شهدت مدينة مالمو في السويد الدورة الثالثة من معرض الكتاب العربي، في محاولةٍ لتسليط الضوء على الثقافة العربيّة هناك، وفي ذات الوقت خلق مساحةٍ ثقافيّةٍ للوصول إلى الكتاب العربي، الذي يجد سكان أوروبا صعوبة في الحصول عليه.
معرض الكتاب العربي في السويد: رداً على السؤال المتكرّر عن غياب الثقافة العربيّة وانتشار الإسلاموفوبيا في أوروبا، جاءت فكرة معرض الكتاب لخلق فضاء ثقافي ليبرالي حيادي، واليوم تشهد مدينة مالمو السويدية الدورة الثالثة من معرض الكتاب العربي
المعرض الذي أُنجزت الدورة الأولى منه عام 2016، يعود هذا العام بتنظيم مؤسّسة ابن رشد بالتعاون مع مكتبة مالمو الوطنيّة والمؤسّسة السكونيّة التي يرأسها المستشرق مبارك بن عقدة "بينغت كنوتس".
الليبراليّة الثقافيّة، بعيداً عن التحيّز السياسي أو الأيديولوجي
التقينا في رصيف 22 مع عبد اللطيف حاج محمد، صحفي وفاعل في الإدارة الثقافيّة في السويد، ومن مؤسّسي المعرض، وسألناه عن بداية الفكرة، والدافع وراء إنجازها، وكيف كان ردّ فعل دور النشر العربيّة التي لا تتوجّه عادة للقارئ العربي في أوروبا، فيجيب أنه والمتعاونين معه أرادوا أن يكوّنوا وحدةً للتواصل، بغرض خلق طفرةٍ ثقافيّةٍ لا تخضع لعوامل التكرار والتقليد والنسخ، مع ميلٍ للتوسّع باتجاه ثقافة الآخر، خصوصاً بعد عام 2015 و"موجة اللاجئين" الكبيرة، والسؤال المتكرّر عن غياب الثقافة العربيّة وانتشار الإسلاموفوبيا، هذه العوامل كانت السبب وراء التفكير بخلق فضاءٍ ثقافيٍّ ليبراليٍّ حيادي، ويضيف: "الدورة الأولى من المعرض كانت حميمة جدّاً، تلقائيّة لكن مخطّط لها، استطعنا خلال ثلاثة أيام جمع شمل أهمّ الكتّاب، الشعراء، والصحفيّين، من كافة أنحاء أوربا، وأقول بكل حبٍّ وفخر إن النخبة الثقافيّة العربيّة ساهمت في إنجاح الدورة الأولى من المعرض، وتمكّنا من تصميم برنامجٍ ثقافيٍّ كبيرٍ و متنوّع بالمشاركة مع عدد من دور النشر، منها المتوسط من ميلانو والمناهج العالميّة من بريطانيا".
سألنا حاج محمد عن الإقبال على الكتب المنشورة بالعربيّة، أي بصورة أخرى، هناك جانب ربحي لأي معرض كتاب فهل تحقق ذلك، وهل الدورة الثالثة دليل على نجاح التجربة والرغبة في جعلها مستمرّة، فيجيب على الجزء الأخير من السؤال بقوله: إن مؤسّسة ابن رشد التعليميّة هي مؤسّسة شبه حكوميّة سويديّة غير ربحيّة، ولا يعلم بالضبط هل ربحت دور النشر أم خسرت، لكن زيادة عدد دور النشر المشاركة بالنسبة لهم يُعدّ مؤشراً جيداً على نجاح المعرض، خصوصاً أن المعرض وفّر لفئاتٍ كبيرةٍ من الناطقين باللغة العربيّة في شمال أوروبا، طيفاً مما يحتاجونه من كتب، وساهم ولو بشكلٍ بسيطٍ بالمساعدة في حصول هذه الفئة على نصيبها الكافي من الثقافة بلغتها الأم، بعيداً عن التحيّز السياسي أو الأيديولوجي.
هل يختلف هذا المعرض عن ما يشبهه في المنطقة العربيّة، وهل أصبحت المعارض الموجودة في أوروبا أكثر تشجيعاً للكتاب، كونها لا تخضع للرقابة السياسيّة والاخلاقيّة التقليديّة، يجيب حاج محمد: " في ظلّ التطور المُقلق للأشياء و من بينها امتهان الثقافة وبيع الكتب بأسعارٍ بخسةٍ دون النظر في مضمونها، يأتي دور المعرض بصفته الاعتباريّة كجزءٍ من الليبراليّة الثقافيّة في أوربا عموماً والسويد خصوصاً، مع بعض التحفّظ على مفهوم النخبة الثقافيّة التي ستشعر بالقلق من مثل هكذا فعاليّات، والتي تحلم أحياناً بمنع توزيع جائزة نوبل للأدب، لو استطاعت إلى ذلك سبيلاً".
قراء الكتاب العربي في السويد
سألنا حاج محمد عن التفاعل مع الجمهور السويديّ وهل كان هناك نسبة من الفضوليين والمهتمّين في المعرض ضمن الدورات السابقة، وما أكثر ما أثار اهتمامهم فيجيب: " في حال ترجمت كلمة معرض كتاب عربي إلى اللغة السويديّة، فستكون ردّة الفعل مرحة، وتتجلّى بشكل أسئلةٍ متواليةٍ عن الثقافة العربيّة، أسئلة معظمها عامّة وسطحيّة، وربما تكون ساذجة في نظر أي مشتغل بالثقافة، لكن هذا لا يعني أنها غير مهمّة، على العكس، من المهم جداً التعامل مع كل سؤال بجديّةٍ مطلقة، واحترام خصوصيّة المجتمعات المُضيفة وثقافاتهم المتنوّعة، كذلك علينا أن لا ننسى أن مالمو مدينة كوزموبوليتانيّة وهذا ما سهّل علينا التسويق لفكرة المعرض، إلى جانب كوننا مشرّدين في هذه الأرض وبالتالي علينا دعوة الآخر صاحب الأرض، الذي يمتلك تصوراً نمطيّاً سلبياًّ في معظم الأحيان.
يشكل معرض الكتاب العربي في السويد، كما يقول حاج محمد وهو من مؤسسيه: إنه "منصّةً نقدّم من خلالها الجيّد والصحّي والأنيق من ثقافتنا العربيّة، خصوصاً أن هناك دور نشر سويديّة أسّست قسماً مختصّاً باللغة العربيّة يعمل على الترجمات من وإلى العربيّة، وهذه الدور تملك جمهوراً سويديّاً يريد اقتناء إصدارات بشكل منتظم"
من هنا شكّل المعرض منصّةً نقدّم من خلالها الجيّد والصحّي والأنيق من ثقافتنا العربيّة، خصوصاً أن هناك دور نشر سويديّة أسّست قسماً مختصّاً باللغة العربيّة يعمل على الترجمات من وإلى العربيّة، وهذه الدور تملك جمهوراً سويديّاً يريد اقتناء إصدارات بشكل منتظم، وهذا ما يوفّره المعرض من حيث المكان والتوقيت".
يتميّز المعرض هذا العام، حسب حاج محمد، بالمشاركة المحليّة إذ شارك عدد من الجهات الثقافيّة السويديّة والمجلس الأعلى للثقافة الذي موّل جزءاً من المشروع، وأكاديمية سكونه، وبالطبع مكتبة مالمو التي قدّمت برنامجاً خاصّاً، تريد المكتبة من خلاله تعريف الزوّار بالمكتبة، ودورها في تعزيز مفهوم التعدّديّة الثقافيّة، كذلك تنظّم المكتبة جلسة نقاشٍ حول كيفيّة عمل المكتبة العامّة مع قضايا حرية الرأي و التعبير وقضايا المساواة بأبعادها المختلفة، كذلك يستضيف المعرض هذا العام أسعد طه، أيمن العتوم، تميم البرغوثي وسيرين حمشو في محاولةٍ لتعزيز التنوّع قدر الإمكان.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...