شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
وجدت حلولاً لمشاكل العالم، لكني نسيتها: لماذا نعجز في الكثير من الأحيان عن تذكّر أحلامنا؟

وجدت حلولاً لمشاكل العالم، لكني نسيتها: لماذا نعجز في الكثير من الأحيان عن تذكّر أحلامنا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 22 مايو 201908:15 م

أقف خارج المدرسة في المرحلة الابتدائيّة، بالقرب من البوّابات الأماميّة وموقف سيّارات المعلّمين. إنه يومٌ مشمسٌ ومشرقٌ، وأنا محاط بزملائي في الفصل...لديّ شعورٌ مبهم بأنّ بعض أساتذتي يقفون في مكانٍ قريب، لكنّ انتباهي منصبٌّ على شخصين بالغين، لا أستطيع التعرّف إليهما. أرى تفاصيل شكل الرجل بوضوح، من لمعان شعره وصولاً لعدسات نظّارته الشمسيّة الذهبيّة. يرفع الرجل جهازاً ينبعث منه صراخٌ مدوٍّ. جثوت على ركبتي ووضعت يدي على أذني، وقام زملائي في المدرسة بنفس الشيء. أما الرجل فضحك بشكلٍ جنوني.

هذه الحادثة ليست مستقاة من الواقع، بل مجرّد حلم راود الكاتب "ستيفن دولينغ" منذ حوالي 40 عاماً. وبالرغم من هذه المدّة الطويلة، إلا أن "دولينغ" لا يزال قادراً على تذكّر التفاصيل كما لو أنه رآه بالأمس، إلا أنه لا يستطيع تذكّر أي شيءٍ عن حلمٍ راوده في وقتٍ سابقٍ من هذا الأسبوع.

ليس "ستيفن كولينغ" وحده من يعاني من مشكلة نسيان الأحلام، إذ أن حاله يشبه حال الكثيرين منا: في غضون 5 دقائق من انتهاء الحلم، ننسى 50% من محتواه ونفقد 90% من تفاصيله بعد مرور 10 دقائق فقط، فلماذا نعجز في الكثير من الأحيان عن تذكّر أحلامنا أو حتى جزءٍ بسيطٍ منها؟

كيف نحلم؟

في بعض الأحيان، نستيقظ فجأةً من نومنا مع دقّات قلبٍ سريعة وألمٍ في الصدر وضيقٍ في التنفس، ونلاحظ أن الوسادة مبلّلة، والعرق يتصبّب من وجهنا...فنحمد الله أن هذه المشاعر بعيدة كلّ البعد عن الواقع، ولكن في نفس الوقت نحاول جاهدين تذكّر ما حدث في الحلم، ولكن دون جدوى. 

بالنسبة للكثيرين منا، تُعتبر الأحلام أمراً غير ملموس، وإذا حالفنا الحظ، نتذكّر فقط لمحةً سريعةً عن الحلم خلال النهار، وحتى أولئك الذين يستطيعون تذكّر الأحلام الماضية بتفاصيل مدهشة، يمكن أن يستيقظوا في بعض الأيام دون أن يتذكّروا شيئاً تقريباً عن أحلامهم.

في غضون 5 دقائق من انتهاء الحلم، ننسى 50% من محتواه ونفقد 90% من تفاصيله بعد مرور 10 دقائق فقط

والسبب الذي يجعل الأحلام تراودنا، وما إذا كنا نستطيع تذكّرها، هما أمران يتجذّران في بيولوجيا أجسامنا النائمة وعقلنا الباطن.

في الحقيقة، إن النوم هو أكثر تعقيداً مما نعتقد، فبدلاً من أن يكون مرحلةً من اللاوعي تسبقها وتتلوها محاولات الانخراط في النوم والاستيقاظ، تمرّ أدمغتنا المرتاحة بحالاتٍ ذهنيّةٍ مع بعض الأجزاء المليئة بالنشاط العقلي.

ويرتبط الحلم ارتباطاً وثيقاً بحالة النوم المعروفة باسم "حركة العين السريعة REM" والتي تُعرف في بعض الأحيان باسم النوم غير المتزامن، نظراً لكونها تحاكي بعض علامات الاستيقاظ.

ويوضّح موقع "بي بي سي" أنه أثناء مرحلة نوم حركة العين السريعة، تتقلّب العينان بسرعةٍ، وتحدث تغييرات في التنفّس وفي الدورة الدمويّة، ويدخل الجسم في حالة شللٍ تُعرف باسم "atonia"، ويحدث ذلك في موجاتٍ مدّتها 90 دقيقة خلال النوم، وفي هذه المرحلة تميل أدمغتنا إلى الحلم.

وخلال حالة حركة العين السريعة، يحصل تدفقٌ إضافيٌّ من الدم إلى أجزاءٍ مهمّة من الدماغ: القشرة، التي تملأ أحلامَنا بمحتواها، والنظام الحوفيّ الذي يعالج حالتنا العاطفيّة.

وبينما نحن في حالة النوم هذه، تصبح تلك الأجزاء مفعمةً بنشاطٍ كهربائي جامح. ومع ذلك، فإنّ الفصوص الجبهيّة في الدماغ والتي توجّه قدراتنا الأساسيّة تكون هادئة، ما يعني أننا غالباً ما نقبل بشكلٍ أعمى ما يحدث في هذا السرد الذي لا معنى له في الكثير من الأحيان، حتى يحين وقت الاستيقاظ.

سرّ نسيان الأحلام

إن الأحلام تساعدنا على حلّ المشاكل، تهدئة العواطف وجعل بعض الناس أكثر إبداعاً، وكلّما اختلطت الأحداث في الأحلام وتضاعفت الصور، كلّما كان من الصعب علينا فهمها أو تذكّرها.

تعليقاً على هذه النقطة، يقول أستاذ علم النفس والمؤلّف "دييدر باريت" إن الأحلام التي لها بنية أوضح يكون تذكّرها أسهل بكثيرٍ بالنسبة لنا.

في الحقيقة هناك عدّة عوامل من شأنها أن تقف وراء ظاهرة نسيان الأحلام، كبعض أمراض النوم، كانقطاع النفس والأرق، شرب الكحول وتناول بعض الأدوية...ولكن توّضح صحيفة الهافيغتون بوست أن "الأحلام هي بمثابة تجارب عاطفيّة تقترب من صحوة الحياة"، وبالتالي في حال كانت بعض الأحداث التي تحصل في الحلم هي نفسها التي تحدث في الحياة، مثل السقوط من على سطح المنزل أو معايشة قصّة حبٍّ عنيفة، فإن القصّة ستبقى محفورة في الذاكرة، في حين أن الأحداث السرياليّة يمكن أن تتلاشى بسرعةٍ كالغبار، هذا وتعتبر بعض النظريات أن النسيان قد يكون مرتبطاً بالحلم نفسه: ننسى لأن الحلم ببساطة يكون غير مثيرٍ للاهتمام.

كلّما اختلطت الأحداث في الأحلام وتضاعفت الصور، كلّما كان من الصعب علينا فهمها أو تذكّرها

ولكن من الناحية العلميّة، هناك عنصرٌ كيميائي مهمّ لضمان الحفاظ على ذكريات الأحلام: النورادرينالين، وهو هرمون يُهيّئ الجسم والعقل للعمل، وتكون مستوياته منخفضةً بشكلٍ طبيعي أثناء النوم العميق.

توضّح "فرانشيسكا سيكلاري"، طبيبة أبحاث النوم في مستشفى لوزان الجامعي، أن هناك تعريفاتٍ واضحة بين حالات اليقظة والنوم لدينا، وهذا ليس من باب الصدفة، معتبرةً أنه "من الجيّد أن تكون حياة الأحلام وحياة اليقظة مختلفتين تماماً".

الأحلام هي بمثابة تجارب عاطفيّة تقترب من صحوة الحياة، وفي حال كانت بعض الأحداث التي تحصل في الحلم هي نفسها التي تحدث في الحياة، فإن القصّة ستبقى محفورة في الذاكرة، في حين أن الأحداث السرياليّة يمكن أن تتلاشى بسرعةٍ كالغبار

وتضيف: "أعتقد أنه إذا كان بوسعكم تذكّر كلّ التفاصيل كما يمكنكم القيام به وأنتم مستيقظون، فستبدأون في خلط الأمور مع ما يحدث بالفعل في حياتكم الحقيقية"، مشيرةً إلى أن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات النوم، مثل الخِدَار، قد يجدون صعوبةً في تحديد الفرق بين حياتهم أثناء الاستيقاظ وأثناء النوم، وهذا قد يجعلهم يشعرون بالارتباك والحرج. وكشفت أن "هناك أشخاصاً يتذكّرون أحلامهم جيداً، ويبدؤون بالفعل في تصدير تلك الذكريات إلى يومهم".

الحلم ودورات النوم

ليس من قبيل الصدفة أن الأحلام التي نتذكّرها أكثر تأتي من فتراتٍ معيّنةٍ في دورة نومنا، وتتأثّر بالمواد الكيميائيّة التي تتدفّق خلال أجسامنا النائمة، وفي هذا الصدد، تقول "سيكلاري": "عادةً ما نحلم بوضوحٍ أكثر في مرحلة نوم حركة العين السريعة، وهو عندما تكون مستويات النورادرينالين منخفضةً في المخ".

صحيح أننا قد نجد أنفسنا نحلم مباشرةً قبل عملية الاستيقاظ، لكن روتيننا الصباحي يُعيق في الواقع تذكّر الأحداث التي حدثت في الحلم، إذ أنه غالباً ما نستيقظ من سباتنا جرّاء صوت المنبّه، ما يسبّب ارتفاعاً في مستويات النورادرينالين، ويجعل من الصعب علينا تذكّر أحلامنا.

وتعليقاً على هذه المسألة، يقول الباحث في علم النوم في كلية هارفارد الطبيّة "روبيرت ستيكغولد": "عندما يسألني البعض عن سبب عجزهم عن تذكّر أحلامهم، أقول لهم بإنّ السبب يعود لحقيقة أنهم ينخرطون في النوم بسرعةٍ كبيرة، وينامون بعمق، ويستيقظون مع المنبّه".

ويوضّح "ستيكغولد" أنّ الكثير من الناس يتذكّرون أحلامهم من فترة بداية النوم، عندما يبدأ العقل بالتجوّل، وتبدأ الصور المجازية التي تشبه الأحلام بالظهور أثناء استغراق الناس في النوم واستيقاظهم منه، وهي عملية تُسمّى "الحلم الإغفائي".

ويكشف الباحث أنه أجرى دراسةً قبل بضع سنوات بحيث استيقظ فيها الطلاب في المختبر، بعد فترةٍ وجيزةٍ من بدء دخولهم إلى هذه الحالة، وكلّ واحدٍ منهم استطاع أن يتذكّر أن الحلم قد راوده، شارحاً ذلك بالقول:"هذه المرحلة هي في أوّل 5 أو 10 دقائق بعد النوم. إذا كنتم تغفون بسرعة، بالطريقة التي نتمنّاها جميعاً، فلن تتذكّروا أيّ شيءٍ من هذا الجزء من دورة نومكم".

كيف نتذكّر أحلامنا؟

من الواضح أنّ كلّ شخص يختلف عن الآخر فيما يتعلّق بالنوم، لكن هناك بعض النصائح العامّة التي قد تساعدكم على تذكّر أحلامكم.

يشرح ستيكغولد أن "الأحلام تكون هشّةً بشكلٍ لا يُصدّق عندما نستيقظ لأوّل مرّة، وليست لدينا إجابة عن سبب ذلك"، مضيفاً:" إذا كنتم من النوع الذي يقفز من السرير ويقضي يومه، فلن تتذكّروا أحلامكم عندما تنامون صباح يوم العطلة، فهذا وقت ممتاز لتذكّر الأحلام".

ويتابع الباحث كلامه بالقول:"ما أقوله لطلابي في الدورات التدريبيّة هو التالي: عندما تستيقظون، حاولوا أن تستلقوا، لا تفتحوا أعينكم حتى، حاولوا أن "تطفو"، وفي الوقت نفسه حاولوا أن تتذكّروا ما الذي كان في حلمكم"، شارحاً أن هذه التقنية تسمح للمرء بمراجعة الأحلام في الوقت الذي يدخل فيه حالة اليقظة، ما سيسمح له بتذكّرها تماماً مثل أي ذكرى أخرى.


ننسى لأن الحلم ببساطة يكون غير مثيرٍ للاهتمام

ويكشف "روبيرت ستيكغولد" أنّ هناك طرقاً موثوقة لتذكّر الأحلام: "أطلب من الناس أن يشربوا ثلاثة أكواب كبيرة من الماء قبل أن يذهبوا إلى الفراش. وليشربوا الماء وليس ثلاثة أكواب من الجعة، لأنّ الكحول يقمع نوم حركة العين السريعة، سوف تستيقظون ثلاث أو أربع مرّات في الليل، وسوف تميلون إلى الاستيقاظ في نهاية دورة نوم حركة العين السريعة، وهو أمرٌ طبيعي".

وهناك نصيحة أخرى يقدّمها بعض الباحثين في علم النوم، وهي أن تكرّروا لأنفسكم وأنتم على وشك النوم، بأنكم تريدون أن تتذكّروا أحلامكم، عندها ستتذكّرونها بالفعل حين تستيقظون.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image