شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
عُري، وقمر، وسائل منوي.. طقوس غريبة لساحرات المغرب في ليلة القدر

عُري، وقمر، وسائل منوي.. طقوس غريبة لساحرات المغرب في ليلة القدر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 30 مايو 201901:38 م

تخرج عارية في ليلة القدر على سطح المنزل، تصلي في ضوء القمر، وتحكي النساء اللاتي يترددن عليها بأن لها ذراع ميت محنطة، تستخدمها في فتل الكسكسي، الأكلة التي يعدها المغاربة في هذا التوقيت كل عام، وإن أكل منها الزوج أو الحبيب فلن يخون أبداً، وقد تجعله مجنوناً، أو عاجزاً جنسياً.

هكذا حكت فتحية متقي، الملقبة بسيكاطريس 30 عاماً وأم لطفلين، عن جارة لها تمتهن السحر والشعوذة، شاهدتها تمارس طقوسا، تكررها كل عام في ليلة القدر، السابع والعشرين من شهر رمضان.

"السائل المنوي" لتقوية روابط المحبة

تزامناً مع حلول ليلة القدر من كلِّ سنة، ترفع ربيعة العربي (38 عاماً) حالة الطوارئ، وتلقن بناتها بعض التحذيرات التي كانت قد تلقّنتها على لسان والدتها وجداتها، لتجنيبهن وتحصينهن مما تعتبره خطورةً تزامن سلوك الشعوذة التي تبلغ ذروتها في "ليلة القدر"، وذلك بالالتزام بأشياء مثل عدم الخروج بعد صلاة المغرب من البيت، وعدم تبادل الصور مع صديقاتٍ لسن أهلاً للثقة.

في السنة الماضية تداول نشطاء على صفحاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، صوراً لأشخاصٍ وعروسين وجدت بجانب مقبرة، تمّ استعمالها في أعمال السحر والشعوذة، عليها طلاسم وكتابات غير مفهومة، بالإضافة إلى أعضاء بعض الحيوانات، وأقفالٍ تمّ استعمالها بغرض "تفريق العروسين وتخريب حياتهما الزوجيّة".

تحكي حليمة عرباش، 29 عاماً وهي أم لثلاثة أطفال وربة منزل، لـ"رصيف22": إن "لجوئي إلى إحدى" العرّافات" المتواجدات بسوق "جميعة" القريب من " درب السلطان"، وسط مدينة الدار البيضاء، كان بهدف تقوية روابط المحبة مع زوجي وجعله محبّاً ومصغياً لي، إذ نصحتني العرّافة، بإذابة بعض الأوراق التي تحتوي على طلاسم مكتوبةٍ بماء الزعفران في إبريق وإضافة "الخرقة" وهي "قطعة قماش تحمل السائل المنوي"، مع بعض الأعشاب والأدوية الفوّارة، وحثّتني على وضعها على نارٍ هادئة طيلة ليلة القَدْر، مع الحرص على إطفاء النار مع آذان الفجر".

"يتخيل النساء الشياطين محررين من القيود في ليلة القدر، فيلجأن للساحرات لاستغلالهم في قضاء حوائجهن"

تقول حليمة: لم يخطر في بالي يوماً أنني سأقوم بهذه الممارسات التي تعتبر من المحرّمات التي تغضب الله، ولكن "هذا ما ربّتنا عليه والدتنا".

أمّا سناء (اسم مستعار)، وهي طالبة بكلية الاقتصاد في الدار البيضاء، فتقول لـ"رصيف22" إنها تحرص في كل ليلة قدر على " الخرقة" أو أيٍّ من الملابس الداخليّة لحبيبها، بإضافة بعض الأعشاب وماء النار أو" الماء القاطع" كما يسمّيه المغاربة.

وهذه العملية، بحسب سناء، تهدف لجعل حبيبها لا يقوى على النظر إلى غيرها أو ممارسة أيّ علاقةٍ جنسيّة مع غيرها.

السحرة: معارضون وزعماء

يرى باحثون في علم الاجتماع أن للمجتمع المغربي معتقدات ذات جذور تاريخية، خاصة ما يتعلق بالجنّ، والحسد، والسحر، وأيضاً الاعتقاد في البركة والكرامة.

قبل دخول الإسلام المغرب، كان موحدا تحت سلطة روحانية وسياسية يمارسها الكهنة، وبعده كان السحر والكهانة مقاومة للخلافة التي أهملت البلاد

ويذكر مؤرخون أن أراضي المغرب كانت خاضعة لسلطة روحية وسياسية واحدة مارستها الكهنة، المنشغلين بالحكمة، والفلك، والتنجيم، والفراسة.

وفي فترات تاريخية لعب السحر دور المعارضة السياسية، حيث حرص الحكام على فرض تدين "أهل السنة والجماعة"، الذي يحرم ممارسة السحر، وتبنى معارضون ممارسة السحر، ونسبوا تفوقهم السياسي، وأهليتهم إلى إتقان تسخيرهم للقوى الروحانية لصالح بلادهم.

