"العيد فرحة" عبارة لا شك فيها إلا أنها قد تحمل معاني أخرى لدى بعض الناس، مع تراكم المسؤوليات وفقدان الأحبة وغيرهما. أما عيد الأمهات العازبات في مصر فهو مزيج من فرصة للابتهاج لدى البعض وحمل ثقيل يفاقم المصاريف لدى أخريات.
رصيف22 تابع مسارات أمهات عازبات لمعرفة كيف تستعد الأم العزباء في مصر لعيد الفطر وحصل على شهاداتٍ بعضها ملهم والآخر مؤلم.
"كلها أيام شبه بعضها"
هناء أحمد (اسم مستعار) لا ترى يوم العيد مختلفاً عن سواه، لأن الأيام متشابهة. لذا لم تشترِ حلوى العيد أو ملابس جديدة لها ولطفليها ولا تعتزم حتى تمضية يوم العيد خارج منزلها.
تستحضر هناء الالتزامات المادية المتراكمة عليها، وتقول لرصيف22: "أوفر الفلوس لدفع بدل إيجار الشقة المتراكم منذ أربعة أشهر والمتطلبات الحياتية الناقصة"، مردفةً "طفلاي صغيران لا يدركان فرحة العيد، ثم هل هناك عيد بالأساس؟".
تشير البيانات إلى أن قرابة 30% من الأسر في مصر تنفق عليها نساء. وتؤكد الإحصاءات الأخيرة أن 38% من نساء مصر معيلات لأسرهن.
تحاول الأمهات العازبات التغلب على التعسر المادي برغم صعوبة الحصول على عمل يتناسب مع أدوارهن (كأب وأم لأبنائهن في الوقت ذاته)، وقلة مبالغ النفقات الأبوية التي يحصّلها القضاء لمصلحة الأبناء مقارنة بارتفاع تكاليف الحياة.
بين سداد الديون المتراكمة والرغبة بإسعاد أطفالهن ومنحهم "فرحة استثنائية” رغم الضغوط والصعاب، كيف تخطط الأمهات العازبات في مصر للعيد؟ تعرفوا على خططهن المؤلمة والملهمة كذلك.
تتفق بثينة رامي (اسم مستعار)، وهي أم لأربعة أطفال مع هناء. وتؤكد لرصيف22 أنها "مرغمة" على تجاهل العيد هذا العام بسبب الارتفاع غير المعقول في أسعار الكعك والحلوى، وزيادة أسعار الملابس، بالإضافة إلى تزايد الأعباء المادية عليها جراء ارتفاع تسعيرة الكهرباء والغاز وبدل إيجار البيت ومتطلبات أخرى كالتعليم والمأكل والملبس وعلاج أربعة أطفال.
لكنها تؤكد، على خلاف هناء، أنها كانت تتمنى لو تستطيع توفير تجهيزات العيد لأطفالها، مشيرةً إلى أن غياب ذلك يؤرقها حقاً.
حصلت غادة عبد العزيز (اسم مستعار) التي تعيش مع والدتها بلا عمل على ملابس لطفلتها الوحيدة من متبرعة تعلم جيداً ضيق ذات يدها. أما عن بقية لوازم العيد فاكتفت منها بشراء الطعام الذي تحبه ابنتها. وتنوي زيارة الأهل أو استقبال الأقارب إن حضروا.
احتفال مؤجل
يؤجل الاحتفال بالعيد اضطرارياً لدى إسراء علي (اسم مستعار). ترسل الفتاة العشرينية طفلها الذي لم يتخطَ العامين بعد إلى والده للاحتفال بأول أيام العيد معه، هكذا تضمن أنه سيحصل على ملابس جديدة.
وتشرح لرصيف22: "منذ طلاقنا، رفض والد ابني منحي مليماً للإنفاق عليه واشترط إرسال الطفل إليه ليشتري هو حاجاته الأساسية. ربما يكون طفلي بحاجة للبقاء معي، لكنه يفرح كثيراً بالملابس والحلوى، ولا يمكن أن أتصرف بأنانية وأحرمه هذه الفرحة. قليل من التضحية مطلوب".
