مشاركتي في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية في عام 2012 بين محمد مرسي وأحمد شفيق كانت المرة الأخيرة التي وقفت فيها وجهاً لوجه أمام صندوق الاقتراع. بعد ذلك، كانت المقاطعة دوماً الخيار الأكثر منطقية برأيي، وكذلك برأي كثيرين من شباب ما يُعرف بـ"جيل الثورة".
أسباب المقاطعة تعدّدت بين عدم وجود ضمانات لنزاهة العمليات الانتخابية وبين الاعتراض على بعض الإجراءات الأمنية التي وصلت أحياناً إلى حد القبض على أنصار المعارضين لخيار النظام.
وفي ما خص الاستفتاء الذي يجري على التعديلات الدستورية من 20 إلى 22 أبريل الحالي، كان قراري الاستمرار في خيار مقاطعة وهجر الصناديق، خاصة وأنني أرى فيه عملية هزلية غير شرعية تضع موارد ومقدرات الدولة على أعتاب منزل شخص واحد فقط هو الرئيس الحالي، والمستقبلي غالباً، عبد الفتاح السيسي.
ظل قراري هذا متماسكاً وأنا أتابع انقسام جيل الثورة، كعادته، حيال طريقة معارضته للاستفتاء، بين النزول واختيار (لأ) أو المقاطعة: نفس الخيارات المتكررة التي أضيف إليها في بعض الأحيان خيار إبطال الصوت كما جرى في الانتخابات الرئاسية بين السيسي وحمدين صباحي، حين وصل عدد الأصوات الملغاة إلى نسبة كبيرة للغاية تخطت تلك التي حصدها صباحي ذاته.
ولكن يبدو أن شيئاً ما اختلف هذه المرة، فالأصوات التي تنادي بالمشاركة وقول "لأ" للتعديلات الدستورية باتت أوضح وأكثر وأعلى بكثير من المرات السابقة. وعلى الرغم من عدم ثقة أي أحد، في ما عدا مؤيدي الرئيس، في نزاهة عملية الاستفتاء، إلا أن صوت خيار الـ"لأ" ظل يعلو حتى اخترق صداه منطقي في المقاطعة، ليس لأن منطق "لأ" شديد التماسك ولكن لأن حالة عاطفية غريبة سيطرت على الشباب المصري أشبه بحماس لاعب الكرة المصاب الذي يتحامل على إصابته من أجل النزول مجدداً إلى أرض الملعب، حتى ولو لم يكن قادراً على بذل مجهود مفيد. هو فقط يريد أن يحارب مجدداً.
منذ أيام، وعندما كنت أرى في المقاطعة جواباً نهائياً لموقفي من الاستفتاء على التعديلات الدستورية، كانت أبرز أسبابي وتتمثل في: عدم إعطاء شرعية لاستفتاء لم يكن يجب أن يُطرح من الأساس، خاصة وأن الهدف الأساسي منه هو تمديد فترة الرئاسة الحالية إلى ست سنوات بدلاً من أربع وكذلك السماح للرئيس السيسي بالترشح مرة أخرى تالية لولاية من ست سنوات، أي أنه قد يحظى على الأقل بثماني سنوات رئاسية جديدة.
وسواء أكنت مؤيداً له أو معارضاً، رأيت في تلك الإجراءات استخفافاً بكل معاني الديمقراطية التي نعرفها من تداول للسلطة واحترام للدستور على الأقل. والسبب الآخر الذي دفعني إلى المقاطعة كان عدم احترام النظام للدستور الحالي، وبالتالي: لماذا قد يحترم نتيجة الاستفتاء على التعديلات إذا ما تمكنت "لأ" بشكل إعجازي من الانتصار؟
أما على الجانب الآخر، في معسكر الإعداد لمعركة "لا للتعديلات الدستورية"، فقد تلمست طريقاً بين المحاربين القدامى الذين يعيدون سَنّ أسلحتهم السلمية ومداواة جراحهم العميقة من آثار السنوات الثماني التي تلت 25 يناير، وكأنهم فقط يريدون قول "لا" حتى تذكرهم بأول مرة اجتمعوا لقولها في مواجهة نظام أراد الانفراد بالحكم وهو نظام مبارك.
"صوت ‘لا للتعديلات على الدستور المصري’ ظل يعلو حتى اخترق صداه منطقي في المقاطعة، ليس لأن منطق ‘لا’ شديد التماسك ولكن بسبب حالة عاطفية غريبة تشبه حماس لاعب الكرة المصاب الذي يصرّ على إكمال المباراة"
"كان حماس جيل لم يُهزم بعد كافياً لي لأبدّل موقفي من المقاطعة إلى النزول وقول ‘لا للتعديلات الدستورية’، ولأنضم إلى آخر ما تبقى من أصوات ‘لا’"
لم أستطع الاستمرار في طريقي دون الانحناء لهؤلاء المحاربين وشد أزرهم، ولا أبالغ حينما أقول إنني رأيت في منشوراتهم الداعية للمشاركة واختيار "لا" مشهداً معتاداً من أفلام البطولة لجيش ما يعرف أنه ذاهب إلى أرض المعركة وأن خسارته تقبع هناك ويعرف أن أسلحته لا ترقى بأيّ حال من الأحوال إلى فرض مواجهة عادلة ضد أسلحة النظام الحالي، وسط كل تلك الجحافل من المؤسسات والآلات الإعلامية المؤيدة لخيار "نعم".
بالطبع، لم يخلُ قرار رفض التعديلات من بعض المنطق. فحتى وإنْ كنت أؤمن بغلبة الحماس على المنطق إلا أن أسباب مثل: عدم ترك العملية تمرّ بسهولة تجعل النظام يتأكد من أنه لا وجود لمعارضة حقيقية مرة أخرى أمام طريقه للانفراد بالسلطة، ومحاولة تغيير أسلوب وأدوات الاعتراض خاصة وأن كل مرة قاطعنا فيها عملية انتخابية ما، لم تنتقص تلك المقاطعة من شرعية النتيجة.
وإذا لم تكن تلك الأسباب كافية، فعلى الأقل كان حماس جيل لم يهزم بعد كافياً لي لأبدّل موقفي من المقاطعة إلى النزول وقول "لأ للتعديلات الدستورية"، ولأترك منطقي القديم قليلاً من أجل البحث عن أسلحتي السلمية وتضميد جراحي أنا الآخر والانضمام إلى آخر ما تبقى من أصوات "لا".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين