام بالتعبئة التي ساهمت في نشوء التحرّكات والمسيرات الداعية لتحسين الأوضاع السياسيّة والاقتصادية والاجتماعيّة، في بلدانٍ اعتاد حكّامها على قمع شعوبهم وإسكات إعلامهم.
باختصار، إن السلطة الرابعة هي نتاج أنظمةٍ ديمقراطيّةٍ تضطلع بدورين رئيسيّين: مراقبة أداء السلطات الأخرى، وتمثيل مصالح الشعوب، في وقتٍ تدّعي فيه النخبةُ السياسيّة العملَ من أجل شعبها، أما قيام السلطات الشرعيّة بسلب حريّة الإعلام وتحجيمه، وجعل الوسائل الإعلاميّة مجرّد أبواقٍ للطبقة السياسيّة الحاكمة، يعني الإطاحة بركنٍ أساسي من أركان الديمقراطيّة التي كرّستها المواثيق الدوليّة، والعودة إلى الأنظمة الديكتاتوريّة البالية، وإلى العقليّة الرجعيّة التي تهدف استعباد الناس.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...