من صاحبة الوجه الأسمر التي ظهرت على صفحة محرك غوغل الثلاثاء 16 أبريل وبين يديها لوحة ترسمها وخلفها أجسام ملتحفة؟ لعلكم تساءلتم بفضول صباح اليوم وأنتم تتطلعون في شاشات حواسبيكم وهواتفكم، ثم نقرتم على صورتها لتعرفوا أكثر عنها. إنها إنجي أفلاطون التي يحيي العالم اليوم الذكرى الـ 95 لميلادها. إنجي هي رائدة الفن التشكيلي في مصر والعالم العربي وهي المناضلة السياسية كذلك، نشأت بأحد قصور القاهرة، قبل أن ينتهي بها الحال في أحد سجون الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.
طفولة هانئة في عائلة أرستقراطية
ولدت إنجي أفلاطون في 16 أبريل 1924 في كنف عائلة أرستقراطية. ونعمت في طفولتها برغد العيش إذ كان جدها الأكبر وزيراً في عهد الخديوي إسماعيل. ويقال إن محمد علي باشا، مؤسس مصر الحديثة هو من منح جدها لقب "أفلاطون".
تلقت إنجي تعليمها في مدرسة القلب المقدس الفرنسية الداخلية، كما هو حال أبناء الطبقة الأرستقراطية في تلك الحقبة. ثم انتقلت إلى مدرسة الليسيه الفرنسية ومنه حصلت على شهادة البكالوريا (تعادل الثانوية العامة حالياً). استقدم لها والدها معلماً للرسم، لكنها رفضت الأسلوب الإملائي في الفن. ثم ألحقها والدها باستوديو "جاتروس أمبير" بالقاهرة، الذي تحول إلى أكاديمية خاصة عام 1941، وتركته أيضاً بعد شهر واحد، بحثاً عن حرية التعبير.
هي فنانة تشكيلية رائدة تميزت بإنتاجها الفني الغزير المعبر عن البسطاء والمهمشين وبنضالها السياسي اليساري الطويل رغم نشأتها الأرستقراطية. تعرفوا إلى إنجي أفلاطون التي احتفل غوغل بذكرى ميلادها الـ95.
الإيمان بالشيوعية
أثناء دراستها الثانوية في "الليسيه"، نمت موهبة إنجي الأدبية، كما نما اهتمامها بالتاريخ السياسي فتعرفت على الفكر الماركسي ثم التحقت لاحقاً بحركة "إسكرا" الشيوعية عام 1944.
تمردت بفنها التشكيلي الثائر في وجه الإنجليز. وعبّرت عن حركة الكفاح المسلح ضد الاحتلال البريطاني في لوحاتها مثل "لن ننسى" عن شهداء الفدائيين في معارك قناة السويس. وعُرضت اللوحة بمعرضها الأول الذي غلب عليه الطابع الواقعي الاجتماعي عام 1951.
وتعد فترة (1942 -1963) ذروة نشاط إنجي السياسي، إذ شاركت في تأسيس رابطة فتيات الجامعة والمعاهد والتحقت بلجنة الشابات في الاتحاد النسائي المصري، ثم ساهمت في تأسيس اللجنة النسائية للمقاومة الشعبية. تنقلت إنجي بين عدة وظائف، عملت معلمة رسم في مدارس الليسية حتى عام 1948، ثم صحافية حتى عام 1952 ومصورة بعدما حصلت على منحة تفرغ من وزارة الثقافة المصرية عام 1965.
نضال من أجل المهمشين
يرى النقاد أن الفنانة ذات النشأة الأرستقراطية كان شغلها الشاغل التعبير عن الطبقات المهمشة، حسبما يتضح من لوحاتها التي صورت حياة البسطاء والفقراء ومعاناة الكادحين.
وتسببت رسوم إنجي، ذات الطابع السياسي المنتقد، باعتقالها إبان حكم الرئيس عبد الناصر، في مارس 1959، وظلت في السجن أكثر من 4 سنوات إلى أن أفرج عنها عام 1963.
وبعد أن خرجت من السجن، عاشت 26 عاماً متفرغةً للفن والدفاع عن حق الآخرين في الحرية والحياة وتصوير حياة الريف والبساطة. كما أصدرت مؤلفات تناولت حقوق المرأة، واتجهت للعمل المدني والمجتمعي.
المدرسة السريالية
شهدت فترة الأربعينات البداية الفنية الحقيقية لأفلاطون التي أصبحت واحدة من طليعة النساء اللواتي التحقن بكلية الفنون بجامعة القاهرة. تتلمذت على يدي الفنان والمخرج السينمائي كامل التلمساني، وتعلمت منه الفن وفلسفة الجمال واتجاهات الفن الحديث وفنون التراث.
كانت "السريالية" منهاجها الفني، فكانت ترسم كل ما يخطر على بالها. ظهر هذا جلياً في لوحات "الحديقة السوداء" و"انتقام شجرة" و"الوحش الطائر". وعندما تأكدت أن بإمكانها بدء مشوارها الفني الاحترافي، انضمت لجماعة "الفن والحرية"، إلى جانب رمسيس يونان ومحمود سعيد.
أنتجت أفلاطون أكثر من 80 عملاً فنياً، وزعت في عدة متاحف ودور عرض. من أشهر لوحاتها "جمع الذرة" و"حاملة شجرة الموز" و"جمع البرتقال" و"الشجرة الحمراء" و"سوق الجمال" و"صياد بلطيم".
أقامت أيضاً قرابة 25 معرضاً خاصاً، داخل مصر وخارجها، أبرزها في روما عام 1967، ومعارض في موسكو، وبرلين الشرقية عام 1970، ونيودلهي عام 1979، والكويت عام 1981. ومن المعارض الجماعية الدولية التي شاركت فيها معرض "بينالي ساوباولو" عام 1953، و"بينالي فينسيا" عامي 1952، و1968.
وألفت 3 كتب، هي: "80 مليون امرأة معنا" الصادر عام 1947، و"نحن النساء المصريات" الصادر عام 1949، و"السلام والجلاء" عام 1951.
حازت أفلاطون عدة جوائز، أبرزها: جائزتان من صالون القاهرة عامى 1956و1957، بالإضافة إلى الجائزة الأولى في مسابقة المناظر الطبيعية عام 1959. كما فازت بجوائز دولية أبرزها وسام "فارس للفنون والآداب" من وزارة الثقافة الفرنسية عامي 1985 و1986.
"اليسار يتباهى بها"
وتلفت الكاتبة والمعارضة اليسارية المصرية فريدة النقاش، في حديثها لرصيف22، إلى أن إنجي أفلاطون التي كانت عضو مكتب سياسي لمنظمة "إسكرا" الشيوعية واعتقلت ضمن حملة عبد الناصر على الشيوعية التي كانت مزدهرة آنذاك، رسمت جزءاً كبيراً من لوحاتها في سجن النساء بالقناطر".
وأوضحت النقاش أن أفلاطون انضمت في العام 1976 إلى حزب التجمع. لم تنقطع مساهماتها المادية الكريمة عن الحزب حتى وفاتها، مشددةً على أن أفلاطون ظلت ناشطة تشارك في نشاطات الحزب، رغم تفرغها للفن في سنواتها الأخيرة".
وأشارت المعارضة اليسارية المصرية إلى أن سبب تميز تجربة أفلاطون لا يكمن في انتمائها إلى وسط أرستقراطي واعتناقها الفكر الاشتراكي، لأن العديد من أبناء الطبقة الثرية تبنوا الشيوعية بأفكار واعية مستنيرة، في نفس الفترة"، مضيفةً أن "اليسار استفاد من سمعتها الفنية ونجاحها كثيراً معنوياً ومادياً".
واعتبرت النقاش أن أفلاطون، التي كانت في الاتحاد النسائي التقدمي المنتمي للحزب، كرست حياتها للدفاع عن طموح المرأة المصرية وأدوارها السياسية وكفاحها للتحرر إلى جانب تمثيلها للطبقات الكادحة.
وأضافت النقاش: "إنجي أفلاطون هي نموذج فريد لفتاة أرستقراطية نشأت في قصر لتعارض النظام الملكي وتثور ضد الاحتلال الإنجليزي، وتشذ عن فناني عصرها بالوقوف إلى جانب الشعب ضد الحاكم، ورفضت تولي أي منصب قيادي بعدما أصبح اليسار حزباً علنياً".
توفيت إنجي أفلاطون في 17 أبريل 1989، عن عمر ناهز الـ65 عاماً. ولم يتوقف الاهتمام بها بعد وفاتها إذ اُفتتح متحف يحمل اسمها بمركز الفنون المعاصرة عام 2002 ونُظمت فعاليات عدة إحياء لذكراها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين