آن الأوان لكي تعرفوا أن جيناتكم ليست مجرد قدرٌ مفروضٌ عليكم...لكل داءٍ دواء.
إن جسم الإنسان منظم بطريقةٍ مترابطةٍ، وفي حين أن الإكتشافات العلمية مستمرةٌ بابهارنا في كل يومٍ تقريباً في خضم التقدم الهائل في مجال الرعاية الصحية، إلا أن التّحدي الأكبر في عصرنا هذا يكمن في كيفية دمج العقل والسلوك والصحة، لا سيّما وأن بعض الأمراض الخطيرة والمستعصية على غرار مرض السرطان تتطلب خيارات علاجية تتجاوز مسألة العقاقير.
والحقيقة أن تركيبة الإنسان ليست عبارة عن خلايا وأنسجة وأعضاء، بل الفرد بطبيعته مجبولٌ بالمشاعر والأحاسيس المختلفة، وعليه يُعتبر ربط الحالة الذهنية بالصحة الجسدية أمر ضروري للتغلب على الأمراض من جميع النواحي.
ولهذا الغرض، تم تقديم "الحلالوباثيك" كنموذجٍ جديدٍ على الساحة الطبية، بحيث تقوم فكرته على الدمج ما بين علم النفس والشق الروحاني والعقلاني لتكوين نظام صحي متصلٍ ومترابطٍ بشكلٍ جيّدٍ.
فما هو هذا المفهوم الجديد؟ وهل سيتمكن "الحلالوباثيك" في المستقبل القريب من الإطاحة بالعلاجات الطبية التقليدية؟
حلالا طيباً
يمثل "الحلالوباثيك" أي دواءٍ مشتق من العلاجات التقليدية أو غير التقليدية التي تجمع بين قيمة الدين مع فوائد العلم الحديث، واستخدام النهج الشامل والتركيز على القوة الشفائية للكلمة والهدوء.
يستند طب "الحلالوباثيك" على مبدأ "حلالا طيباً"، بحيث تكون مكوّنات الدواء خالية من المواد المحتملة بأنها غير حلال، كما أن العملية بمجملها تكون متوافقة مع الشريعة الإسلامية.
بعض الأمراض الخطيرة والمستعصية على غرار مرض السرطان تتطلب خيارات علاجية تتجاوز مسألة العقاقير
وبالتالي بمجرد وضع مصطلح "حلالاً طيباً" على الدواء سيتذكر المريض الله الشافي، كما أن هذا الأمر من شأنه تعزيز الثقة بين المريض، الطب، شركات الأدوية والأطباء: سوف يشعر المريض بأن الدواء قد تم إعداده وتحضيره تحت الحدّ الأقصى من النظافة، والحد الأدنى من التلوث، وأن عملية العلاج برمتها نظيفة ونقية ومطابقة للشريعة الإسلامية.
هذه المعرفة ستجعل الشخص يشعر بأن هناك علاج فعلي لمرضه، مما سيجعل قلبه يمتلىء بالأمل بدلاً من اليأس، الأمر الذي من شأنه تحسين حالته النفسية والإحساس بالهدوء والطمأنينة في قرارة نفسه، مما سيساعد في تطوير الظروف الملائمة وتفعيل تأثير الدواء الوهمي وتحقيق علاج أكثر فعاليةً.
مجرد وضع مصطلح "حلالاً طيباً" على الدواء سيتذكر المريض الله الشافي
القوة الشفائية
في الواقع إن التوافق بين العلاج والمعتقدات الدينية يولد نظاماً أكثر تكاملاً واستقراراً، ويخلق حالة من العناصر المتقاربة معاً، وبالتالي يحسن نظام المناعة في الجسم بشكل يسمح بوجود مواد غريبة، مثل الادوية، دون أن تحدث ردة فعل سلبية من قبل جهاز المناعة.
من هنا يمكن القول أن القوة الشفائية التي يحملها مفهوم "الحلالوباثيك" تعتمد في الأساس على إيجاد علاقةٍ بين إيمان الشخص والعقاقير العلاجية حيث يتم إيقاف تشغيل جينات محددة عن طريق ما فوق الجينات، خاصة وأن هناك العديد من الأمراض التي يُعتقد أنها على علاقة بالمكون ما فوق الجينات، على غرار الزهايمر، السرطان...بالإضافة إلى الكثير من الاضطرابات والأمراض النفسية كالتوحد، الفصام، واضطراب المزاج ثنائي القطب (Bipolar)...
