استطاع الحراك الشعبي في الجزائر منذ انطلاقه في 22 فبراير/شباط الماضي، وعلى مدار سبع جمعات متتالية حتى الآن، أن يكسب احترام الشعوب حول العالم ليس بسلميته فحسب بل أيضاً لأنه كان مميزاً بمظاهر الرقي الاجتماعي والسلوك الجماعي الرصين واللطيف والشجاع أيضا والذي عكس بدوره قدراً كبيراً من الوعي والرقي. الحراك في بلد المليون شهيد كان سخياً بالابتسامات وبالهدوء وبالشعارات الذكية بل المبتكرة كما كان كريماً بوفرة الأعلام التي التف بها المتظاهرون والورود التي امتدت بها كل يد.
ثورة الابتسامة والورود
الابتسامة والوردة حضرتا بقوة في كل تظاهرة خرجت في كل بقعة من أرجاء الجزائر دون تخطيط ما جعل البعض يطلق على الحراك الشعبي رغم أهدافه السياسية القوية "ثورة الابتسامة" أو "ثورة الورود"، متسائلين هل أصابت "عدوى الابتسامة” الجميع؟
اللافت أن الابتسامة لم تعلُ وجوه المتظاهرين فحسب، بل حركت كذلك مشاعر الود لدى الكثير من رجال الأمن المكلفين مراقبة التظاهرات، إذ رأينا صوراً عدة يظهر فيها أفراد الأمن وهم يتبادلون مع المواطنين الابتسامات الودودة بعد استخدام محدود للقوة في أول الحراك.
شاهدنا عبر مواقع التواصل المختلفة صوراً ومقاطع فيديو لمواطنين يتبادلون الورود والتحية مع رجال الأمن، بل شوهد الأطفال يمدون الورود لرجال الأمن، لإظهار المحبة لهم والتأكيد أنهم ليسوا أعداء.
حضور المرأة وحمايتها
في الوقت الذي خرجت نساء الجزائر من مختلف المراحل العمرية في الحراك وقدن تظاهرات في بعض الأحيان، لم تتعرض أي منهن للتحرش أو الأذى رغم الاختلاط بملايين الرجال في التظاهرات الحاشدة، ورغم ارتفاع معدلات التحرش في البلاد بحسب المواقع الصحافية المحلية. الحراك كأنه بلمسة سحرية محا التحرش وجعل أولوية رجاله تأمين سلامة النساء والذود عنهن رغم الالتحام الذي شاهدناه على مر أسابيع بين النساء والرجال إلا أن الأمور سرت بهدوء واحترام لافتين.
كان الشباب الجزائريون يضعون نصب عيونهم حماية النساء، خصوصاً عند تحرك قوات الأمن نحو المتظاهرين، فكانوا يحيطونهن ضمن مسافة تسمح لهن بالتحرك من دون حرج.
في الجمعة، 8 مارس/آذار الماضي، خرج الشباب حاملين الورود لتقديمها للنساء والفتيات في التظاهرات تكريماً لهن في يوم المرأة العالمي. عندما هدد شاب جزائري الأربعاء برش الجزائريات اللواتي يخرجن للتظاهر بالأسيد لتشويههن، خرجت المرأة بقوة وبحماية الرجال في الجمعة التالية دون خوف بل تجند الآلاف لحماية النساء.
حمل الورود والالتفاف بالأعلام الوطنية والفلسطينية والحفاظ على نظافة الشوارع وسلمية التظاهرات واحترام النساء وحمايتهن والمطالب الوطنية الموحدة، ميزات كثيرة ميزت حراك الجزائر، أخبرونا بدوركم ماذا أعجبكم في هذا الحراك؟
أُطلق على الحراك الشعبي في الجزائر "ثورة الابتسامة" التي لم تعلُ وجوه المتظاهرين وحدهم بل تسللت، من دون اتفاق أو تخطيط، إلى وجوه أفراد الأمن المكلفين بمراقبة التظاهرات.. هل هي عدوى الابتسامة؟
النظافة، السلمية، التعاون
كان الحفاظ على نظافة الشوارع وجمع القمامة بعد انتهاء التظاهرات أول ما جذب الأنظار للحراك الشعبي، ورفع بعضهم لافتات مميزة كتب عليها "ننظف الشوارع بعد انتهاء التظاهرات... نقبل تدوير كل شيء ما عدا النظام". ولم يقدم أحد على تكسير أي مقر حكومي أو محل خاص أو سيارة كما يحصل حتى في تظاهرات بعض الدول الغربية مثل فرنسا.
https://twitter.com/ilyes768/status/1114271935842664449
كذلك خرج الجزائريون أُسراً وفرادى في المظاهرات كما لو أنهم ذاهبون إلى نزهة عائلية. وزيّن الأطفال، الذين لم يتخط عمر بعضهم أياماً قليلة، التظاهرات لبث رسالة مفادها أن "جميع الجزائريين يشاركون في صنع مستقبلهم الآن".
