أثارت مشاركة قيادات في المعارضة المدنية المصرية في الحوار المجتمعي الذي عقده البرلمان المصري لمناقشة التعديلات الدستورية في أواخر مارس الماضي تساؤلات حول المستفيد من هذه المشاركة.
ودخل اقتراح التعديلات الدستورية مرحلة الحسم بعدما انتهت اللجنة التشريعية في مجلس النواب، في 28 مارس، من جلسات الحوار المجتمعي وسماع مقترحات وآراء بعض أطياف المجتمع المصري وتنظيماته، تمهيداً لإعداد تقريرها وعرضه على جلسة عامة بحدود 14 أبريل الجاري.
يرى مراقبون أن النظام الحالي هو المستفيد الأول من تلك المشاركة، على أساس أنها سمحت له بإظهار أن الحوار المجتمعي جرى في أجواء ديمقراطية، وبالتالي بات الطريق ممهداً أمامه لطرح التعديلات على الاستفتاء، بينما يقول معارضون إنهم كسبوا فرصة ذهبية لإظهار رفضهم للتعديلات الدستورية للرأي العام من قلب البرلمان.
وكان ائتلاف "دعم مصر"، صاحب الأغلبية البرلمانية والمحسوب على السلطة، قد تقدّم، في الثالث من فبراير الماضي، رسمياً، بمذكرة مقترحات تعديلات دستورية وقّعها خُمس أعضاء المجلس (120 عضواً)، إلى البرلمان الذي سرعان ما وافق على مناقشتها في 14 فبراير بأغلبية أعضائه (485 نائباً من 596) وأحالها على اللجنة التشريعية والدستورية لإعداد تقرير حولها.
وتسمح التعديلات المقترحة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالترشح مجدداً للرئاسة وتفتح الباب نظرياً أمام بقائه في منصبه حتى عام 2034.
مشاركة المعارضة
يؤكد قادة "الحركة المدنية الديمقراطية" المعارضة المشاركين في الحوار المجتمعي لرصيف22 أنهم فوجئوا بتوجيه البرلمان الدعوة إلى أربعة أحزاب من الحركة التي تضم سبعة أحزاب، للمشاركة في جلسة الحوار المجتمعي المخصصة لرؤساء الأحزاب.
في 20 و21 مارس، انطلقت جلسات الحوار المجتمعي في اللجنة التشريعية في البرلمان بإجراء ثلاث جلسات، بحضور مملثي الأزهر والكنيسة وإعلاميين وأساتذة قانون وفقهاء دستوريين ورجال قضاء، ولم تظهر في الجلسات أية أصوات للمعارضة.
وفي 28 مارس، ظهرت المعارضة في الجلسة الرابعة التي خصصها البرلمان لسماع آراء رؤساء الأحزاب والقوى السياسية، واللافت أن الدعوات الموجهة لها أتت في آخر لحظة.
شارك من قادة الحركة المدنية الديمقراطية كل من رئيس حزب الإصلاح والتنمية أنور السادات الذي أطيح به من البرلمان عام 2017، ورئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي فريد زهران، ورئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي مدحت الزاهد، وعبّروا بوضوح عن رفضهم للتعديلات.
أما رئيس حزب تيار الكرامة محمد سامي فقد رفض التعديلات ولكنه طرح فكرة استمرار السيسي في منصبه لأربع سنوات بعد فترتَي رئاسته المحددتين دستورياً بثماني سنوات.
و"الحركة المدنية الديمقراطية" هي حركة تأسست في ديسمبر 2017، ووقّعت على وثيقة تأسيسها 150 شخصية في مقدمتها المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي والدبلوماسي السابق معصوم مرزوق، بهدف خلق جبهة معارضة موحدة.
وتضم الحركة سبعة أحزاب سياسية هي حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، تيار الكرامة، حزب الدستور، التحالف الشعبي الاشتراكي، حزب الإصلاح والتنمية، حزب العيش والحرية ( تحت التأسيس)، وحزب مصر الحرية.
وظهرت الحركة في مناسبات عدّة كجبهة معارضة للنظام الحالي كما في قضية جزيرتي "تيران وصنافير" التي انتقلت السيادة عليها إلى السعودية بعد اتفاقية مثيرة للجدل أبرمها السيسي مع العاهل السعودي في أبريل 2016، كما قاطعت الحركة الانتخابات الرئاسية التي أجريت في مايو 2018 والتي فاز فيها السيسي بولاية ثانية.
قبل ساعات قليلة من دعوتهم للمشاركة في جلسة الحوار المجتمعي، عقدت الحركة المدنية، في 27 مارس، مؤتمراً صحافياً أعلنت فيه رفض السلطات السماح لها بتنظيم تظاهرة أمام مجلس النواب للتعبير عن رفض التعديلات الدستورية، وأكدت تمسكها برفض التعديلات لأنها "غير دستورية وتؤدي لتكريس الدكتاتورية وحكم الفرد الواحد، كما ستقضي على أية إمكانية للتأسيس لدولة مدنية ديموقراطية حديثة".
وفي بيانها عقب انتهاء المؤتمر الصحافي، أعلنت الحركة خمسة مطالب في مقدمتها توفير البيئة السياسة الملائمة لإجراء حوار مجتمعي حقيقي حول التعديلات الدستورية، ومن بينها تجميد حالة الطوارئ طوال فترة مناقشة التعديلات وحتى إجراء الاستفتاء وإعلان نتائجه النهائية، ووقف حملات القبض والاعتقال، وإتاحة الفرص والمساحات المتساوية لمعارضي للتعديلات كما هي متاحة للمؤيدين، وضمان نزاهة الاستفتاء.
وبحسب تقدير أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة مصطفى السيد، فإن عقد الحركة عقد مؤتمراً صحافياً لإعلان رفض التعديلات ثم التقدم بطلب لتنظيم وقفة احتجاجية شكّلا ضغطاً على نظام السيسي، وهذا ما دفعه إلى محاولة احتوائها عبر إشراكها في اللحظات الأخيرة.
ماذا يقول المعارضون؟
يؤكد رئيس حزب التحالف الشعبي مدحت الزاهد لرصيف22 أنهم فوجئوا بالدعوة صباح اليوم الذي عقدت فيه الجلسة الرابعة المخصصة لرؤساء الأحزاب، مضيفاً أن أربعة أحزاب من داخل الحركة تلقت دعوات فيما لم يُدعَ حزبا "مصر الحرية" و"الدستور".
وأضاف الزاهد: "جميعنا أبدى رأيه برفض التعديلات من حيث المبدأ دون مقاطعة من أحد إلا أن رئيس مجلس النواب كان حريصاً على التعقيب على حديثنا كمعارضين، لكن بلغة منضبطة فيها اللياقة الواجبة".
وأوضح الزاهد أنه قال إن مهمة الرئيس يجب أن تكون قيادة سياسات وليس أن يكون مقاولاً يدير مشروعات، فرد عليه عبد العال: "الرئيس الحالي ليس رئيس مشروعات إنما وضع استراتيجية محددة تتضمن برنامجاً متكاملاً يجري تنفيذه جنباً إلى جنب تحقيق الاستقرار وتثبيت المؤسسات الدستورية، ونجحنا والجميع يشهد بذلك. أنا من أقصى الصعيد والكهرباء في ما مضى كانت تستمر لمدة ثلاث ساعات ثم تنقطع طوال اليوم، أنظروا إلينا اليوم"، بحسب الزاهد.
كما عقّب عبد العال على حديث الزاهد حول مسّ التعديلات باستقلال القضاء، قائلاً إن البرلمان حريص على استقلال السلطة القضائية والتوازن بين السلطات الثلاث.
وعن سبب مشاركتهم، قال رئيس حزب التحالف الشعبي: "نحن نسلك كل الطرق لإبداء آرائنا وإيصال صوتنا، ولا نعتذر حتى لا يقال إننا لا نمتلك بدائل نقدمها"، موضحاً أن "المشاركة أوصلت صوتنا الرافض للتعديلات إلى قطاع كبير من المواطنين خاصة وأن الحوار المجتمعي كان يحظى بتغطية إعلامية وهو ما كانت الحركة تسعى إليه".
ويرى رئيس حزب الكرامة محمد سامي أن الحوار المجتمعي الذي أجراه البرلمان لم يكن مكتملاً، فهو لم يكن مذاعاً عبر وسائل الإعلام وكان مقتصراً على تغطية محدودة وتمت دعوة شخصيات بعينها للحوار، ما أفقده شروطه المطلوبة.
ورداً على فكرة أن النظام استفاد من مشاركة معارضين لتحسين صورة الحوار، قال سامي لرصيف22: "بالطبع النظام استفاد لكنه كان سيستفيد أكثر إذا قاطعنا الحوار. لقد شاركنا وأدلينا برفضنا للتعديلات".
في آخر جلسات الحوار المجتمعي، تباهى رئيس البرلمان علي عبد العال بإشراك المعارضة، وأعلن أن المجلس استمع للرأي والرأي الآخر والآراء جميعها ستكون محل اعتبار من جانب اللجنة التشريعية والدستورية عند نظرها في مشروع التعديلات.
ويعتبر رئيس حزب الدستور خالد داود، والذي لم توجه له دعوة للمشاركة، أن الحوار المجتمعي مجرد تحصيل حاصل لاستكمال مظاهر تمرير التعديلات والهدف منه إرسال رسالة إلى الدول الأجنبية بأنهم استمعوا إلى كافة الآراء.
"الحوار المجتمعي استخدمه النظام كأداة للتجميل، ومشاركة المعارضة عززت ذلك، والتعديلات الدستورية تمهد الطريق لتشكيل نظام أكثر قمعاً يغلق الطريق أمام أي تحول ديمقراطي حقيقي"... مصريون يحذرون من التعديلات الدستورية ويفكرون في خطواتهم القادمة
"التعديلات شديدة الخطورة وينبغي على قوى المعارضة أن تتحرك ضدها بفعالية. هناك غالبية صامتة تستشعر خطر التعديلات وستعزف عن المشاركة، وعلى المعارضة حثها على للتصويت بـ(لا)"... معارضون مصريون يدعون إلى مواجهة تعديل الدستور
وأضاف داود لرصيف22 أن الحركة المدنية الديمقراطية تواجه الكثير من التضييقات بسبب موقفها المعارض وجرى القبض على نحو 115 عضواً في أحزابها بينهم قيادات بارزة مثل معصوم مرزوق، كما أنها ممنوعة من تنظيم أية ندوات أو مؤتمرات جماهيرية أسوة بالأحزاب المؤيدة للسلطة.
الدكتور مصطفى السيد كان إحدى الشخصيات التي شاركت في الحوار المجتمعي ورفضت التعديلات. قال لرصيف22: "حضرت باعتباري مواطناً وأستاذاً جامعياً لأقول رأيي برفض التعديلات".
ورأى السيد أن أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية لا تزال تشكّل المعارضة الحقيقية للنظام في ظل تأييد باقي الأحزاب لجميع سياسات النظام، وبالتالي هي استفادت من المشاركة في الحوار المجتمعي وبات النظام يعرف أن هناك أحزاباً تعارض التعديلات الدستورية.
أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة حسن نافعة، فيقول لرصيف22 إن الحوار المجتمعي استخدمه النظام كأداة للتجميل، ومشاركة المعارضة عززت ذلك، مشيراً إلى أن التعديلات الدستورية تمهد الطريق لتشكيل نظام أكثر قمعاً يغلق الطريق أمام أي تحول ديمقراطي حقيقي.