وبهدف جعل العلاج أفضل عن طريق "الحلالوباثيك"، فإنه من المستحسن إيجاد علاقة بين المعتقدات الدينية والعوامل العلاجية، وإنشاء نظام مترابط لينعكس على كيمياء أجسامنا، بمعنى آخر، فإن الطاقة الإيجابية التي تأتي من التفكير الإيجابي، سوف يتم ترجمتها إلى عملٍ، كما أن الشق البيولوجي في الجسم سوف يتغير بشكلٍ يتناسب مع التغيرات غير الجينية، هذا بالإضافة إلى تقوية جهاز المناعة.
الحلالوباثيك" تعتمد في الأساس على إيجاد علاقةٍ بين إيمان الشخص والعقاقير العلاجية
باختصار، يشكل "الحلالوباثيك" مفهوماً علاجياً جديداً يقوم على فكرة استخدام القيم والمفاهيم الإنسانية والأخلاقية والروحية إلى جانب العامل العلاجي لتقديم العلاج المناسب للمريض المناسب.
كيف بدأت القصة؟
طوال حياته المهنية، اهتم العالم الفلسطيني "جواد الزير" بدراسة سوقين متناميين: صناعة الأدوية التي يبلغ حجمها 1.1 تريليون دولار وشهادة المنتجات الحلال.
وخلال عمله، شعر "الزير" أن هناك حلقة مفقودة، فمن جهة كان هناك رفضٌ من قبل الطب الحديث للرعاية الصحية المتكاملة والتي تشمل العلاج التقليدي والرعاية الذاتية والطب البديل، ومن جهةٍ أخرى لاحظ وجود نقصٍ في المعرفة من قبل العاملين في صناعة المواد الغذائية وأهمية أن تكون بعض المكونات حائزة على شهادة "حلال".
من هنا لمعت في رأس "جواد الزير" الفكرة التالية: ماذا لو قمنا بدمج هاتين الصناعتين في مفهومٍ واحدٍ يوفر لبعض المسلمين الضمانات الدينية الإضافية التي يحتاجونها في علاجهم الطبي؟
وبالتالي تبلورت فكرة الدمج بين الطب الحديث، الطعام الحلال والشق الروحاني، في ذهن العالم الفلسطيني وبدأ الحديث عن تقنية "الحلالوباثيك".
يعتقد "الزير" أن "عقاقير الحلال"، المعتمدة علمياً، يمكن أن تكون واحدة من 3 مبادىء أساسية لل"الحلالوباثيك"، إلى جانب الممارسات الحلال ( بما في ذلك الأطعمة المعتمدة) والعقيدة الإسلامية، إذ أن نظريته تكمن في أن "الحلالوباثيك" من شأنها أن تخلق تأثير الدواء الوهمي، حيث تؤدي توقعات المريض لما يمكن أن يفعله الدواء إلى تحقيق فائدةٍ جسديةٍ.
وتعليقاً على هذا الموضوع، قال العالم الفلسطيني:"الظروف المواتية تشجع الشفاء التام"، مشيراً إلى أنه في حال كانت العقاقير متوافقة مع الإنسان، فإنه سيتم تعزيز الثقة في الدواء المصمم بطريقةٍ عقلانيةٍ وبالتالي سيتم تنشيط تأثير الدواء الوهمي لبدء عملية الشفاء، هذا وقد أعرب "الزير" عن أمله في أن تعتمد المستشفيات والعيادات في يومٍ من الأيام "الحلالوباثيك" في الإجراءات العلاجية المتّبعة.
"الحلالوباثيك" تخلق تأثير الدواء الوهمي، حيث تؤدي توقعات المريض لما يمكن أن يفعله الدواء إلى تحقيق فائدةٍ جسديةٍ
الجدير بالذكر أن المبادىء التي تقوم عليها "الحلالوباثيك" ليست جديدة، اذ أن هذا النهج تم تطويره في السابق من قبل الإغريق منذ حوالي الف عام، لينتشر في القرن العاشر والحادي عشر على يد بعض الإسلاميين، بما في ذلك إبن سينا، الرازي والبيروني.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يومينوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت