شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
مكرم الزروي بعد

مكرم الزروي بعد "الثورة" أو مغنِّي الرَّاب المنسي في سجون "بن علي"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 20 يونيو 201909:09 م

مكرم الزروي، هل سمعتم عنه؟

اسم لم تتداوله وسائل الإعلام، ومرَّ على الجميع مرور الكرام، شابٌّ تونسي انقلبت حياته رأساً على عقب، يوم أُلقي القبض عليه بتهمة تجارة المخدّرات.

قضية حُسم أمرها، ومرّت دون ضجيجٍ، كآلاف القضايا التي أكلها النسيان في زمن ديكتاتوريّة بن علي.

جاءت رياح الثورة فكَشَفت المستور، وفُضِحَت التجاوزات والانتهاكات، وأُنصِف جلُّ الذين عانوا من الظلم إلّا قلّة.

مكرم من أولئك الذين لم تصلهم موجات الحرية والتّغيير بعد الثورة، لذلك سنحاول في هذا المقال التّعرض لحياة هذا الشاب، وعلاقته بموسيقى الراب، وسنسعى إلى إعادة ترتيب الأحداث لتسليط الضوء على معاناة شابٍّ كان يرى في تلك الموسيقى بديلا إصلاحيا للشباب يعصمهم من الضياع والإدمان، فزُج به إلى السجن بتهمة الاتجار بالمخدرات.

البداية: الحومة وموسيقى الراب

"ولد مكرم الزروي عام 1990، أنهى المرحلة الابتدائيّة في مدرسة "سيدي العلوي" في باب الأقواس بتونس العاصمة.

كان فتى مشاكساً ومحبوباً من الجميع في حيِّه.

كنا جيراناً وأصدقاء في حي النفافتة. لعبنا، وتعلّمنا ثقافة الشارع منذ الصغر. انقطعنا مبكّراً عن الدراسة، وهو ما سمح لنا بالإقبال على الحياة العمليّة".

هذه هي ذكريات منعم، صديق مكرم، ورفيق دربه.

يحكي منعم عن الخلفية التي ظهر منها مكرم، الأجواء السائدة في الأحياء الشعبيّة آنذاك -أي في بداية التسعينيات- جعلت العديد من الشباب يتجّه إلى الموسيقى كبديلٍ يعوّض الفشل الدراسي والأوضاع المترديّة، وكوسيلةٍ للتعبير عما يختلج في صدور فِتْيَةٍ يعانون من ظروفٍ ماديّةٍ قاسية. لقد كانت الحومة (الحي السكني) بمثابة الحاضنة لمكرم الزروي. لعلّ معرفته بمواهب أصدقائه هو ما جعله يفطن لموهبة هذا الأخير في كتابة الشعر، فولدت فكرة الغناء، وتبلورت أكثر مع مرور السنوات.

ويواصل منعم سرد ذكرياته مع صديقه: كان يعلم أنني مولعٌ بكتابة الشعر ولي العديد من المحاولات، وأتذكّر أنه جاء إلى بيتي وأخبرني أنه يريد أن نكوّن فرقة، ويغني الراب بالعربيّة. كنا نستمع إلى الراب الأميركي على أشرطة كاسيت، ومكرم لطالما حلم بتقليد فناني الراب الأميركيين.

كان مكرم يطمح إلى إرساء ثقافة الـ"هيب هوب"، وترسيخها في الشباب، لقد تفطّن إلى أن موسيقى الراب يمكن أن تكون ملاذاً للكثيرين.

كانت أولى المحاولات مع موسيقى الراب في عمر الـ 18، فقد وجد الزروي في هذا النمط الموسيقي الوافد من الولايات المتحدة، ملجأً ومتنفّساً يمكّنه من وضع كلِّ أوجاعه ومشاكله على الورق، في شكل نصٍّ يُلقيه على أنغام موسيقى مُوقَّعة.

منذ سنة 1996، انشغل مكرم بموسيقى الراب، أولاها كلَّ اهتمامه، فقد انكبَّ على العمل نهاراً، وكتابة النصوص ليلاً، فالعمل مثَّل له وسيلةً لكسب المال وشراء أشرطة التسجيل، ومزيداً من الاستمتاع بهذه الموسيقى التي ألهمت الزروي وأصدقاءه، الذين ساعدوه وتنقّلوا من عملٍ إلى آخر، مثل بيع الملابس القديمة في "الحلفاوين" و "الحضائر"، ليوفّر ما يلزم ليبحر في عالمه المفضّل: الراب.

من 1997 إلى 2005: سنوات العطاء والإبداع

منذ أواخر التّسعينيات، أقبل مكرم الزّروي على مختلف الأنشطة الثقافيّة الموجودة في العاصمة، ولم يكتف بالراب فقط بل تجاوزه إلى مجالاتٍ أخرى متنوّعةٍ، ليشارك في عرض الحضرة مع سمير العقربي، ويسجّل حضوره كذلك في العرض الأول من تظاهرة "ربيع الرقص" مع سهام بلخوجة.

كان الزروي كذلك مغرماً بالمسرح ويحلم بالتمثيل، لذلك فقد ساهم في مسرحيّة "جنون"، ولزم صحبة نجوم كبار كالممثل ومغني الراب محمد بن علي بن جمعة.

كما كان له حضور في فيلم "الأمير" من إخراج محمد الزرن والذي عُرض سنة 2004.

واحتكاك الزروي بالممثّلين والمخرجين هو ما أكسبه ثقافةً واسعةً، قد كان دقيق الملاحظة سريع البديهة كما وصفه أصدقاؤه، ورغم تمكّنه من الحصول على شهادةٍ جامعيّةٍ إلا أن ولعه بالموسيقى والتّمثيل جعله يحفظ كلَّ التفاصيل، ويطلع على أسرار المجال الثقافي في تونس.

أراب كلون: الحلم يتحقّق

لطالما حلم مكرم بمجموعةٍ تكون حاضنةً للشباب المولع بالموسيقى والرقص، فكرة ستتحقّق مع تكوين فرقة "آراب كلون" سنة 1997، والتي ستكون بمثابة بوّابةٍ يمرّ منها الزروي ورفاقه، ليظهروا وتخرج موسيقاهم وكلماتهم للجميع.

يضيف منعم: "آراب كلون" تعني قبيلة العرب. الحقيقة أنَّ الفكرة استوحيناها من فرقة الراب الأميركية (ووتانج كلان)، أنا ومكرم قمنا باستقبال عددٍ كبيرٍ من فناني الراب آنذاك، كانت المجموعة تقريباً تضمُّ كلَّ الرابرات في العاصمة، هدفنا هو أنه في كلِّ حومة نستنبط طريقةً للتعريف بثقافة الهيب-هوب التي لم تكن منتشرة في التسعينيات.

أهداف "فرقة الزروي"

كان مكرم يطمح إلى إرساء ثقافة الـ"هيب هوب"، وترسيخها في الشباب، لقد تفطّن إلى أن موسيقى الراب يمكن أن تكون ملاذاً للكثيرين، بدل التوجّه إلى الإجرام والانحراف.

فقد اعتبر الفنَّ وسيلةً لمكافحة قسوة الظروف، وتدهور الأوضاع الماديّة لأبناء الأحياء الشعبيّة، وتُوِّج هذا المجهود بأوّل حفلٍ تقيمه الفرقة سنة 1999 بقاعة بن رشيق بالعاصمة.

في هذا الصدد يواصل منعم تذكّر تفاصيل عن الفرقة والحفل قائلاً:

"كنا شبابا طامحاً للتغيير، الفرقة ضمّت أيضاً بناتٍ مهتمّاتٍ بالهيب هوب وبموسيقى الراب تحديداً، وقد جمعنا الأموال للتحضير للعرض. أتذكّر جيداً الزروي وهو يتنقّل بين أعضاء الفرقة، يشجّعهم، ويحمّسهم، يتحدّث عن تفاصيل العرض، ويشرح مراحله. كان أكثرنا ثقة، وقد مرَّر هذه الطاقة للمجموعة".

"فنّان وليس مجرماً"

"الزروي فنّان وليس مجرماً" هكذا استهلَّ صديقه منعم حديثه، يواصل قائلاً: "كان يعيش حياةً عاديةً صحبة زوجته وأبنائه، إلى أن بدأت الإشاعات حول ترويجه للمخدرات، لم تكن سوى أقاويل بهدف الإيقاع به".

وقد ازدادت الأمور تعقيداً عندما زعم شخص تمَّ إيقافه أنه اشترى "الزطلة"، القنب الهندي، من مكرم. بعدها ظلَّ الزروي مطلوباً لمدّة سنتين، وصدر حكم غيابي بالحبس 15 سنة، وأُلقي القبض عليه سنة 2007.

وراء القضبان بين أمل وهاجس

مكرم الزروي يقبع خلف القضبان لمدة 10 سنوات تقريباً في حالةٍ حرجةٍ وظروفٍ صعبة كما أكّدت والدته.

"لقد أخبرني زملاؤه في الزنزانة أنه كثيراً ما يدخل في نوباتٍ هيستيريّة، ويكلّم نفسه باستمرار، فالوضعية في السجن تفتقر لأبسط مقوّمات الإنسانيّة. ومكرم يصرُّ في كلِّ مرّةٍ أزوره فيها على أنه بريء، منذ 10 سنوات وهو متشبّث بأقواله".

تحول من فنان مقبل على الحياة، وناشرٍ لثقافة الهيب هوب في الأحياء الشعبيّة، إلى يائسٍ يحاول وضع حدٍّ لحياته.

تضيف والدته موضحة الحالة التي يعيشها مكرم: ممزّق بين أمل الخروج ليلاقي والدته وهاجس البقاء خلف السجن، وضعيّة متأزمة تفسّر محاولتي الانتحار التي قام بهما في السجن، الأولى كانت عن طريق تناول الدواء، والثانية حاول شنق نفسه وأنقذه أصدقاؤه.

بعيداً عن التفاصيل القانونيّة وحيثيّات القضيّة، ورغم غموض العديد من النقاط التي تحتاج إلى توضيح، ييبقى الواقع القاسي أن مكرم تحول من فنان مقبل على الحياة، وناشرٍ لثقافة الهيب هوب في الأحياء الشعبيّة، إلى يائسٍ يحاول وضع حدٍّ لحياته، لأنه يعتبر نفسه مظلوماً ولم يعد قادراً على فراق والدته وأبنائه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image