ما هي خطوات المعارضة القادمة؟
"التعديلات شديدة الخطورة وينبغي على قوى المعارضة أن تتحرك بصورة أكثر فعالية والمطالبة بمزيد من الضمانات قبل الاستفتاء"، يقول نافعة لرصيف22.
وبحسب تقديره، لدى النظام أدواته التي سيحشد بها لكن هناك غالبية صامتة تستشعر خطر التعديلات وستعزف عن المشاركة، ويبقى أمام المعارضة تحدي حشد هذه الغالبية ودفعها لصناديق الاقتراع للتصويت بـ(لا).
تعمل الحركة المدنية الديمقراطية في مناخات تشهد تخوينها بسبب مواقفها، فقد وصف رئيس ائتلاف "دعم مصر"، مُقدم التعديلات الدستورية، عبد الهادي القصبي، في جلسة الحوار المجتمعي في 28 مارس، الرافضين للتعديلات الدستورية والداعين للتظاهر بـ"الأصوات الخائنة".
بدوره، طالب البرلماني المصري علي بدر بإسقاط الجنسية عن أعضاء الحركة لرفضهم للتعديلات الدستورية، وقال في مداخلة هاتفية على فضائية "الرافدين+" إن "هؤلاء يجب محاكمتهم علناً بتهمة خيانة الوطن".
غير أن هناك أصوات مؤيدة للنظام أكثر اتزاناً، منها صوت رئيس البرلمان المصري علي عبد العال الذي علّق على الدعوات المذكورة بقوله: "لن ننتبع كل شخص وننزع عنه الجنسية... ومصر دولة ديموقراطية وبالتالي يجب سماع آراء الناس جميعاً، الرأي والرأي الآخر".
برأي الحركة المدنية الديمقراطية، بحسب بيانها الصادر في 29 مارس، فإن "حملات التشويه لن تجعلنا نتراجع عن التزامنا بالمسار الديمقراطي المعارض لتعديل الدستور ولن تثنينا عن إعلان موقفنا والتحذير من مغبة العبث بالدستور والآثار الخطيرة التي ستنجم عنه".
ومنذ بدء النظام إجراءات تعديل الدستور في فبراير الماضي، دخلت الحركة على الخط وبدأت في جمع تواقيع رافضة للتعديلات.
ومع دخول مشروع التعديلات مراحله الأخيرة، وضعت الحركة خريطة مواجهة تتضمن تحركات على الأرض، بدأتها في 23 مارس بإرسال مذكرة احتجاج للمجلس الأعلى للإعلام اعترضت فيها على عدم استضافة المعارضين للتعديلات عبر وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية المملوكة للدولة.
ثم قدمت الحركة في 24 مارس طلباً لوزارة الداخلية لتنظيم وقفة احتجاجية أمام مجلس النواب يوم 28 مارس (رفضته السلطة ثم رفضه القضاء)، وأرسلت مذكرة للهيئة الوطنية للانتخابات للمطالبة بضمانات لإجراء الاستفتاء المنوي عقده.
وعن الخيارات المطروحة في المرحلة المقبلة، قال رئيس حزب التحالف الشعبي: "لا نميل إلى المقاطعة ولكننا سنحشد للتصويت على الاستفتاء بـ(لا) وبدأنا جولة في المحافظات مثل المنصورة والإسكندرية وننشط عن طريق التفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وجذب الشباب إلى ندوات داخل مقار الأحزاب"، مشيراً إلى أن "غالبية الأنشطة التي يجري تنظيمها داخل مقار الأحزاب لا تتعرض لمنع الجهات الأمنية".
وأضاف: "سننتهج كل الأساليب الديمقراطية في المساحات المتاحة ليصل صوتنا إلى المواطنين، ونأمل أن يستجيبوا لرفضنا ويتفاعلوا معنا خاصة أن هناك حالة من عدم الرضا لدى قطاعات واسعة من الطبقة الوسطى لتعديل الدستور، بعدما أقروه بنسبة 98% عام 2014".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يوممقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 4 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.
mohamed amr -
منذ اسبوعينمقالة جميلة أوي