ووزع البعض زجاجات المياه والعصائر والأطعمة السريعة على المحتجين في مشهد إنساني.
وحين كانت التظاهرات تصل إلى أمام مسجدٍ، في وقت صلاةٍ، أو أمام مشفى أو مكان لرعاية من يحتاجون إلى الهدوء كالمدارس، كان الجميع يلتزم الصمت التام.
"المطالب العامة واللحمة الوطنية"
من أهم مظاهر وعي الحراك الجزائري أنه لم يروّج لفكرة الانفصال، فشاهدنا الأمازيغ يخرجون ملتفين بأعلامهم المميزة حاملين أعلام الجزائر إلى التظاهرات رافعين المطالب نفسها التي ينادي بها بقية المواطنين، حتى الإباضيون والمالكيون تركوا خلافاتهم جانباً وخرجوا في مسيرة واحدة رافعين المطالب الوطنية ذاتها. وهذا ما يؤكد الحرص على "اللحمة الوطنية” والوعي الجماعي.
رموز النضال ضد الاستعمار
في حراك الجزائر، خرجت رموز النضال ضد الاستعمار الفرنسي إلى الشارع منذ اليوم الأول، وأبرزهم جميلة بوحيرد التي رغم تكريمها من قبل عبد العزيز بوتفليقة إلا أنها اختارت صف الشعب وخرجت مع أبناء وطنها لتطالب “لا للعهدة الخامسة”. ورأينا مئات المناضلين نساء ورجالاً يخرجون بدورهم في كل مظاهرة رافعين شعارات تقول “ناضلت ضد فرنسا وأنا اليوم هنا لأقول لا للعهدة الخامسة”.
ما بعد بوتفليقة
ومن المظاهر اللافتة أيضاً رفض الجزائريين التدخلات الخارجية من أي دولة عربية أو غربية. وهو ما ظهر جلياً في اللافتات التي رفعوها خصوصاً في الجمعة الأخيرة (5 أبريل/نيسان).
كما أصر المشاركون في الحراك على مواصلة الحضور في الشارع بعد تحقق مطلبهم الأكبر وهو استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وإصرارهم على استكمال المسيرة ومحاسبة رموز "العصابة" التي يقصد بها رجال النظام السابق. ورفع البعض لافتات دوّن عليها "سقط آمون وجاء دور كهنة المعبد"، في إشارة إلى استمرار ملاحقة رجال نظام بوتفليقة قضائياً.
ورغم عدم وجود تأطير سياسي للاحتجاجات، عكست اللافتات التي رفعها المتظاهرون قدراً كبيراً من الوعي السياسي، فشاهدنا لافتات كتب عليها "السيناريو المصري مرفوض" و"كون قايد صالح ومتكونش كيما ( لا تكن مثل) السيسي"، في إشارة إلى استئثار وزير الدفاع المصري السابق والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي بالحكم بعد دعمه مطالب شعبية بإسقاط نظام الرئيس السابق محمد مرسي.
كذلك هتف متظاهرون ضد بعض رجال الأعمال والمرشحين السياسيين الذين حاولوا استغلال الحراك لكسب دعم المتظاهرين، أبرز هؤلاء رشيد نكاز.
حضور كبار السن
عُرف الحراك في بدايته بأنه حراك شبابي راغب في التغيير، لكن الكثير من كبار السن لفتوا الأنظار بحضورهم "المؤثر" والداعم. بعضهم جاء على الكراسي المتحركة والبعض الآخر متكئاً على عصي أو على أبنائه وأحفاده.
وفي الجمعة السابعة (5 أبريل/ نيسان) تداول الكثيرون عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقطعاً مصوراً يظهر فيه عجوز جزائري، العصى بيده اليمنى، والوردة بيده اليسرى. وجاهد للانخراط في صفوف المتظاهرين وهو مريض يعتمد على جهاز تنفس طبي.
https://twitter.com/ajmubasher/status/1114288503410634752
ورغم انشغالهم بقضيتهم الوطنية الملحة ونضالهم، لم ينس الجزائريون القضية الفلسطينية، إذ رفعوا إلى جانب علم الجزائر العلم الفلسطيني في كل تظاهرة.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...