شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
لا مُبالاة أم قَمع.. لِمَاذا اختفى المسرح السِّياسي من حَياتنا؟

لا مُبالاة أم قَمع.. لِمَاذا اختفى المسرح السِّياسي من حَياتنا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 8 مايو 201902:50 م

في مقدمة مسرحيته الشهيرة "مغامرة رأس المملوك جابر"، يتوقف الكاتب الكبير سعدالله ونوس أمام الفرق بين المسرح السياسي ومسرح التسييس، مؤكداً أن ما نشهده على الأرض عروض مسرحية تحاول جاهدة التنفيس والتعبير عن مواقف بعينها، هدفها الأول التنوير والتعبير عن الموضوعات الاجتماعية.

بينما يعمل مسرح التسييس على طرح القضايا السياسية ذات الصلة الوثيقة بالهمّ الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع.

واليوم، وبينما تتراجع تجارب المسرح السياسى فى شتَّى أنحاء وطننا العربى، يقفز السؤال: ترى ما الذى دفع هذا النوع من التجارب إلى التَّراجع؟ أهو الخوف فعلاً أم هناك أسباب أخرى؟

"سبق وأن امتلكنا رصيداً مقبولاً من تجارب المسرح السياسي، وكان أشهرها ما قُدِّم على خشبات المسرح الخاصّ" يُجيب الناقد حسام محمود، ويضيف مثل تلك التي قدَّمها الممثل أحمد بدير، وأبرزها "دستور يا أسيادنا"، وقد أثارت ضَجَّة إعلامية كُبرى وقت العرض فى 1995 بسبب جرأتها واقتحامها لقضايا مسكوت عنها، كذلك تجربة الفنان الكبير عادل إمام "الزعيم".

وفي الخليج العربي نجد تجارب مهمة فى هذا الإطار، منها "باي باي يا عرب" التى قدمها حسين عبد الرضا، وغيرها.

هذه النوعيات، بحسب محمود، كانت من التجارب التي لعبت دوراً مُهمَّاً في توعية وتثقيف الجماهير، وتفكيك الواقع، وتعريته، وفضح مشاكله السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بهدف جعل المتلقى شريكاً في الفعل، وحثّه على البحث عن أجوبة.

أما اليوم فيشير محمود إلى تراجع تلك التجارب، ويُرجع ذلك لأكثر من سبب منها تضييقات الرقابة وتدخّلاتها المبالغ فيها أحياناً، أضف إلى ذلك أنَّنا نُعاني مشاكل مُهمَّة مثل قِلَّة المَسَارح فى بلادنا العربية، وأخرى مُغلَقة بسبب الترميم، وعدم وجود حماس لدى المنتجين لتقديم نوعية كهذه من الأعمال لن تدرَّ عليهم الربح المطلوب، وأيضاً عدم وجود النصوص المسرحية التى تعنى بالسياسة وهموم الفرد ومجتمعه.

تضييقات الرقابة وتدخلاتها، وقلة المسارح، وغلقها بسبب الترميم، وعدم وجود حماس للمنتجين لتقديمها، من أهم أسباب تراجع تجارب المسرح السياسي بحسب الناقد حسام محمود.

أماالناقد باسم خاطر فيرى أنَّنا اليوم بحاجة أكبر إلى المسرح السياسي لانتشار الكثير من الظواهر السلبية في مجتمعاتنا، خاصَّة أنَّ أحد أهمّ أدوار هذه النوعية من العروض كشف تلك الظواهر، ووضعها أمام المسئولين لإيجاد الحلول لها.

ولكن من الناحية الأخرى، يقول خاطر، لا يوجد مسرح فاعل ومؤثّر إلَّا القليل الذي يحمل رسالة وقيمة، فقديماً كانت مسارحنا فى كلّ مكان تصدح بالفنّ الرَّاقى المؤثّر، لكن الآن الاهتمام أصبح أولاً بالمادة كما لا نغفل أن مسرح القطاع الخاص المفرغ من الأهداف والقيم في الكثير من عروضه، سحب البساط من تحت أقدام العروض المؤثرة ذات القيمة.

"المسرح الرديء شكّل ذوق الجمهور"

يُلخِّص المخرج محمد القاضي إجابته الخاصَّة بأفول نجم المسرح السياسي بقوله: "الجمهور تعوَّد الآن على النوع الرديء من المسرح، وأعني المسرح المُتلفَز، والذى جاء للناس على طبق من فِضَّة إلى البيت في ظلّ سعي البعض فى مسارحنا إلى تقديم أعمال بعيدة تماماً عن الواقع".

ويرى القاضي أن هذه "الرداءة" شكّلت ذوق الجمهور الحالي، وبالتالي ترفض شرائح كبيرة منه الأشكال الأخرى للمسرح، من هنا عندما تجد أحدهم يُقدّم نصَّاً سياسياً يحمل هموم المجتمع على المسرح، يأتى الرفض من أغلب الجمهور لما يُقدّمه، فهو أولا ـ الجمهور ـ يرى أنَّ الاسكتشات الكوميدية التى يراها في التلفزيون هى المسرح بعينه.

ومن ناحية أخرى، يشير القاضي إلى الأجواء العامّة التي سادت بعد الربيع العربي، يقول أنّ الجمهور ملَّ من السياسة ومن الحديث فيها، خصوصاً أنَّ أغلب البلدان العربية الآن منهمكون ومشغولون بالسياسة بصورة لم يعهدوها من قبل، وبالتالي وجدوا فى المسرحيات التى تقدم كوميديا مجانية بلا هدف وسيلة للترفيه والترويح عنهم.

وماذا عن فنّاني المسرح؟ هل ينصاعون إلى رغبات الجمهور أم يحاولوا إعادة تشكيلها؟

يقول القاضي: "الفنانون أنفسهم أصبحوا يواكبون العصر بكل متطلباته، ومنهم من يبحث فقط عن تحقيق أرقام كبيرة يتصدر بها الصراع على نسب المشاهدة عبر اليوتيوب، وبما أنَّ الأرقام تؤكّد أنَّ الجمهور غير راغب في الوقت الحالى في مشاهدة أي أعمال سياسية فلا مشكلة في أن يُقدِّم النّجوم ما يختاره الجمهور، سواء كانت أعمال أكشن وإثارة أو تجارب رومانسية اجتماعية افتقدناها منذ زمن".

المسرح السياسي "قُدرة خاصّة"

"في الثمانينات والتسعينات كُنَّا نشهد تجارب للمسرح السياسى، وإن كان كُتَّابها يهربون إلى الإسقاطات دون مباشرة حتى لا يصطدم أيّ منهم بالرقابة".

"الفنانون أنفسهم أصبحوا يواكبون العصر بكل متطلباته، ومنهم من يبحث فقط عن تحقيق أرقام كبيرة يتصدر بها الصراع على نسب المشاهدة عبر اليوتيوب"

تتذكَّر الكاتبة منى وافي أجواء المسرح السائدة في عقود مضت، غير أنَّ تلك التجارب على قلّتها تقريباً اختفت في الوقت الحالي، بسبب الرغبة في إراحة الدماغ وعدم الدخول في مواجهات مع أجهزة الرقابة. ولم يتبقى سوى القليل من النجوم الذين يسعون جادّين إلى تشريح أزمات مجتمعاتهم تماما كما حدث مؤخرا مع الفنان محمد صبحي في مسرحيته الجديدة "خيبتنا"، التى عملت على كشف أغلب قضايا الإهمال والفساد التى تضرب دول المنطقة كافَّة، وبشكل راقٍ ودون إسفاف أو خروج عن الإطار كما تعوَّد صبحي".


تضيف: "واليوم إذا تحدثنا عن وجود مسرح سياسى بمعناه التعريفي في دولنا العربية فنحن نجانب الصواب، ذلك أنَّ ما نشهده مُجرَّد مغازلة بموضوعات تحتلّ السياسة القشور منها، دون تعمّق، على أمل إقناع المُتلقِّي أنَّ هناك من يتجاوز كلّ الصعاب والممنوعات، ليقدّم له مسرحاً سياسياً، بينما الحقيقة عكس ذلك. فالمسرح السياسي بحاجة إلى مواصفات ومقوِّمات وقُدُرات مُعيَّنة وعُمق في الكتابة، وهو ما نفتقر إليه".

بينما يرى خاطر أنَّ المسرح السياسي قد يعود للحياة إذا وجدنا من يتبنَّاه بإخلاص، ويُسلِّط الإعلام الضوء عليه بشكل كافٍ كما يفعل مع التجارب السينمائية والدرامية، كذلك بأن يتمَّ تدريس المسرح بالمدارس من الصغر ليلعب دوره مبكراً فى التوعية والتنوير والتثقيف.

مسرح القطاع الخاص المفرغ من الأهداف والقيم في الكثير من عروضه، سحب البساط من تحت أقدام العروض المؤثرة ذات القيمة.

وأخيراً، يقول خاطر، ينبغي توفير الدعم اللازم لمسارح الدولة في مصر، خاصّة تجارب الشباب الجادَّة، الطازجة لأنَّها بعيدة عن الربح وتعمل بروح الهواة، وتصنع مسرحاً يليق بنا، فنحن فى أمس الحاجة الآن لمسرح يواجه ما نشهده من عنف وإرهاب حول العالم، مسرح يؤكد أنَّ الفنَّ بالفعل قوَّة ناعمة، مسرح بعيد عن منطق تجمّعات "الشللية" والمصلحة، قريب من النَّاس وكلَّ ما يؤرقهم".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image