شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
رمضان في عيون

رمضان في عيون "مسلمٍ سابقٍ".. هل ما زال كريماً؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 30 أبريل 201902:56 م

من الطبيعي في مثل هذا التوقيت، وقبل أيامٍ قليلةٍ من استقبال شهر رمضان، أن تشاهد التهاني تنهال على المسلمين من أبناء الأديان المختلفة، سواء كانت تلك المقولة مجاملةً أو تعبّر عن شعوره الحقيقي، لكن قد يكون الشخص الأكثر قدرة على التعبير عن مشاعر متوازنة لا يتخلّلها مجاملات إطلاقاً، هو الذي مرّ عليه هذا الشهر مرّة وهو مسلم، ومرّة أخرى بعد أن أصبح مسلماً سابقاً أي (لا ديني).

كمسلمٍ سابقٍ، أستطيع القول أنني أنتظر قدوم شهر رمضان بالفعل، ولكن ليس بشكلٍ مطلقٍ، وبالطبع ليس بنفس حماسة الطفولة، وإن كانت مشاعر اللهفة قد ودّعتني منذ فترة طويلة أصلاً، فحتى الكثير من المسلمين غالباً ما سيودون موافقتي بأنه كلّما كبرنا بهت هذا الشعور الطفولي بقدوم المناسبات، ربما مع زيادة ضغوطات الحياة، رغم ذلك، فبدرجةٍ بسيطةٍ أشعر بأن مظاهر استعداد الشارع الصغير الذي أسكن فيه لتعليق زينة رمضان، ورؤية ترتيبات الأهل من حولي، يُنبت داخلي شعوراً بالاطمئنان، لا أقول هذا مجاملةً لأصدقائي المسلمين، ففي كلّ الأحوال تلك المجادلات، "مجادلات كافر القرية"، لم ولن تنتهي بيننا، لذا فمجرّد القول بأنني أحبّ هذا الشهر لن يشفع لي كثيراً، وإنما لذلك الشعور بانتظار حلول أوّل أيام رمضان أسباب اجتماعيّة كثيرة، تتغلّب على ما سأعتبره مساوئ.

كمسلمٍ سابقٍ، أستطيع القول أنني أنتظر قدوم شهر رمضان بالفعل، ولكن ليس بشكلٍ مطلقٍ، وبالطبع ليس بنفس حماسة الطفولة، وإن كانت مشاعر اللهفة قد ودّعتني منذ فترة طويلة أصلاً.

البداية في حالة الأمان التي تسيطر على شوارعنا مع غيابٍ شبه تامٍّ لأعمال البلطجة والتحرّش مثلاً، نعم لم يختفِ البلطجيّة أو المتحرّشون ولكنهم يقومون بتأجيل أعمالهم غير السويّة، على الأقلّ إلى ما بعد صلاة التراويح ليلاً.

شهرٌ مع أمانٍ قليل

البداية في حالة الأمان التي تسيطر على شوارعنا مع غيابٍ شبه تامٍّ لأعمال البلطجة والتحرّش مثلاً، نعم لم يختفِ البلطجيّة أو المتحرّشون ولكنهم يقومون بتأجيل أعمالهم غير السويّة، على الأقلّ إلى ما بعد صلاة التراويح ليلاً، ما يجعل الجميع غير قلقٍ معظم ساعات اليوم، وحتى في باقي اليوم وإلى موعد السحور، فجملة مثل "رمضان كريم" كفيلة أن تُنهي معظم الخلافات التي اعتادت الشوارع على ضجيجها، وبدلاً من ذُعر الأطفال، ينقلب حالهم إلى لعبٍ وصياحٍ مليءٍ بالسعادة، خاصّةً قبل موعد الإفطار بساعةٍ أو أقل.

البعض ينظر إلى الثلاثين يوماً من رمضان، بعين الفرص التي يحاولون اقتناص ما يقدرون عليه منها، بين الأعمال الخيريّة الكبرى والأعمال الإنسانيّة الصغرى، مثل مساعدةٍ لعابرٍ أو قضاء حاجة أحدهم مهما كانت بسيطة، وكلّ تلك الأمور التي قد لا يبادر البعض بفعلها في أي وقت آخر من العام، وهذه الأفعال تمثّل مصلحة عامة وشخصيّة بالنسبة للجميع، لذا سأضعها في ميزان مميّزات شهر رمضان بالنسبة لي.

أما عن الترفيه، سواء كنت مسلماً أو غير ذلك، فأنت على موعدٍ مع عروضٍ ترفيهيّةٍ عديدة في المنزل أمام الشاشة، أو في قصور الثقافة والخيم الرمضانيّة التي تعجّ بالزوّار الباحثين عن أمسيةٍ لطيفةٍ، وللبعض، فإن هذه الأمور ستُحتسب ضمن كفّة مميّزات رمضان التي أتحدث عنها.

أما المساوئ.. بالنسبة لي

ولكن هذا ليس كل شيء، فالكفّة الأخرى التي تجعل من انتظار رمضان أمراً غير محبّبٍ للكثيرين، هي الأخرى تعجُّ بالأسباب المنطقيّة، لننظر إلى هؤلاء الأطفال الذين قاموا بتوديع الذُعر واستبداله باللعب كما ذكرت، فسوف نرى أنهم أصبحوا عبئاً على المارّة بالألعاب الناريّة ومضايقة السيدات دون حرجٍ أو احترامٍ لشهر رمضان، ففي النهاية هم مجرّد أطفال أقصى عمر كبيرهم بين 13 و15 سنة.

قدوم رمضان يعني أن هناك عيداً منتظراً، وقد لا تشعر بالضيق إذا كنت أحد هؤلاء المعنيين به، أما إذا لم تكن كذلك فأنت على موعدٍ مع "موسم التحرّش الأكبر".

وكذلك مكبّرات المساجد التي تنطلق لمدة ساعتين يومياًّ لأداء صلاة التراويح، قد يقول أحد المسلمين أنه مجرّد شهر وسيمرّ، وأن مثل تلك المظاهر هي ما تشكّل روحانيات رمضان، وكذلك سيتفق معه آخرين، ولكن بالتأكيد لن يتفق معه هذا المريض الذي يتحصّل على بضع ساعاتٍ قليلةٍ للغاية من النوم بعد صراع مع الألم، ثم يُفاجئ بتلك المكبّرات تنطلق لتعيده إلى ميدان الصراع مجدداً، ناهيك عن الطلاب الذين يتمّ تهيئة أجواء منزليّة هادئة لهم للدراسة، بما أن الامتحانات في كلّ عام تكون إمّا ملازمة لرمضان أو تعقبه بأيام قليلة، لكن كلّ تلك التحضيرات تذهب أدراج الرياح، في معركة المكبّر الأعلى صوتاً بين المساجد، والعديد من الأمثلة الأخرى التي تحمل همَّ مراعاة مشاعر الصائمين دون مراعاة مشاعرهم مطلقاً.

وهناك بالطبع تلك المضايقات التي يتعرّض لها المُفطرين من المسلمين والمسلمين السابقين والتي وصلت في بعض الأحيان للقبض عليهم مع إغلاق المطاعم والمقاهي إجباريّاً، والنظرة الدونيّة التي قد يواجهها غير الصائم باعتباره لا يمتلك حسَّ المواطنة، حينما يقرّر احتساء قهوة أو إشعال سيجارة أو تناول كوب ماء.

العيد المنتظر

وأخيراً، قدوم رمضان يعني أن هناك عيداً منتظراً، وقد لا تشعر بالضيق إذا كنت أحد هؤلاء المعنيين به، أما إذا لم تكن كذلك فأنت على موعدٍ مع "موسم التحرّش الأكبر" في معظم بلادنا وفي مقدمتهم مصر، حتى أن العديد من العائلات المسلمة تقريباً تفضّل الخروج ثالث أيام العيد تفادياً لحماس الشباب منقطع النظير، بعد خروجهم من "شهر الكبت"، مع وضع خطةٍ آمنةٍ تشمل الأماكن والشوارع التي بإمكانهم قضاء العيد فيها.

 على المستوى الشخصي، فجميع الأصدقاء والمعارف والأهل يعرفون بأني لا ديني، لذا فلن أتكبّد عناء التمثيل والصيام الظاهري

في النهاية، على المستوى الشخصي، فجميع الأصدقاء والمعارف والأهل يعرفون بأني لا ديني، لذا فلن أتكبّد عناء التمثيل والصيام الظاهري، خشية كلمةٍ أو فعلٍ ما من أحدهم، ولكني أعرف وأقدر تمامًا لم قد لا يتفق معي "مسلم سابق آخر" في حال كان لا يجهر بتخليه عن ديانته فيضطر لإقامة شعائرها قهرًا، أما بالنسبة لي فبعد خصم بند الثواب، بما أني مسلم سابق لن يصوم بكل تأكيد، فالمتبقّي من كرم رمضان ليس بالكثير، وإن كان يتغلّب على مساوئه، ولكن منطقياً فمعظم تلك المساوئ مستمرّة طوال العام، إضافة للمساوئ التي يمتنع عنها بعض المسلمين في رمضان، لذا فمن المريح التخلّص من بعض الشرّ لساعاتٍ من اليوم ولشهرٍ من العام وكلّ عام وأنتم بخير.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image