أضافت: "في اليوم التالي للعيد أصحبه للاحتفال معاً. نشتري بعض الحلوى والبالونات ونعود في نهاية اليوم سعيدين".
فرحة على "أد الإيد"
ترى نورهان أحمد، وهي أم لطفلتين وصبي، أن الأطفال مهما كانوا صغاراً يستحقون فرحة العيد، لأنها تؤثر في حالتهم النفسية كثيراً. لذا تعكف على تزيين منزلها المتواضع بالاشتراك مع أطفالها الثلاثة، وتقول لرصيف22 إن هذا الفعل في ذاته يمثل فرحة استثنائية لنا كلنا.
تتابع:"ظروفنا المادية متواضعة لكن دائماً هناك فرصة للسعادة على "أد الإيد". أجلب البالونات ونعلقها نحن الأربعة في أرجاء المنزل وأشتري بعض الشكولاته والتمر ونضعهما في أطباق صغيرة. ثم أجهز إفطاراً شهياً".
في ما يتعلق بملابس العيد، توضح نورهان "الأسعار هذا العام مرتفعة للغاية. شرحت الأمر لأطفالي وتفهموه برغم صغر سنهم. اتفقنا على شراء ملابس منزلية للخروج بها بعد صلاة العيد إلى إحدى الحدائق العامة (المجانية) لتناول الإفطار والعودة ظهراً إلى المنزل".
درس مُتَعَلَّم لن يتكرر
حرمت رفيدة محمد طوال 20 عاماً من فرحة العيد لاضطرار والدتها للعمل في يوم العيد (تعمل ممرضة، ويكون الأجر في المناسبات أعلى من الأجر في الأيام العادية)، فهي الأخرى "سينجل مام" وكانت تتولى الإنفاق عليها وعلى شقيقها.
تتذكر في حديثها مع رصيف22، كآبة أعياد الماضي: "كنت وأخي نكره العيد ولا نتمنى أن يأتي. تخيلي عيداً بلا أب أو أم، فقط شقة مغلقة على طفلين يخشيان الوقوف وراء النافذة لرؤية دفء احتفالات الأسر المكتملة".
وتلفت إلى أنها ليست ناقمة على والدتها، أنها "كانت مضطرة ومحرومة مثلنا من فرحة الأعياد". وتضيف "أسعى حالياً لإسعاد والدتي ونفسي وتعويض ما حرمنا منه. بالطبع لن أكرر هذا مع أطفالي. أستعد للعيد قبل أشهر وأخصص له موازنة محترمة، وأسافر وأمي مدة يومين".
فرحة مشتركة
تحتال عايدة إبراهيم ونرمين علاء ووفاء راضي على الأزمات المادية والضغوط النفسية بالاتفاق على تمضية العيد معاً.
تقول وفاء لرصيف22 "ليس هناك من يشعر بك إلا من هو في مثل ظروفك". تم التعارف بين السيدات الثلاث، وجميعهن أمهات عازبات، من خلال مجموعة "أمهات مصر المعيلات" ونشأت بينهن صداقة وطيدة وبتن يلتقين في المناسبات وأصبح أطفالهن أصدقاءً أيضاً.
نرمين أكيدة أن هذا العيد سيكون مميزاً مع صديقتيها وأطفالهن، موضحةً أن تقاسم المهمات يجعل الخير وفيراً، فإحداهن تتولى إعداد الطعام والثانية تهيىء الحلوى والثالثة تنفق على متطلبات النزهة.
كريمة خالد، أم عزباء لطفلتين، ميسورة مادياً، رغم ذلك كان العيد مقتصراً لديها في السابق على شراء الحلوى وطهو أشهى المأكولات وشراء الملابس الفاخرة لها ولابنتيها. لكنها تنوي تغيير هذا الروتين خلال هذا العيد إذ قررت السفر إلى أحد الشواطئ لفرحة إضافية.
وتقول لرصيف22: "نعمل (كأمهات عازبات) ليلاً نهاراً من أجل أبنائنا. تفوتنا لحظات مهمة معهم من أجل توفير متطلباتهم. يستحقون ونستحق أيضاً احتفالات استثنائية تعوض اللحظات السيئة، وهو ما أنوي فعله من الآن فصاعداً".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...