أبرز هؤلاء صالح بن طريف البرغواطي المعارض لحكم الأمويين، ومؤسس إمارة برغواطة، حيث عرف عنه تنبؤاته الغيبية، والتبحر في علم الكلام والجدال، وكذلك زينب النفرزاوية زوجة يوسف بن تاشفين، حيث نسب إليها الكلام مع الجن، ومواهب روحانية، واقترن حضورها الأسطوري بطموح المغاربة إلى "تحقيق الوحدة السياسية" بعد أن أرهقتهم الحروب الطائفية. 

"لم يخطر في بالي يوماً أنني سأقوم بنوعٍ من هذه الممارسات التي تعتبر من المحرّمات التي تغضب الله، ولكن هذا ما ربّتنا عليه والدتنا"

وتطلَّع في عصر الموحدين بعض من عُرِف عنهم السحر إلى الزعامة المحلية، رغم تبني معظم المغاربة الفكر السني الذي تتبناه الدولة والمعروف عنه تجريم السحر، مثل الجزيري، وابن الفرس، وأبي الطواجين الكتامي.

فلايزال المغرب يُعرف ببلد "أولياء الله الصالحين"، والساحرات، وبلد "الزوايا" ومجمّع "الصوفية"، وأوكار العرافات، وهو ما يشير إلى أن تنشئة المجتمع المغربي روحانيّة وصوفيّة، تنهل من مرجعيّة القوى الخارقة لعدد من أولياء الله، والسحرة.

ورجال الدين هم متصوّفة ذاع صيتهم تاريخيّاً لكراماتهم وقدراتهم التي لا يزال المغاربة يردّدونها إلى اليوم.

الشَّياطين حرّة، والدعوات مُجَابَة

يفسّر رشيد الجرموني، أستاذ علم الاجتماع، لرصيف22 هذه الممارسات السحرية بأنها مرتبطة بعوامل متعدّدة، منها الأمية والهشاشة بين فئات المجتمع، بالإضافة إلى مشاكل تأخر سن الزواج والعقم والطلاق.

وتلجأ بعض النساء، يضيف الجرموني، لمثل هذه السلوكيّات نتيجة قناعةٍ بأنَّ "ليلة القدر" تُقضى فيها جميع الطلبات الخاصّة بالنساء، عن طريق أعمال السحر والشعوذة، فهنّ يتخيلن أن الشياطين المقيدة بالسلاسل يُطلق سراحهن في هذه الليلة.

وقد تطورت ممارسة السحر في المغرب، وتجذرت في العادات والتقاليد الشعبية، وأصبحت مصدراً سريعاً لبلوغ الثراء، بل وفرضت نفسها بقوّة ضمن البنية الاقتصاديّة، وتخصّص البعض في بيع المواد الخاصّة بعالم الشعوذة، وأبرزهم "العطّارون"، وهم المتخصّصون في بيع الأعشاب، والبخور، وأعضاء الحيوانات الغريبة والنادرة، وبيع جلود الحيوانات.


ومن بين الكلمات والتعابير التي يتمّ تداولها بشكلٍ واسع في هذه الليلة داخل "أوكار" المشعوذين، هي "تراب الرجلين"، و"لدون"، و"سخ العايم"، و"الشعر"، و"أثر قدم الإنسان"، و"زغب الفار"، و"الشمع"، و"يد الميت"، و"الكارطة"، و "الخرقة".

كما تجد بعض الوصفات طريقها إلى "الأوكار" ذاتها التي تتطلّب إعدادها بعض المكوّنات الغريبة التي يعجز العقل عن تصديقها، وفي الوقت ذاته باهظة الثمن.

يسرد "سي سالم"، وهو عطّار بأحد أسواق حي البرنوصي بالدار البيضاء، بعض الوصفات التي يطلبها العرّافون من زبائنهم، وتقبل على اقتنائها النساء في هذه الليلة، مثل: "جلد الفأر اليتيم"، و"رأس الكلب"، و"مخ الضبع"، و"الساكتة والمسكوتة"، و"الصرصار الأعزب"، و"الذبابة الهندية".


من الناحية القانونيّة، يعاقب القانون المغربي كلّ من احترف التنبؤ بالغيب، وينصّ الفصل 609 من القانون الجنائي في فقرته 35 على أن من احترف التكهّن والتنبؤ بالغيب أو تفسير الأحلام يعاقب بغرامة تتراوح بين 10 و120 درهماً (12 دولار) ويعتبر هذا الفعل مخالفةً من الدرجة الثالثة. فيما ينصّ الفصل 726 من قانون الالتزامات والعقود، على بطلان كلّ اتفاقٍ يكون موضوعه تعليم أو أداء أعمال السحر والشعوذة، أو القيام بأعمالٍ مخالفةٍ للقانون أو الأخلاق الحميدة أو النظام العام.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image